أهمية مؤسسة النفط أنها المصدر الوحيد لتمويل ميزانية الدولة، وأنها المرفق الوحيد الذي قاوم التقسيم رغم المحاولات الكثيرة لتفعيل مؤسسة نفط موازية وبذلك هي الرباط الذي منع انقسام البنك المركزي في البيضاء عن الرئيسي في طرابلس رغم التعديات الكثيرة على أصوله وتكبيده بديون كثيرة وطبع عملة غير موافق عليها من الرئيسي.
التجاذبات الأخيرة بين وزير النفط ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط هي استمرار لزج النفط في المعركة السياسة ومحاولة استحواذ الفاعلين الإقليمين على العوائد ضمن المعترك السياسي المتشظي؛ لا أحد ينسى قصة العدادات وتوقف النفط لأكثر من ثلاثة سنوات على يد المعتوه جضران وكانت الخسائر تناهز مئة مليار دولار والذي صُنع منه زعيما ثم ترك يهيم على وجهه في الصحراء ولا أحد ينسى الخطب الرنانة لزعماء القبائل حول ترك النفط ليتعتق في مكمنه، وأخيرا قفل النفط من حفتر خلال سنة 2020 من يناير إلى سبتمبر لأكثر من ثمانية اشهر تنفيذا لأوامر الدول الإقليمية حتى أن دخل النفط لم يتجاوز 3.5 مليار دولار خلال سنة 2020، ماذا كانت النتيجة ؟ استنزاف مدخرات الدولة من العملات الصعبة، تهالك خطوط الأنابيب ومعدات التشغيل، عدم قدرة شركات النفط على سداد ديونها، ومما زاد الأمر سؤا قيام حكومة الثني بصرف أكثر من 60 مليار دينار 45 مليار على معدات الحرب.
توالي النكبات المصطنعة من الدول الإقليمية جعل الدينار الليبي يتهاوى وترتفع العملات الصعبة إلى أربعة اضعاف قيمتها وبذلك يزداد التضخم والغلاء وتناقص القدرة الشرائية وتضائل مدخرات الأفراد إلى الربع.
لا شك أن رئيس المؤسسة حاول كثيرا أن يكون برغماتيا في تعامله مع الإحداث السياسية، مثل التعامل المباشر مع الفاعليين الدوليين أصحاب المصالح؛ أخرها تحويل الإيرادات إلى المصرف الخارجي دون تسيلها للمصرف المركزي، كما تعامل مع مدراء الشركات وكذلك المؤسسة العسكرية في المنطقة الشرقية، إضافة إلى تقديم المعونات والمساعدات للفاعلين المحليين من أجل عدم إرباك إمدادات النفط في دولة حكوماتها ليست لها القدرة على بسط سلطاتها عليها.
الخلاف بين وزير النفط ومدير المؤسسة ربما قديم قدم وجود الرجلين، فوزير النفط بقي على عهده للنظام السابق كرئيس لشركة مليته للنفط حتى بعد دخول الثوار مدينة طرابلس في سنة 2011، وحاول مع مدير مؤسسة النفط السابق عمران بوكراع تشغيل خط أنابيب مصفاة الزاوية الوطية لتزويد المصفاة من خزانات مجمع مليته، بعد قفل خط حقل الشرارة، وبعد الحفر على مسار الخط وجد انه متهالك، عند إنشاء المؤسسة الموازية في البيضاء انضم إليها الوزير من أجل تصدير النفط خارج المؤسسة الرسمية والذي أوقفتهم القوات الأمريكية في المتوسط التي منعت التصدير غير الشرعي، والوزير جزء من التحالف الإقليمي وأعني مجلس النوب والحكومة المصرية، ونُصب للوزارة كجزء من المحاصصة الموالية، ورغبة الوزير في تغيير لجنة المؤسسة أعلن عنها في الكثير من المناسبات وعلى القنوات الفضائية، ولأجل أن يكون للمؤسسة من هو ذو توافق مع الحكومة المصرية وإلإماراتية، وخاصة أن الأخيرة خسرت قضية شركة ليركو الإماراتية التي تدير بالمشاركة مصفاة رأس الأنوف، وقد نتج عن النزاع توقف المصفاة عن الشغل لأكثر من ثمانية سنوات، وإذا سأت الأمور فإن الحكومة الليبية والمؤسسة قد توقف التعاقد مع شركة جي أي إس الإماراتية العاملة في الغرب الليبي في مجال الخدمات النفطية، والأمر الثاني ضمان حصول مصر على مشاريع في مجال النفط والتي ليس لها نصيب مع إدارة المؤسسة الحالية.
رئيس مجلس ادارة مؤسسة النفط الليبية الحالي هو القائم بأعمال وزير النفط الليبي منذ 20 أغسطس 2014، ويرى لا أهمية لوجود وزير نفط، في حين الوزير يرى أن المؤسسة تهتم بزيادة الإنتاج والوزارة تهتم بالتعاقد. في لقاء مع موقع سبوتنيك الروسي يوم 2 سبتمبر 2021 قال صنع الله “أن مؤسسته لا ينبغي أن تكافأ على مواقفها بهذه الطريقة “غير الأخلاقية” على حد وصفه، معتبرًا أن ما يجري فيه إضرار بمصلحة الوطن. وأضاف: “المؤسسة صامدة وقوية، وهي مثل بيتي لا أسمح شخصيًا بأن يتم التعدي عليها”، وأعلن صنع الله رفضه قرار وزير النفط إقالته من منصبه وإحالته للجنة التحقيق، معتبرًا أن “ادعاءات الوزير” ناتجة عن “عداء شخصي” بينهما، منذ العام 2011، عندما تم فصل الوزير من رئاسة شركة مليته للنفط.
بغض النظر عمن هو وزير النفط ورئيس المؤسسة، فإن قطاع النفط يعاني من الكثير من الإخفاقات، بين بعضها تقرير ديوان المحاسبة الأخير، منها التوسع في التعيين حتى وصل عدد العاملين بشركات النفط إلى ما يقارب 60 ألف في حين الاحتياج لا يزيد عن 30 ألف، هذا الأمر جعل شركات المؤسسة تنفق على بند المرتبات من باب التنمية حيث وصل الإنفاق إلى 45% من ميزانية الشركات، وهو الذي أثر سلبا على توريد مواد التشغيل وتنفيد مشاريع الصيانة والتشغيل وزاد من الديون على الشركات المتعاقدة. كما أن المؤسسة عجزت عن تفعيل اتفاقيات استثمار لأكثر من 30 امتياز ثم توقيعها منذ العهد السابق، ولم يكن هناك توسعة في التصنيع للمحروقات فمصفاة رأس الأنوف متوقفة منذ سنوات ولم تستطيع المؤسسة فك ارتباطها مع شركة ليركو الإماراتية، وأن مصانع رأس الأنوف الكيميائية متوقفة لسنوت مع استمرار التعيين والبعثات للخارج، ومصافي الزاوية والسرير وطبرق بين العمل والتوقف في كثير من الأحيان، والكثير من خطوط الأنابيب متهالكة وتحتاج إلى تجديد، والكثير من مستودعات النفط دمرت خزاناتها مثل السدرة وأبوالطفل ومسلة ولم يتم إصلاح إلا القليل منها، كما أن تأمين الوقود للجنوب مشكلة معقدة، وتغيير سعر الوقود مشكلة أكبر والتي يتسبب تدني أسعارها إلى تهريب الملايين منها، إضافة إلى تقاعس الشريك الأجنبي في توفير المشورة الفنية والمساهمة في التنمية المكانية، حتى أصبح الشريك الأجنبي مثل الزائدة الدودية لا دور له فنيا ولا حاجة له إداريا.
التقارير الأخيرة من المتابعين للشأن الليبي يقدرون حجم التصدير 1.8 مليون برميل نفط يوميا حتى تتمكن الحكومة من سد العجز في ميزان المدفوعات، أي نسبة زيادة إنتاج تقارب 40% وهو معدل كبير يحتاج إلى استثمار أموال ضخمة لزيادة القدرة الإنتاجية والذي من الصعوبة بمكان توفيره في الوقت الراهن.
للأسف بدل من اً أن يتم التفكير في هكذا قضايا مهمة للاقتصاد الليبي يتم اختصار المشهد في مناكفات وزير النفط وداعميه ورئيس المؤسسة ومريديه، وتبقي المصلحة العامة تتقاذفها رغبات الدول العربية الإقليمية.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً