إن نمط الحياة تغير ولازال يتغير بوتيرة سريعة وبدرجة لم نعد نستطع معها تحمل هذا التغيير أو مجاراته، لقد عشنا وتربينا في بيئة إجتماعية تكاد تكون مختلفة تماما لما نعيشه ونراه اليوم في شوارعنا ومدارسنا ومؤسساتنا بل ربما حتى في بيوتنا. عشنا في بيئة إجتماعية يحترم فيها الصغير الكبير تبدأ في ومن البيت فالأب عندنا هو رأس الأمر في البيت وهو صاحب القرار الفصل في أي شأن من شئون الحياة لا ينازعه في ذلك أحد، فالأب ربما اكتسب ذلك من خبرته واختلاطه مع أنواع وأنماط من الناس من مختلف المناطق والمدن والقرى فيختلف بذلك سلوك الأفراد وثقافاتهم ولكن الذي يجمع الآباء والأجداد من مختلف بيئاتهم الإجتماعية هو قيم راسخة ثابتة قوية إن لم تكن دينية فهي إجتماعية يستظل الجميع بظلها الإجتماعي وتؤثر في أبناء المجتمع فتجعل منهم رجالا وتنعكس على الآباء في معاملاتهم داخل البيت وخارجه. فكانوا رجالا يحترم بعضهم البعض ويقدر أحدهم الآخر رجالا يتحملون المسئولية الفردية والإجتماعية الملقاة على عاتقهم ويقدرونها حق التقدير فيقومون بها على أكمل وجه، فهل نحن مدركون أم مغلوبون؟؟؟
رأينا في أبائنا وأجدادنا القدوة الحسنة في حسن التعامل والقدرة على التعامل مع الآخرين بمستوى راق في البيع والشراء في احتواء القضايا الإجتماعية في الميراث في العلاقات الأسرية في التعامل مع المدرسة ودعم الإدارة والمدرسين والبرامج التعليمية بكل ما يستطيعون فكانوا حقا دعامة لبناء مجتمع تسوده العدالة وفهم الأدوار كلٌ حسب إمكانياته بدون حسد ولا حقد فلم تكن هذه الأمراض الإجتماعية السائدة اليوم والتي أضحت من سمات مجتمعاتنا اليوم لها مكانا بينهم فلا تكاد تسمع بها وإن كانت موجودة فنادرة، أعتقد أن القيم التي عاش بها وفيها الأباء والأجداد وتربوا عليها كانت تحتم عليهم عدم إشاعة هذه الأمراض لكي لا تنتشر وتشيع في المجتمع فتهلكه كما أهلكتنا ألم يقل الله سبحانه وتعالى في هذا الشأن: “إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ” (19/24)، فما بالنا اليوم؟؟؟!!
لقد تأثرت كثيرا بتلك القيم أيما تأثير لازلت أذكر وأنا صغيرا في المرحلة الإبتدائية حين كان أبي رحمه الله يختلف مع أحد فكنت أنا أتصرف مع ذلك الرجل الذي خاصمه أو اختلف معه أبي بأنه عمي دون تفكير أو تردد في الأمر أحترمه أذهب إليه وأتحدث معه وكأن الأمر لا يعنيني ولم أسمع من أبي كلمة واحدة في ذلك الرجل لا من قريب ولا من بعيد فكان حريصا على عدم تأثر العلاقة بيننا وبين ذلك الرجل كان حريصا على عدم نقل الخلاف لنا فكان لا يتكلم عن ذلك الخلاف أبدا فلولا أني لم أره بأم عيني ما كان لي أن أعرفه لأنهم تربوا على احترام الآخر حتى الخصم كانت تلك أخلاقهم أخلاق الإسلام وإن لم يكونوا متعلمين بالقدر الكافي كتعليمنا أليست هذه هي أخلاق المسلمين، فيا لهم من أباء وأجداد… وفي المقابل أنظر إلى حالنا كيف نفجر في الخصومة وكيف ننقل العداوة إلى أبنائنا وإخواننا وأبناء إخواننا وأخواتنا وأبناء أخواتنا… ولا نتتهي القائمة عندنا في التشهير بالخصم وإذكاء نار الخصومة والفتنة بيننا ونادرا ما تجد فينا عاقلا يدعوا إلى وقف الخلاف وعدم إذكاء ناره، فمن أي طينة نحن؟؟!!!
أيها الأباء، أيها الأجداد: رحمكم الله جميعا وجزاكم عنا كل خير لقد خلف من بعدكم خلفٌ أضاعوا كل قيمة تمسكتم بها كل قيمة غرستموها وعملتم جاهدين على تربيتنا في ظلها، لقد فرطنا في كل شيء، فرطنا في صلاتنا فلم نعد نحرص عليها مثلما كنتم تحرصون، “ومن يصلي منا فلا تسئله عن حب الآخرين فالصلاة عندنا صارت ركعات نؤديها لا معنى لها فليس لها علاقة بأخلاقنا والكتاب هو ما يوافق هوانا”، فرطنا في إخواننا وأخواتنا فلم نعد نأبه بهم إن كانوا جائعين بل حتى وإن كانوا عراة، فرطنا في الحب المتبادل بيننا وبدلناه بكل قبيح واستبحنا كل المفسدات، فرطنا في أخلاقنا فلم يعد لدينا أخلاق ومن الصدق إلا كل التالفات فلم نعد نستطيع السير في ركب الحياة، لقد فرطنا حتى في أرضنا وأصبح كثير منا في تعداد الشتات!!!
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً