طُويت صفحة الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي، الذي ظل يردد أنه قرر اعتزال السياسة بعد فوز غريمه الاشتراكي فرانسوا هولاند.
ويعد مراقبون فوز هولاند هزيمة شخصية للشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمير قطر ربما تفقده الامتيازات الضريبية التي مُنحت للمستثمرين والمقيمين القطريين في بداية عهد “الصديق” المهزوم.
فقد وعد هولاند بإصلاح شامل للنظام المالي لجعله أكثر عدالة بين الفرنسيين بفرض ضريبة نسبتها تقدر بـ75 في المائة على جميع المعاملات المالية التي تقوم بها البنوك والشركات الكبرى وعلى الأغنياء ممن يزيد دخلهم على مليون يورو سنوياً، وبمعالجة الملفات الاجتماعية والاقتصادية العالقة للتخفيف من حدة الوضع المتردي الذي ورثه عن سلفه.
وكان النظام الضريبي الفرنسي منح امتيازات للمستثمرين والمقيمين القطريين، بفعل اتفاق اقترحه ساركوزي، ووافقعليه كل من مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية بداية 2008.
وبفضل هذا الاتفاق لا يخضع القطريون للضريبة على أرباح الرأسمال ولا يدفعون ضريبة التضامن على الثروة خلال السنوات الخمس الأولى لوجودهم في فرنسا.
ويذكر أن ساركوزي أصبح من أكثر الزعماء في الغرب توددا لأسرة آل ثاني، خاصة منذ تفاقم الأزمة الاقتصادية في أوروبا. ولقطر حصص في كبرى الشركات والمؤسسات المالية العملاقة في القارة الأوروبية، وبالذات فرنسا.
فالأمير حمد هو أول حاكم عربي زار ساركوزي عقب وصوله لقصر الاليزيه في مايو/أيار 2007. وقد برز الثنائي القطري الفرنسي في ليبيابفضل الدعم السياسي والعسكري الذي قدماه إلى الثورة الليبية.
قلب ظَهر المِجَنِّ
والجدير بالذكر أن قطر تعرضت إلى العديد من الانتقادات بسبب ما أسمته وسائل إعلام محلية بـ”الهيمنة” و”التوسع” و”الغزو” من بلد يمارس دبلوماسية “دفتر الشيكات”.
وأصبح اسم قطر يثير العديد من التساؤلات لدى الفرنسي العادي بسبب استثماراتها في العديد من المجالات، بدءاً بالرياضة، ومروراً بالإعلام، وصولاً إلى الأحياء الشعبية التي تسكنها غالبية مغاربية. ولعبت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان على هذا الوتر.
وزادت الطين بلّة خيبة ساركوزي في الفوز بصفقة قطرية لـ”الرافال”، جوهرة صناعة الطيران العسكري الفرنسي، لرفع من رصيده في المعركة الإنتخابية، وكذلك منع يوسف القرضاوي، الذراع الدينية لقطر، من المشاركة في مؤتمر اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، بعد “أحداث تولوز”.
بعد يوم من هزيمة ساركوزي في الانتخابات، والتي أقر بها بكل تواضع وروح رياضية، أجرى امير قطر اتصالا هاتفيا مع هولاند ليهنئه بالفوز.
ولم يشر الشيخ مطلقا الى صديقه المهزوم الذي تلقى اتصالاً هاتفياً من الرئيس الأمريكى باراك أوباما يعرب له فيه عن “شكره لما أبداه من قيادة قوية وصداقة وشراكة فى الأوقات العصيبة”، ومن المجلس الوطنى الانتقالى الليبى يشكره للدعم المادى والمعنوى الذى ساهمت به فرنسا في إنجاح الثورة الليبية”.
أما رئيس ساحل العاج، الحسن وتارا، فقد زاره في قصر الاليزيه ونزل ساركوزى على الدرج لاستقبال “صديقه الشخصي” من دون بروتوكول.
مغازلة “فرنسا الجديدة”
لكن “البراغماتية” القطرية بدأت بالتحرك قبل سنة من موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية.
ففي مايو/أيار2011، قدمت قطر “هدية” لهولاند عندما تعرض رئيس المجلس الاقليمي لمنطقة “كوريز” الريفية (وسط فرنسا) لهجوم من قبل المعارضة اليمينية عن النتائج الاقتصادية السيئة في منطقته.
وكان معمل “لو تانور” للمنتجات الجلدية – الذي يعد من أهم المؤسسات الاقتصادية في المنطقة ويشغل أكثر من 320 عاملة وعاملاً – مهددا بالإفلاس والتصفية.
فهبت “مجموعة قطر للرفاهة“، وهي شركة تابعة للشيخة موزة، الزوجة المفضلة لأمير قطر، واشترت حصة مسيطرة (52.73 في المائة) في شركة “لو تانور” التابعة لأحد صروح صناعة المنتجات الجلدية الفرنسية، “لويس فويتون”، المتخصصة في المنتجات الفاخرة (ملابس جاهزة، أحذية، ساعات، مجوهرات، إكسسوارات، نظارات شمسية) وتعد إحدى أغلى الماركات المعروفة في العالم.
ولم يعلن بيان “لو تانور” عن مبلغ الإستثمار، لكن مصادر صحفية فرنسية أفادت انه يقدر بـ23 مليون يورو. ونشرت إحدى الصحف صورا للمعمل وبالقرب منه رسمت على الأرض حلقة بالطلاء الأبيض مخصصة لنزول هليكوبتر الشيخة موزة.
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، أثنى فرانسوا هولاند على قطر قائلا “قطر لها دور ضروري جدا في الشرق الأوسط لأنها تتحدث إلى جميع الفرقاء، مثل الإسرائيليين والفلسطينيين (…) انها تلعب دورا في الاستقرار والبحث عن السلام”.
إتصالات مباشرة وغير معلنة
كما أن الحزب الاشتراكي أجرى عدة اتصالات مباشرة وغير معلنة منذ عدة أشهر مع مسؤولين قطريين.
فرئيس الوزراء الفرنسي الأسبق لوران فابيوس قام في فبراير/شباط الماضي بجولة في الشرق الأوسط شملت كلا من إسرائيل ورام الله ولبنان وقطر والإمارات، بتكليف من هولاند.
ومانويل فالس، المتحدث باسم هولندا، والمرجح أن يتقلد وزارة الداخلية، ربط الصلة أواخر ديسمبر/ كانون الاول الماضي مع سفير قطر بباريس جهم الكواري، أحد أهم المقربين من رئيس الوزراء والرجل القوي في النظام، حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، الذي يدير “هيئة قطر للاستثمار”.
وفي يونيو/حزيران 2010، أشاد وزير الثقافة الفرنسي السابق جاك لانغ بقطر كـ”بلد عربي يهتم بالتعليم والثقافة” خلال تسلمه “جائزة الدوحة عاصمة للثقافة العربية 2010” من السفير القطري بباريس.
وفي يونيو/حزيران 2009 وقع تقليد الشيخة موزة السيف الأكاديمي في احتفال بـ”أكاديمية الفنون الجميلة” بباريس، حضره الشيخ حمد ووفد قطري رسمي وسياسيون فرنسيون من بينهم سيغولين رويال، المرشحة لانتخابات الرئاسة الفرنسية لسنة 2007 عن الحزب الاشتراكي.
وفي إبريل/ نيسان 2008، أكدت سيغولين رويال ان “قطر تشهد أكبر حراك سياسي وديمقراطي في منطقة الشرق الأوسط”، خلال حفل عشاء نظمته السفارة القطرية بمناسبة مشاركتها في “منتدى الدوحة للديمقراطية والتنمية والتجارة الحرة”.
وخلال المنتدى، حثت وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني آنذاك الدول العربية على اقامة علاقات مع اسرائيل وسعت الى وضع الدول العربية المعتدلة في المعسكر نفسه مع اسرائيل بمواجهة “المتطرفين”.
اترك تعليقاً