المناورات السياسية المستمرة والإعدادات الدستورية القائمة لتنظيم انتخابات رئاسية ليبية مجرد (خزعبلات).. والركون إلى اعتبار الانتخابات (التقليدية) مفتاح الاستقرار (وهم).. وفتح باب التفكير في البدائل أصبح (ضرورة).
فور إعلان رحيل الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد إلى مثواه الأخير في العاشر من يونيو عام 2000 كانت الترتيبات (الدستورية) لانتقال الخلافة في دمشق وتولي (توريث) السلطة للرئيس بشار الأسد جاهزة.. كان أبرز تصريح دولي (لافت) وغريب آنذاك قد صدر من البيت الأبيض وإدارة (بيل كلينتون) يبارك الانتقال (السلس) للسلطة في سوريا.. أبرز دول الممانعة والرفض للسياسات الأمريكية و(الإسرائيلية) في المنطقة.. وغضت الولايات المتحدة النظر عن غياب الأرضية الانتخابية عن النموذج السوري لانتقال السلطة.
وفي الثلاثين من يونيو (2013) في عاصمة (أم الدنيا) حسم الجيش المصري الأمر تجاه حكم (الإخوان) وليد انتخابات 2012.. وفكك البنية (الانتخابية) غير مضمونة المخرجات على أمن مصر أمام صمت (هيلاري كلينتون) عراب الربيع العربي (الديمقراطي) التي لم تنبس ببنت شفه حول التغيير الذي حصل في مصر وما آلت اليه التجربة الانتخابية آنذاك.. متجاهلة (وعود) ديمقراطية الانتخابات التي أعلن عنها الرئيس (أوباما) في جامعة القاهرة قبلها بخمس سنوات.
وفي صبيحة السادس والعشرين من يوليو 2023 اعتقل الحرس الرئاسي في النيجر الرئيس (المنتخب) محمد بوعزوم واستولى على السلطة.. أخذت من دولة النيجر قرابة ستين عاماً (1960-2021) لتسجيل أول حالة تداول سلمي للسلطة عبر الانتخابات.. ولكنها أخذت من العسكر بضع سويعات ليعيدوا النيجر سيرتها الأولى .. وتم الإجهاز على العملية الديمقراطية وغل يد الرئيس المنتخب للبلاد.. تلكأت الولايات المتحدة (الحليف) القوي للرئيس النيجري المخلوع في البداية.. ثم سرعان ما أدارت له ظهر المجن تاركة إياه وعائلته حبيسا معزولا .. ومعترفة بالحكام العسكريين الجدد.
هذه الأمثلة والشواهد (السياسية) الثلاث على مدى ربع قرن تقودنا إلى حقيقتين تاريخيتين هامتين.. الأولى أن فكرة ونموذج الانتخابات في هذه المنطقة (العدو) والمنافق لمسألة التداول السلمي على السلطة أمر بعيد عن الواقع.. وأن الانتخابات الرئاسية (إن نُظِمت) في هكذا دول ومجتمعات لا تعدو كونها صفقة او لعبة وتسوية لتفادي صراع ما في حينه.
والثانية أن نوايا رواد وجهابذة التحول الديمقراطي عبر إجراء الإنتخابات (الأمريكان) يتم توظيفها وفق أولوية المصلحة الأميركية العليا بغض النظر عن طبيعة او مآلات التغيرات السياسية الداخلية.
في ليبيا.. هذا البلد الذي يسير عكس عقارب ساعة المنطق والعقل.. يعيش شعب لم يعرف للانتخابات الرئاسية سبيلا على مدى سبعة عقود.. فبينما تقوم الانتخابات في الأساس على القبول بالنتائج يحتكم هذا الشعب (العنيد) إلى سلوك الغلبة وعدم القبول بالآخر .. هناك حالة تصحر ثم التباس مجتمعي منذ 2011 تجاه فكرة وإمكانية وأهمية الانتخابات كآلية لحل إشكالية شرعية الحكم والخروج من حالة الصراع والعنف نحو التعافي والاستقرار.. يسود شبه إجماع من (الخداع) المجتمعي .. فالأطراف الرئيسية المحلية للصراع شرقاً وغرباً لا ترغب في تنظيم انتخابات رئيسية لأن نتيجتها ستقصيها من السيطرة وحتماً ستجردها من مكاسب ومزايا السلطة .. علاوة على رفض الخاسر قبول أي مخرجات انتخابية.. كما يدرك الناخبون حقيقة هذا التناقض وتسويف الطبقة السياسية .. وبالتالي هل من الحكمة السير وراء أمر تُعرف مآلاته مسبقاً؟
الولايات المتحدة وهي أكثر الدول الضالعة في حصول التغيير السياسي في ليبيا عام 2011 مارست عبر مبعوثيها إلى ليبيا تضليلا واسعا تجاه الأزمة الليبية واستمرار حالة عدم الاستقرار بسبب توظيف مسألة إجراء انتخابات رئاسية في ليبيا وفق المصالح (الوطنية) الأمريكية.. تارة بالضغط لتنظيمها.. وتارة بالتغافل عن ذلك.. وتارة أخرى وهي الأكثر خطورة وتلاعبا العمل على إفشال أي فرصة للاقتراب من ذلك (الحلم) الشعبي الليبي.. كما حصل في الترتيبات الانتخابية في 24 ديسمبر 2022 التي تم إجهاضها بذرائع واهية أقرتها الولايات المتحدة نفسها.
الحقائق والمعطيات على الأرض والواقع والتي تنطلق من الدرسين المشار إليهما تشير إلى أن تنظيم انتخابات رئاسية موثوقة في ليبيا ما زال أمر بعيد المنال.. ويقفز سؤال كبير لدى النخب الواعية وأصحاب (الحلم) الانتخابي.. ما هو البديل؟.. وواقع الحال فإن البدائل ليست دائما ما تملكه بل ما تفرضه عليك الظروف.. خيارات مثل تشكيل جمعية وطنية تأسيسية أو مؤتمر وطني جامع أو وثيقة تفاهمات وطنية لا حظوظ لها للنجاح والتأثير.. ففي الحالة الليبية المستعصية فإن بدائل الانتخابات (النزيهة) الرئاسية لن تكون بغير صفقة دولية للأطراف الرئيسية الدولية التي تشكل المشهد السياسي الليبي لإدارة البلد (سياسياً وأمنياً واقتصادياً) تتم شرعنتها عبر البعثة الأممية للدعم.. ولن يكون هذا البديل بعيداً في حال عودة (دونالد ترامب) سيداً للبيت الأبيض مجدداً.. لأن البديل الذي كان ممكنا في فترة ما في السابق وهو تمكن طرف محلي ما من القبض على زمام الأمور بالقوة صار غير متاح حاليا.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً