حذرت المؤسس لموقع الأصوات العالمية على الإنترنت، من اعتماد الصحفيين على الشبكة العالمية في استخلاص تقاريرهم.
وقالت ريبيكا ماك كينون عضو مؤسسة أميركا الجديدة “ليست وسائل الإعلام الاجتماعية العاملَ الوحيد أو الحاسم في اتخاذ القرار الذي يؤدي إلى نجاح الحركات الاجتماعية”.
واضافت “لقد عملت وسائل الإعلام الاجتماعية على تغيير طريقة جمع الأخبار واستهلاكها، ولكن الاعتماد الزائد على التكنولوجيا يمكنه أن يقف عقبةً في طريق الصحافة النوعية.
وأكدت في الندوة العالمية لأبحاث وسائل الإعلام الاجتماعية التي أقيمت بالجامعة الأميركية في واشنطن “ان الربيع العربي بدأ في المرحلة 1.0 قبل أن يستخدم الناس الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية لنشر أخبار قضيتهم”.
وقالت في تصريحات نقلت خلاصتها شبكة الصحفيين الدوليين “على مدى سنوات، التقى الناشطون الأكثر تأثيراً وإبداعا من تونس ومصر ودول عربية أخرى شخصياً في عدد من اجتماعات المدونين العرب. وقد كان تبادل النقاش خارج نطاق الإنترنت والعلاقات الشخصية من بين الأسباب التي أدت إلى نجاح الحركة في مصر”.
وطالبت ماك كينون المولودة في كاليفورنيا والتي سبق وان عملت في شبكة “سي ان ان” الاخبارية وعاشت في الصين والهند الا تدع الموضوعية الزائفة التقليل من شأن الأخلاقيات.
وشددت الصحفية التي تجيد أكثر من لغة “ينبغي على جميع الصحفيين أن يسعوا إلى الحقائق ويحترموها، هناك فرقٌ بين عدم الموضوعية مع وجود بوصلة أخلاقية من جهة وبين صحافة التحرير الصحفي من جهة”.
وقالت ماك كينون التي أصبحت ناشطة عالمية في الدفاع عن حرية الإنترنت، وصدر لها كتاباً حول النضال العالمي من أجل حرية الإنترنت، “في مجال صحافة الرأي، فإنني لا أرى كيف يمكنني إخفاء ما أعتقد أنه صحيح، وراء (الموضوعية) الزائفة عندما يُقتل شخص ما مثلاً بسبب الدفاع السلمي عن آرائه. هناك دور لمثل هذا النوع من الصحافة المستندة إلى الحقائق، والتي تهدف إلى إحداث تأثير وإقناع الناس بالقيام بعمل ما إزاء القضايا المهمة”.
واشارت الى ان “المنحى الصحفي الأميركي الكلاسيكي للموضوعية (هو خاص بالولايات المتحدة الأميركية)، فإذا نظرت إلى الصحافة في أوروبا، فستجد أن الصحيفة يمكن أن تكون أكثر ارتباطاً بالأحزاب السياسية أو المواقف الفكرية، ومن الشائع في الكثير من أنحاء العالم أن تكون هناك صحافة يتابع الناس من خلالها الحقائق، وتقدّم فيها الحقائق مع إدراج وجهة نظر سياسية أو أخلاقية، ولسبب ما فإن الكثير من كليات الصحافة الأميركية تتصرف وكأن هذه الظاهرة غير موجودة”.
لا تدع الموضوعية الزائفة تقلل من شأن الأخلاقيات المهنية
وعرّفت ماك كينون الصحافة الفضلى في إعداد التقارير بالتنقيب عن المعلومات وإضافة تحليل للموضوع ووضعه في السياق المناسب بطريقة لا تتوافر مسبقاً على غوغل”.
وعالجت وجهة نظرها بشأن وسائل الإعلام الاجتماعية، وموضوعية الأخبار، والصحافة التي تهدف إلى مناصرة قضايا معيّنة.
ولم ترفض ماك كينون استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية ولكنها طالبت بعدم الاعتماد عليها بشكل مفرط.
وقالت “ينبغي على الصحفيين ألا يعتمدوا كثيراً على مصادر الإنترنت، وألا يقللوا من شأن المهارات الموجودة لدى الأشخاص أنفسهم”.
واضافت “عندما كنت أدرّس صحافة الإنترنت في هونغ كونغ، كنت أجد الصحفيين الأصغر سناً يفرطون أحياناً في الاعتماد على شبكة الإنترنت، من خلال الحصول على جميع أفكار تقاريرهم من غوغل وتويتر وفيسبوك، وغيرها من الشبكات الاجتماعية. إن القيمة الحقيقية التي يأتي بها الصحفيون لا تتمثل في تكرار المواضيع أو نسخها، بل في الخروج إلى العالم الحقيقي وإعداد تقارير لا يمكن أن يجدها الناس على الإنترنت”.
وشددت بقولها “في كثير من الأحيان، ستصعب معرفة موضوع التقرير الفِعلي حتى تصل إلى قلب الحدث، وتتحدث إلى الناس هناك، وتطرح عليهم الأسئلة الصحيحة. بالإضافة إلى ذلك، فإن أدوات الاتصال عبر الإنترنت، مثل البريد الإلكتروني، قد لا تكون آمنة بما فيه الكفاية لحماية المصادر الخاصة بك”.
وكان الكاتب البريطاني سايمون جنكينز قد وضع “تصورا” لمرحلة ما بعد الرقمية من دون ان يلغي قيم القراءة التقليدية وطقوس زيارة المتاحف ودور العرض والمكتبات.
واشار في مقال تحليلي في صحيفة “الغارديان” ان العصر ما بعد الرقمي سيكون بمثابة معادل تاريخي لازمنة الراديو والتلفزيون والفاكس والصحيفة الورقية وبعدها الالكترونية، من دون ان يقلل من مستقبل قيم القراءة الشائعة والاستماع والمشاهدة الحية للحفلات الموسيقية والغنائية.
ووصف جنكينز رئيس الاتحاد الوطني البريطاني والحاصل على وسام تقدير في مجال الصحافة عام 2004، تلاشي الصحف الورقية لحساب الالكترونية بالأمر المثير للسخرية.
وطالب جنكينز الذي سبق وان اصدر مجموعة من المؤلفات التي تعالج الهندسة المعمارية والصحافة والسياسة، بعدم الوقوع في خطأ الغاء القديم من أجل التجربة الحية التي يبثها العصر الرقمي.
وضرب مثلا عن تراجع ارباح تسويق الاسطوانات الموسيقية خلال السنوات العشر الاخيرة، فيما لم تتأثر الحفلات الموسيقية الحية، “فقد اغلق في بريطانيا مثلا 40 متجراً لبيع الاسطوانات الموسيقية، في حين تذاكر حفلات ريحانة تباع بسعر 330 جنيهاً استرلينياً، والحصول على مقعد في حفل لمادونا يعادل ثمن شراء كل اسطواناتها الموسيقية”.
وقاد عدد من المشاهير تجمعات اسبوعية لتشجيع القراءة في الاماكن العامة بمشاركة قراء من مختلف الاعمار، فيما تضاعف جمهور دور السينما والاوبرا والمتاحف.
وفي اشارة الى دور التفاعل الحي بين السياسيين والجمهور، أثار سايمون جنكينز تدافع السياسيين على اللقاءات المباشرة والندوات وجهاً لوجه وتفضيلها على ندوات التلفزيون. مؤكدا ان مثل هذه اللقاءات لم تكن شائعة بالقدر نفسه قبل عشرين عاماً.
وقال ان تصاعد جمهور المتاحف والصالات الفنية كما يحدث في متحف اللوفر والمتروبوليتان في نيويورك، يمكن ان يعوض عن نسب القراءة المتواضعة في المهرجانات الادبية وانحسار القراءات الشعرية.
وتوصل جنكينز الى ان احد اسباب هذه العودة يعود الى الملل والفرار من شاشة الكمبيوتر والتلفزيون مساء الى أجواء طبيعية وفي عطلات نهاية الاسبوع.
واستشهد بتفسيرات علمية تشير الى ان التطبيقات الالكترونية للكمبيوتر تساهم في ابطاء النمو الطبيعي للدماغ، والادمان على الانترنت يضعف التجربة العقلية في تدرجها، فيما يسعى الانسان بطبعه الى الرقي بذاته وعدم الوقع أسيرا في واقع افتراضي.
واكد ان بعض مدارس ولاية كاليفورنيا الاميركية قد منعت استخدام الكمبيوتر أصلا فيها، والطريف أن المدراء الكبار في شركات غوغل وياهو وأبل يرسلون أبناءهم إلى تلك المدارس حيث يستخدم الطباشير والسبورة والورق والقلم، أثر دراسة أكدت ان أجهزة الكمبيوتر تحول دون التفكير الإبداعي والحركة والتفاعل الإنساني.
وأن ما يريد أن يقوله جينكنز هو أن من تعلم بالطباشير والقلم وكتب على اللوح الخشب والورق، هو من أقام صرح التقنيات التي نعيشها اليوم، أي أن الانجاز بشقيه الثقافي والتقني ينبغي أن يمر من بوابة التعليم الحقيقي والمتفاعل وليس فقط من خلال شاشة الكمبيوتر.
وتوصل الكاتب الذي يكتب عمودين اسبوعياً في صحيفتي “الغارديان” اليومية و”ايفنيغ ستاندر” المسائية، الى ان العصر مابعد الرقمي، لن يجعل من شبكة الانترنت مقصدا في حد ذاتها ولكنها ستكون خارطة طريق اليه.
وقال “كلما ازدهرت فرص التعامل الجماعي كلما خف الشعور بالوحدة، وهذا لا يقدمه الجلوس الدائم أمام شاشة الكمبيوتر.
واوضح ان الرسائل النصية الهاتفية تمثل نافذة على العالم وليس باباً.
واختتم مقاله بالقول “لست من أعداء التكنولوجيا فالانترنت يعد أكبر مكافأة مبتكرة في حياة الانسان، الا ان العودة إلى الكياسة تبدو مبهجة، ولن اقبل بالقول ان الانترنت سيدفع بادمغتنا الى الهرولة، بل هو يخسرنا فرصة القدرة على قراءة جمل طويلة أو التعامل مع المعلومات المعقدة للغاية، والكثير من التحديق في الشاشات تكون سيئة للعينين وللظهر”.
وياتي مقال سايمون جنكينز واراء ريبيكا ماك كينون بعد ان حذر كاتب متخصص بالثقافة الرقمية من قيام الانترنت بتدمير صناعة الثقافة عبر القرصنة الرقمية وتفاقم جشع الشركات الالكترونية وسحق النتاج الموسيقي والسينمائي والصحفي.
وقال الكاتب روبرت ليفين في مقال نشرته صحيفة “الغارديان” في بعنوان “كيف دمر الانترنت سوق الافلام والموسيقى والصحافة” ان كبرى الشركات الأميركية لانتاج المحتوى الموسيقي والسينمائي فقدت مواردها لحساب القرصنة المتصاعدة على الانترنت.
واضاف ليفين مؤلف كتاب “رحلة بالمجان: كيف دمر الأنترنت صناعة الثقافة وكيف يمكن لصناعة الثقافة الدفاع” والذي صدرت طبعته الاميركية تحت عنوان “رحلة بالمجان: كيف دمرت الطفيليات الرقمية صناعة الثقافة وكيف يمكن لصناعة الثقافة الدفاع” انه كل الذي كان يباع صار مجانا سواء بشكل مباشر او عبر القرصنة الالكترونية.
اترك تعليقاً