إمارة قطر، ككل الدول العربية إمارة كانت ام جمهورية، الحكم فيها وراثي، وليس فيها قانون يسمح بإقامة الأحزاب وبالتالي تنعدم فيها التعددية السياسية، كما تتبنى المذهب الوهابي المحافظ. يبلغ عدد سكان قطر 1.7 مليون نسمة، ولا يتجاوز عدد القطريين 15% من هذا العدد. تملك قطر ثالث اكبر إحتياطي عالمي من الغاز، وهي المصدر الأول للغاز المسال، واغنى دول العالم (ترتيبها الاول في الدخل حسب مجلة “بيزنس إنسايدر- Business Insider” الأمريكية)، ويفوق عدد اصحاب الملايين فيها 10% من عدد السكان. وتوجد بها أكبر قاعدة أمريكية في الخليج والشرق الأوسط.
قطر ومصر: المصالح والاطماع
قال شلقم في كتابه إن “الحسابات غير المعلنة لقطر في ليبيا ظهرت منذ شهر يويليو 2011، حيث قدمت الرشاوي واشترت الولاءات وفرضت السياسات”. وأضاف أن الجنود والضباط القطريين أساؤوا لسمعة الليبيات، مشيرا إلى أن أمير قطر نفسه يتحدث عن ليبيا وكأنه يتحدث عن “حمام بيته”. وكشف شلقم أن شخصية أمريكية قالت له إن هناك خمسة ملفات في ليبيا بيد قطر، وهي النفط والأمن والمال والاستثمار والجيش. ولفت في هذا الشأن إلى أن ولي عهد قطر أخبره أنهم “لن يتركوا ليبيا وشأنها بعد أن دفعوا ثلاثة مليارات دولار على الرغم من أن بإمكانه جمع السلاح من هذا البلد خلال 24 ساعة”. النفط والأمن والمال والاستثمار والجيش، خمس ملفات تدور حول المال والهيمنة، هذا ما تريده قطر من ليبيا بعد ان دفعت الفاتورة مقدما لتحقيق هذه المأرب، لكن ماذا تريد مصر من ليبيا؟
حاول أول امين عام للجامعة العربية السيد عبد الرحمن عزام أن تكون برقة تحت السيادة أو الوصاية المصرية قبل ان تتأسس الدولة الليبية الحديثة، لكن مساعيه فشلت ولم يتحقق هذا الغرض. ومع الاحداث التي شملت منطقة شمال افريقيا في عام الثورات ظهرت أصوت في مصر تطالب “بحقوق” تاريخية لمصر في برقة التي تتمتع “بثروات هائلة” من البترول تفوق احتياجات “العدد القليل” من السكان، وهذا الأمر أعلن عنه محمد حسنين هيكل الصحافي المصري المعروف بصلته بالمجلس العسكري الذى كان يحكم مصر في تلك الفترة، وأخذه البعض بعدم الإكتراث والبعض بعدم التصديق. ففي تصريحات هيكل قال: ” فى ليبيا هناك مشكلة كبيرة جداً أتمنى أن يتنبه لها الجيش فى مصر وأنا في حقيقة الأمر اتهمت قديما أنني كنت أريد وحدة مع ليبيا وأنا كنت أريد دولة كاملة في هذه المنطقة من شرق البحر الأبيض”، وقال إن منطقة برقة الليبية “الغنية بالنفط” تابعة للأراضي المصرية وعليها المطالبة به (استخدم الضمير المتصل “ه”، بمعنى المطالبة به اي بالنفط، ولا ادري هل هي زلت لسان كشفت اطماع المصريين في النفط بحجة ان منطقة برقة تابعة لمصر على حد زعمه)، وأن نفط ليبيا يتركز في الشرق الليبي وبوجود جماعة متطرفة في الجبل الاخضر اي بالقرب من مصر يشكل خطر عليه. وقال رئيس الحكومة الليبية علي زيدان وقتها “لم نكترث بتصريحات هيكل باعتبارها صادرة عن شخص لا يمثل إلا نفسه”.
جاءت تصريحات المفكر المصري محمد حسنين هيكل لتؤكد المطامع المصرية في اقليم برقة وهي ليست وليدة اللحظة بل هي إمتداد لمطامع سابقة فى بترولها إبان حكم الرئيس المصري الراحل انور السادات والذي كان يعد لحملة عسكرية موسعة وشاملة لإحتلال برقة وضمها لمصر ولكن نظراً لقوة السلاح الذي كان يمتلكه نظام القذافي، وأيضاً لضعف موقف مصر العربي بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، والاعتراض الامريكي، وقفت جميعها امام مطامح انور السادات عند حدها.
بعد تصريحات هيكل، تتابعت الدعوات والإشارات في الإعلام المصري الذي يعتبر الناطق الرسمي لمؤسسة الحكم، هذه الدعوات تسوق لـ”الحقوق” التاريخية لمصر وحق مصر في الاستفادة من ثروات الشرق الليبي. فقد استدعت الخارجية الليبية السفير المصري في طرابلس على خلفية تصريحات نسبت الى الدكتور هشام قنديل رئيس وزراء حكومة مرسي الاخوانية حول حقوق مصر في بعض الاراضي الليبية. المطالبات لا تتوقف، فقد كتب رئيس تحرير جريدة الاهالي المصرية في جريدته مقال يطالب فيه حكومة السيسي باستعادة واحة الجغبوب “المسروقة”(!!!…) على حد تعبيره.
الامر لا يتوقف عند الصحفيين والاعلاميين بل يتعداه الى مستويات اعلى (!!..)، دعنا ننظر ونتأمل فيما يقوله هرم السلطة بالخصوص. في خطاب مسجل للسيسي يقول: “في الظروف الاقتصادية الصعبة ديه…. كان ممكن نفكر في افكار شريرة …. افكار شريرة … او افكار حتى كثير من السياسيين بيفكروا فيها والقيادات بتع الدول بتفكر فيها … يقوم يقفز على بلد ياخد خيرها. يقفز على بلد ياخد ايه؟ خيرها !!!. كان ممكن اوي، والظروف كلها كانت سانحة ومازالت … نقوم نحنا نعتدي على دولة، أو (!!!)… نثأر بقى لقتلانا في سرت الـ 21 مصري اللي اندبحوا دول … خلاص بقى ده تهديد للامن القومي. وده ارهاب وهو ده الارهاب وداعش موجودة وكل حاجة.” تحليل هذا الخطاب يشير الى امكانية التعلل بعذر الارهاب والامن القومي لغزو الجيران. ورغم ان الخطاب يحمل الكثير من العواطف والوعظ في بقيته، الا ان تنفيد التهديد في وجود الدوافع والاسباب يجعله قابل للتحقيق. مصر تعيش ازمة اقتصادية خانقة، وتضخم في عدد السكان تعجز الدولة عن خلق مشروع انمائي يحتويهم، ومشاكل كثيرة داخلية لا تستطيع تجاوزها. لذلك، فإن هذه الازمة تكفي لان تكون دافع للتدخل وتصدير المشاكل للخارج. وعدم استقرار ليبيا، والانقسام السياسي، والفوضى الامنية فيها، ووجود التيارات المتطرفة، واتساع رقعتها الجغرافيا، وتدني الكثافة السكانية، وامكانياتها الاقتصادية يوفر الاسباب. وتصبح المطالبات المصرية بضم برقة امر يتسم بالجدية، ويجب ان يؤخد على محمل الجد في وجود هذه الدوافع وهذه الاسباب.
الجيش والتيار الاسلامي: الخيارات الخاطئة
منذ انطلاق عملية الكرامة وما لحقها من انقسام في ليبيا توج بعملية فجر ليبيا، تمكن الاستقطاب من زرع الويته في البلد، وانقسم الى شرق يوسم بالمدني وغرب يوسم بالاسلامي، وجنوب منطقة صراع بينهما. وهذا الامر قد يقبل في الديمقراطيات الوليدة وحتى المتجدرة لو لم تستعمل الطائرات ومدافع الهاوزر ومضادات الطائرات في المعارك المفتعلة لاسباب لا تخدم مصلحة الوطن والمواطن.
لحالة الانقسام هذه اسباب، لكن ما يهمنا منها انها فتحت الباب على مصرعيه للتدخل الاجنبي، والتدخل كما هو معلوم بداء باكرا منذ مارس 2011. وفي حين كان لقطر الريادة في هذا التدخل وفي دعم الاسلاميين وفي وقوفها السافر في عدم جمع السلاح واعادة تكوين الجيش، كانت مصر ما زالت تعالج خروجها من ثورة 25 يناير، وتسعى لبناء دولة ما بعد الثورة. وعلى الرغم من ان حكم الاخوان لمصر لقى تأيد في ليبيا ودعم، الا ان النظام المصري الاخواني لم يكن يريد من ليبيا الا حل لمشاكلها الاقتصادية التي تعاني منها والتي تفاقمت بعد الثورة، بمعنى لم يكن النظام “الاسلامي” الذي ايده الاسلاميين في ليبيا يخدم المصالح الليبية، وقد رأينا ذلك جليا في عدم تسليم السيد احمد قذاف الدم رغم ادواره التحريضية ضد ثورة ليبيا، بل تجاوز الامر ان منح جنسية مصرية حتى لا يتم تسليمه.
تغير النظام الحاكم في مصر، واستولى العسكر على الحكم لانقاد البلاد من تغول الاسلاميين، لكن لم يغير النظام المصري من اسلوبه في محاولة ابتزاز ليبيا، ذلك ان ليبيا بالنسبة لمصر ما هي الا ارض شاسعة وشعب صغير وثروة نفطية هائلة يجب ان يكون لهم نصيب فيها. في السياسة الدولية لا يعتبر تحقيق المصالح عيب بغض النظر عن اساليبه، فقط هناك بعض الاساليب غير مسموح بها في ضل بعض القوانين الدولية، الا ان القوانين الدولية قد تسمح بتجاوزها في حالات معينة، منها طلب المساعدة من جهة شرعية، بمعنى غلق الابوب لا يعني قفل النوافد.
الليبيون الفاعلون في الساحة للاسف لا يعرفون مصلحة وطنهم، وبالتالي يتعاملون معها بشكل تمليه عواطف سادجة ومطامع اكثر سداجة. فالتيار الاسلامي لا يزال يتلقى شحنات الاسلحة من حليفتهم قطر، رغم ان مطامع قطر واضحة لديهم، ويكفي استهجان بمصلحة الوطن التي يهدر جزئها النظام القطري ان ننظر إلى رأس التيار الاسلامي، الشيخ الدكتور صادق الغرياني في خطاب مسجل بعد ثلاث سنوات من الثورة يقول فيه بالحرف “قطر يجب ان نذكر ان فضلها على الثورة عظيم ….. قامت بدور يعني دور لابد ان نشكره … ومن لا يشكر قطر يكون اقل من كلب … من لا يفي من لا يفي لمن اجزل اليه المعروف يكون اقل من كلب”، الا انه عاد في تسجيل اخر حاول ان يوضح فيه مقصده، فاشار الى ان الوفاء من الدين وخلق للمؤمن، وان السيادة الوطنية لا يجب ان تنتهك من اي دولة، قطر او غيرها. طبعا، من الصعب التسليم بان الشيخ الصادق لا يعرف حجم التدخل القطري وامتهانها للسيادة الوطنية بعد مرور ثلاثة سنوات عن قيام الثورة، الا اذا اعتبرنا ان تغليب كفة التيار الاسلامي هذف ومطلب للدكتور صادق، وبالتالي فهو يتغاضى عن اخطار التدخل. بالمقابل، وعلى الجانب الاخر، يتماهي الجيش الليبي بقيادة حفتر في تقدير الدور المصري ويبارك هذا التدخل، بل ويغطي على الاخطاء الفادحة التي يرتكبها هذا التدخل، ويكفي ان نشير هنا الى رأي حفتر الذي قال فيه: ” انا مع مصر حتى لو قررات اشياء ضد مصلحة ليبيا، تم استدرك وقال لا يمكن لمصر ان تقرر اشياء ضد مصلحة ليبيا هذا مستحيل، لكنه يضيف وإذا قررت انا راضي”. أن يقول رجل في مركز حفتر هذا القول ويصرح بانه يرضى التدخل حتى لو كان على حساب مصلحة بلده لهو “الطامة الكبرى” بكل معانيها، ظهر هذا التصريح لحفتر على قناة العربية في مقابلة مسجلة مع الاداعي محمود الورواري. الملاحظ ، ان هذين الخصمين، لا يخفى عليهما حجم التدخل الخارجي، وتحديدا حجم التدخل القطري والمصري، ولا خطورة هذا التدخل، لكن لان هذا التدخل يدعم الايدلوجيات التي فرقتهم، يصبح التفكير في الوطن هو اخر ما يتوقع منهم.
لماذا قطر الان؟ ربما تكون الاجابة في علاقتها بايران، وتصريحاتها الاخيرة التي اخرجتها عن الاجماع الخليجي، والذي توج بالوفاق الامريكي مع هذا الاجماع، وقد اتخد الارهاب ودعمه كدريعة. فمصادر الارهاب متعددة، السعودية مثلا مخزن للفكر الذي ينجب الارهاب، ويكاد يتفق العالم على هذا الامر، لكن لم نسمع على ادانة السعودية او شجبها على المستوى الرسمي، كما وان السعودية نفسها اصبحت هذفا لهذا الارهاب.
وفي تقديري … او قل ما يهمني ويهم الليبين … أن ادانة قطر لن يحل المشكل الليبي، لكنه قد يرجح كفة الجيش. وحل المشكل الليبي لا يمكن ان يدعمه التدخل الخارجي بغض النظر عن الدول التي تتدخل فيه، بقدر ما يدعمه الابتعاد بمسافة … ولو لحين …. عن الايدلوجيات التي غدت الخلاف، والاقتراب من الوطن في هذا الوقت الحرج من تاريخ بلادنا ليبيا.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً