كنت اسعى الى القول في كل ما كتبته تحت هذا العنوان سابقا. بان ما نعانيه في وقتنا الحاضر ومند سنوات ست، من صارع مدمر داخل بلادنا، إثر سقوط ونهاية نطام الخيمة ورحيله الى الماضي. ورجوع هؤلاء البسطاء الدين انتفضوا على ذلك العهد الغابر، الى بيوتهم وحياتهم المعّتادة. ما هو الا صدى ورجّعْ لصراع مُستتر ما بين الغرب الدولي، الذي قلّنا عنه بانه غربين اثنين. نعتنا احداهما بالغرب الأوروبي وحصرناه في كل ما تضم القارة العجوز، كما اسماها بذلك الغرب الأطلسي، الذي يتشكّل من الولايات المتحدة الامريكية وكل ما تضم جزيرة الانجليز التي تغتسل اطرافها بمياه الأطلسي على نحو دائم. فالأول في الغرب الأوربي يسعى ويحبذ، ان يرى استقرار وتواصل إيجابي بين ضفتي المتوسط، لِمَا في ذلك من مردود جيد سيعود بالنفع عليه، وبالضرورة على السلم العالمي. وفى المقابل يسعى ويعمل الغرب الأطلسي الى ازعاج غريمه الأوروبي، بجعل المتوسط في حالة من الاستنفار الدائم. عن طريق وضع هذا الأطلسي يده على جل الضفة الجنوبية للمتوسط، والعمل من عليها، نحو ارباك وعرقلة وتدمير أي تواصل إيجابي بناء ما بين ضفتيّه الشمالية والجنوبية، وذلك بزرع بديل عن هذا الإيجابي البناء، يظهر في هيئة شكّ وتوجّس وريبة بين ضفتيّه، كعوائق تقطع الطريق، على فتح جسور من التواصل والتفاهم والانسجام البناء.
وفى اعتقادي بان ما يُطِيل في عُمّر هذا العبث المعجون بالموت والدمار، الذي يعصف بالبلاد مند سنوات ست، يتمثل في الغطاء الجيد، الذي تأمنه الهيئة الاممية المُشّرفة على الحوار الدائر في ليبيا. باعتمادها – ربما عن عدم دراية – لهذه الادوات والوسائط المُفعّلة لكل هذا العبث الذي يعّصف بنا ويحّتوينا. كركائز اساسية، واجسام ضرورية، يجب التفاعل معها، والسعي برقّقتها نحو تخطى هذا الواقع المأزم بليبيا، وتؤسس بمعيتها ايضا القواعد التي ستنهض عليها ليبيا المستقبل. دون الانتباه الى ان جُل هذه الادوات لا تتخطى عن كوّنها جزأ من وسائط هذا الصراع القائم بين ضفتي المتوسط، برعاية اطلسية كما أشرنا اليه في صدر هذا المقال.
ويرجع -في تقديري- هذا الخلل في تعاطى الهيئة الأممية مع الشأن الليبي الى عدم سعيها قبل وُلوجه، نحو بناء رؤية واضحة وموضوعية حوله، من خلال قراءة جيدة للواقع الليبي اولا، في توابيته. الجغرافية. الديمغرافية. الثقافية. لتتعرّف من خلاله هذه الهيئة، على الفضاء الذي يحتضن الاقليم الليبي. جغرافيا. ديمغرافيا. ثقافيا، والذي سيتأثر على نحو مباشر سلبا او ايجابا بكل ما يدور بليبيا من احداث. تظهر صداها امام اعيننا في وقتنا الحاضر على جغرافية هذا المحيط القريب، ا في هيئة اخدود عميق يمتد ويغطى حيز ليس بالقليل من الحدود الغربية لليبيا، مدعوم بجدار مراقبة لكثروني لمنع تسرب وعبور الارهاب، المُصنع في كهوف (تورابورا) وازقة (قندهار) والمسّتورد من افغانستان. وفى البحر على هيئة دوريات تجوب مياه المتوسط، لمنع تسرب الملونين عبر القاطع الليبي من الضفة الجنوبية للمتوسط، بطرق غير شرعية الى بلدانهم. فمن خلال هذه المفاعيل، التي تطال هذا المحيط الجغرافي الحاضن للإقليم الليبي، ستتشكل بداخل هذا المحيط رغبة ملحّة بالتعاون وعلى نحو إيجابي مع كل فعل يسعى نحو إعادة الاستقرار والسلم الداخلي بليبيا، وابّعادها عن ان تكون شوكة ازعاج في خاصرت الضفة الشمالية للمتوسط. وهذا ما يجعل من هذا الحاضن الجغرافي، اداة جيدة وفعّلة بيد الهيئة الاممية في تعاطيها مع الشأن الليبي، إذا استغّلّتها على نحو جيد وبناء. والثابت الثاني الذي يجب حضوره وعدم تجاهله في قراءة الواقع الليبي، يكمن في معّرفة الباعث الذي حرّك هؤلاء البسطاء، الذين انتفضوا ثائرين مع فبراير 2011م، على من كانت بيده دواليب تلك الادارة السيئة، التي تُصرّف بها شئون بلادهم، والتي كانت لا تخضع لدستور ولا تعّترف بقوانين تضبط وتنظم نشاط مؤسساتها، وكانت تستمتع وعلى نحو مَرَضى، بتجاهلها التام لشركائها في الوطن، فلا تداول سلمى على السلطة، ولا رأى يقابله رأى اخر في غياب تام لحرية التعبير، مع تجّريم كامل للنشاط الحزبي.
وبدمّج استخلاصات هذين البندين السابقين، بروح مرّجعية الهيئة بميثاقها الأممي، مع مراعات للخصوصية الليبية. تتبلّور – في تقديري- وتتشكل رؤية جيدة امام بصيرة الهيئة الاممية، تتكئ في مجّملها على ثوابت جغرافيات ليبيا الثلاث، مدّعومة بالباعث الثوري الذي استتار الناس ودفعهم نحو الانتفاضة مع بداية 2011م، مسّنُودة بالمرّجعية الاممية في ميثاقها. ومن ثم، وبمفردات هذا الجهد الموضوعي، تُرَسّم خريطة طريق. تكون مرّجعية ودليل ومُوَجه، يتتبعه المندوب الأممي المكلف بالتعاطي مع الشأن الليبي، ولا يلّتفت الى شيئي سواها. لأن في ذلك لا ريب، محاولة لإعادة انتاج الماضي، في وصاية او انتداب مُتخفى وراء ملامح محلّية كما كان يحدث خلال العقود الماضية. وان اختلفت الوجوه والمسميات التي تتلبّسها.
[su_note note_color=”#ecebc8″ text_color=”#000000″]هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه[/su_note]
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً