كانت تدهشني متانة أشعاره وتراكيب نترياته. كان يحاول وبأسلوب استثنائي، تجسيد واقع يستدعيه من ماضي بعيد، ينفض عنه غبار السنين محاولا استحضاره في ألان، ليبعث فيه الحياة. فيظهر من على الشاشة التلفاز في نجع بخيامه المرصوصة بترابية صارمة، في وسط بيئة شبه صحراويه، تغطيها بعض من أعشاب وشجيرات المتوسط، يظهر فيها الرجال يكتسون البياض، مجتمعون في ميعاد، يقتعدون بسط واكلمه صنعت يدويا. إما الحسناوات فتطل بجمال متوحش لا يرحم، عند مراجل الطبخ أو في وسط براح واسع للاحتطاب. يتداخل كل هدا مع الإبل والخيل وقليل من الأغنام، وتظهر على أطرافه في البعيد الذئاب وبنات أوى. تترسم فسيفسائه هده بأسماء لاوديه وشعاب وموارد ماء ومزارات وأسماء لمطارح وأشياء أخرى. قد تتحول مفاتيح تساعد في الكشف عن هويته المكانية وساكنيه من المكونات الاجتماعية “قبائل” في يد المتتبع لاسبوعياته التي تبتها التلفزه المحلية عند ساعات الذروة، في زمن لايتخطى نصف الساعة.
حوارياته بأشعارها، وأزيائه باكسسواراتها، بل حتى فناناته اللائي صدحن بنصوصه منّغمه، اُخترّن بعناية فائقة، فاغلبهن جُلبن من البلد الشقيق تونس، ولا اذهب بالقول بعيد، إن قلت، جلهن يتلامسن مع الوجه القبلي للبلد الشقيق، كي لايصادفن صعوبة في التعاطي مع مفردات نصوصه ولهجته، فتقارب اللسان ملفت بين هده وتلك.
أن تعمل بجد على نفض الغبار عن مكون تقافى ما، يتعاطى معه عدد محدود ومحدد من المكونات الاجتماعية “صف قبلي” يحتل رقعه جغرافية واجتماعيه ضيقه تمثل اقل من عُشر مساحة البلاد، وتقصى ماعداه ممن يحتل الرقعة الأوسع. فانك حينها ولأريب تعمل على هدهدة هدا المكون التقافى لتبت الحياة في تجسدا ته المتعينة في الحاضر، لتزيد اللحمة وتمتنها في ما بين نسيجه الاجتماعي.
فبإزاحة الغبار عن ذاكرته تظهر أمام حواسه السمعية البصرية، نجوعه وموارد مائه ووديانه، ورموزه ومزاراته. وان عملت بجد وجهد، على استجلاب كل امتداداته ألاجتماعيه، المنتشرة على جغرافيا الاقليم، وجاْت بها لتُوَطِنها حيث هو، حتى وان كانت تسرح في صحارى البؤس وراء ماشيتها على أطراف الاطلسى الرملية، أو في مجاهل صحارى أتشاد والنيجر، تكون قد قاربت بغيتك كثيرا. وان تصادف واستعصى عليك بعضها، ذهبت -بمال النفط – إلى حيت هي، ليشتري لها هذا المال، أطيان وسكن حيت هى، واين شاءت، حتى وان اشترطت هذه على المال ، أن يُفْسح لها حيز واسع على ضفاف النهر الخالد، وان تنغرز بأقدامها في طمّيِه حتى الركب. تكون حينها قد خطوت الخطوة ألحاسمه، لبعث هدا الصف القَبَلي للتَعَيّن في الحاضر. وتكون ثالثة الأثافي في لو فتشت عن مشترك يجّمَعه، ويجعله مستنفر على نحو تلقائي، كاْن تنبش في ماضيه البغيض لتتعرف فيه على غريمه التقليدي، وتقتفى اثر هدا الغريم إلى حيت نجوعه ومطارحه في الحاضر ، وتحط الرحال فيها، وتعمل بدهاء وبلا كلل، لتتذاكى على هذا الغريم، كي تجعل منه “منشفه” تمسح به وفيه كل افعالك ألقذرة، ثم تنتقل إلى نسيجه الاجتماعي لتزرعه شقاق وأجسام هجينه، وان أفلحت في التسلل إلى حيت موارد مائه لتدفنها بالتراب، أو تجرها من تحت قدميه إلى حيت أنت، لتجعل مائه غور، تكون حينها قد دغدغت عواطف “صفك هدا”، وجعلته يردد ورائك منتشيا، ملوح بقبضتي يديه في الهواء، وبحماس جاهلي ظاهر.
ونشرب إن وردنا الماء صفونا
ويشرب غيرنا كدرا وطين
بمعنى، انك تمكنت من بعث روح بداوة وجاهلية ما قبل التمدّن، في هدا المكون التقافى الاجتماعي لتزرع الحياة في تجسدا ته الحاضرة، حتى وان ظهر “صفك هدا “وهو يَتَمجّلس خلف شاشة البلازمه، يعالج جهازه ليلج عبر “الغوغل” إلى شبكة المعلومات الدولية، ليتصفحها، وعندما يغالبه التعب، يتحول إلى صالونه الوثير الفاخر، يقلّب في قنوات التلفاز باحت عن محطة البى بى سى أو الفوكس انيوز، ليسترخى متتبع لها.
فالنجع بسلسلته ” رقاقة عمر” لم يكن يقدم مادة تتقيفييه ترفهيه بقد رما كان يرص صف قبليي بعينه ، ليجعل منه ( رأس نظام الخيمة ) ، العامود الفقري لأذرعه العسكرية و الأمنية والمالية والإعلامية ، وأداته لجرجرة البلاد إلى مرحلة ما قبل الدولة ، فأشاع به ما أشاع من نعرات وفتن ومناحات انحدرت بها البلاد إلى القاع ، وليرتمي بصفه هذا في أحضان الغير ، فاستباح هدا الآخر , بما يملك من خبث ودهاء . مقدرات البلاد المادية والجغرافية و البشرية المعنوية ووظفها في خدمة أجندته الاقليميه والدولية.
إن ترص صف أو تعبئي صفوف داخل الوطن الواحد. لانستطيع إن نقول عن هدا الفعل بأنه جيد أو غير دلك، إلا بعد تمريرهده الصفوف عبر عتبات استفهامية وطنية مشروعه لمن؟ لمادا؟ إلى أين؟ فان تخطت الصفوف هده العتبات الاستفهامية الوطنية بيسر، تجد هذه الصفوف نفسها، وعلى نحو تلقائى في حضن الوطن. مُفسحا لها صفحاته التاريخية، لتخط من عليها اسطر نيرة تخلدها، وتستلهمها اجياله القادمة. والشواهد عديد، ربما أقربها إلى الداكره زمان ومكان، عندما نجح السنوسيون مستغلين زواياهم وأخوياتهم في حشد صفوف القبائل “خاصه في المنطقة الشرقية”، وعبروا جميعهم هده العتبات بامتياز، لينتهوا جميعهم في أحضان الوطن، عندما تعرض لغزو خارجي، فجعلوا من هده الصفوف تشكيلات جهاديه أطلقوا عليها مسمى ادوار، وتسمى كل دور بالمكوّن الاجتماعي ألدى يتشكل منها، وسطروا جميعهم ملحمه جهاديه انتهت بالاستقلال الأول، بل ذهبوا بهده الصفوف إلى أبعد من هذا، نحو حلحلة البلاد ونقلها من مرحلة ما قبل ألدوله، إلى دولة الموئسسات والقانون. وافرزت هده ألمرحله ألتاريخيه رموز جهاديه احتفى بها الوطن، بل تخطت أصدائها حدود البلاد لتتردد في جنبات ألمنطقه العربيه الاسلاميه. فالسنوسيون وصفوفهم كانت تحركهم فِطره سوية، التي فطر الله الناس عليها، جعلت منهم مستعدين للذهاب نحو الموت حتى الاحتضان، في سبيل إن يتركوا من ورائهم مناحات خاليه من المنغصات المعنوية والمادية ليحيياها آخرين من بني وطنهم، الذين يأتون من بعدهم.
فئ حين “صف رفافة عمر” دهب بالبلاد في اتجاه بعيد عن هدا، عندما جرجرها إلى مرحلة ما قبل ألدوله، فساد عرف “ومن لا يظلم الناس يظلم”، فأركس البلاد في الفتن والشقاق والتناحر، فتغطت البلاد بسحائب البؤس في الجهل والفقر والمرض. وشاهدنا هدا الصف عندما حصحص الأمر، يقف حذو النعل بالنعل في خندق واحد، مع مرتزقة بيض وسود، يُقّتل بهم ومعهم بني وطنه، بدون حياء وطني أو انسانى، فأي فِطره كانت تسوقه، ومن اى نبع غريب كان يعب؟!
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
يبدو ان النجع ضرب فاوجع