انتهت الحرب في طرابلس، لم يبق سوى آثارها المدمرة ومآسيها التي لن تنتهي بسهولة وجروحها العميقة في قلوب أهالي الشهداء الذين قدموا أرواحهم الزكية وهم ثابتون كالأطواد الشاهقة يواجهون مجرمي العسكر طغاة العصر ومن ساندهم من المرتزقة وشذاذ الآفاق.
الكثير ممن كانوا يسمون أنفسهم”قادة ميدانيون” ويتقافزون كالقرود من شاشة إلى أخرى ليسوا سوى أبطال وهميين، يتمركزون في حقيقة الأمر خلف خطوط القتال وليس في خطوطه الأولى، شاهدت الكثيرين منهم خلال أشهر الحرب في كل مرة كانت تسمح فيها الفرص بالدخول إلى ميادين القتال لتغطية المواجهات.
أحد أولئك النصابين عرف بخروجه على مختلف وسائل الإعلام، الليبية منها والدولية، ويصف نفسه بأنه قائد ميداني ومنذ أيام شاهدته على إحدى الشاشات متحدثا بصفة ناشط سياسي، تحول سريع جدا من قائد ميداني إلى نشاط سياسي يبرره منح وسائل الإعلام الليبية التافهة الصفات مجانا لمن تستضيفهم لتلميعهم في أغلب الأحايين.
تافه آخر من أولئك النصابين كان هو الآخر يصف نفسه بالقائد الميداني و(آمر قوة ..) يقفز طيلة أشهر الحرب من شاشة إلى أخرى شاهدته يوم 4 يونيو حينما كنت واقفا على مسافة بسيطة من جزيرة قصر بن غشير لتغطية سيطرة المقاتلين الثوار على منطقة القصر والتقدم بعدها إلى”بوابة فملغة” شاهدته يترجل من سيارة مصفحة وبصحبته حارس شخصي وهما يرتديان لباسا جديدا و مع كليهما سلاح رشاش أطلقا منهما وابلا من الرصاص في الهواء ثم تحرك ذاك النصاب نحو الكاميرا التي كانت بصحبتي معتقدا أنني أود إجراء لقاء معه فأخبرته أنني لا أريد إجراء لقاءات وتركته ببرود شديد جدا متجها إلى زميل كان يقف بالقرب مني.
الصادقون قولا وفعلا من القادة والمقاتلين يهربون من الكاميرات ويخجلون من الظهور أمامها، عايشت عددا منهم خلال تغطيتي الحرب على تنظيم الدولة في سرت في العام 2016 ودارت الأيام ومرت السنوات وشن المجنون حفتر حربه على طرابلس فكان أولئك الصادقون في مقدمة الصفوف يتلقون الرصاص بصدورهم ولا يمكن أن تراهم يتقافزون على الشاشات، أو تشاهد أحدهم يتحرك صحبة حارس يرافقه أو يترجل من سيارة مصفحة.
المؤسف والمؤرق أن أولئك النصابين هم من سيجنون ثمار انتصارات الحرب وسيقررون مصير أولئك الشجعان الأبطال الذين اختاروا البقاء في الظلال بعيدا عن الأضواء وقدموا مع رفاقهم الدماء والأرواح لننعم نحن بحرية ستكون عرضة للسرقة في أي وقت، فالزمن لن يتوقف عن إنتاج الطغاة حتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً