فى بداية مقالتى هذه أود أن أتدرج خطوة خطوة للحديث أولاً عن النظام الليبى المنهار وعلاقاته مع الدول المُجاورة والعربية ودول الشمال وراء البحر الأبيض المتوسط وهى الدول الأوروبيه وحتى أبعد من ذلك على مدى أربعة عقود ، علاقة متوترة ومُتقلبه كفصول السنة كان يشوبها الحذر والترقب وعدم الثقة والترصد نتيجة للخوف المتبادل وهذا الأمر جاء على خلفية تصرفات النظام الليبى غير المحسوبة فى قواميس الآداب العامة والأخلاق الدولية المتعارف عليها عند الدول المتحضرة ، تلك التصرفات الدنيئة المُبتذلة التى تعوّد عليها الدكتاتور ظناً منه أن كل الأعراض مستباحة له وإنه لا يفكر إلا فى هذا الشئ !!! فهو المجد والعظمة سلطة وثروة ومؤامرات وإنقلابات يمكن ليده أن تطال أى دولة ويًغير نظام حكمها بتأشيرة منه إذا لم تخضع تلك الدولة له ، يصرف على فاتورة ثروات الشعب الليبى المقهور والمطعون فى كرامته وحقه فى الوجود ، تصرفات رعناء لا تخضع لأى تقاليد دبلوماسية أو أعراف دولية وخصوصاً ما إشتهر به الدكتاتور من تصرفات لا أخلاقية مع زوجات الرؤساء والوفود المُرافقة وهو ما تحسّس منه الكثير من الرؤساء وجعلهم لا يصطحبون زوجاتهم وبناتهم إلى ليبيا فى أى زيارة رسمية أوعادية وهذه الأمور ليست بالخافية على أحد فجميع وسائل الإعلام المُتاحة تتناقلها ناهيك عن ما يتناقله الليبيون فى الداخل عن تصرفاته مع ضباطه ووزرائه ومسؤوليه وأبناء قبيلته حيث كان يغدر بأعراضهم ويتطاول على عائلاتهم حتى أن إين عم له سأله أصدقائه لماذا لم تتزوج حتى الآن ؟ فرد مُبستماً أتريدوننى أن أتزوج إمرأة لمعمر القذافى!!.
كل هذه المعلومات المثيرة للإشمئزاز التى يتناقلها الجميع فى فترة حكمه وهى ليست بالقصيرة فقد تجاوزت عقود أربعة ليست بخافية عن المخابرات العالمية ومكاتب الرؤساء فى العالم زد إلى ذلك تطاول القذافى فى الكثير من خطاباته على الدول العربية والخليجية خاصة والغربية فلم تسلم منه دولة إلا وقذفها بألفاظ لا تليق بالخطاب السياسى وتوعدها وكشف أسرارها بعد إبرام إتفاقيات إقتصادية أو عسكرية أو مصلحية معها ولهذا أصبح منبوذاً من الجميع أللهم الدول الفقيرة الطامعة فى المُساعدات كالدول الأفريقية وأمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية، وبهذه الطريقة المُبتذلة جعل القذافى العديد من الحكومات والرؤساء فى العالم إما أعداءً أو شبه أعداءً له يتحينون الفرصة فى الرد عليه بكل قوة وقسوة ومنهم من كان يتمنى موته أو إغتياله وإنهاء حكمه الدكتاتورى ، غير أن الشعب الليبى لم يكن طرفاً فى عداوات وخصومات الدكتاتور مع العالم الخارجى لأنه لم يكن لليبيين أى قيمة أو حساب أو صوت عند الدكتاتور فحكم ليبيا لديه مطلق وثرواتها له ولأولاده وأتباعه وحسب الدوائر المحيطة به والمُجندة لحمايته الخاصة.
وهنا أحب أن لا أكون متحاملاً أكثر من اللازم على ذلك الدكتاتور الحاكم بأمره ذلك الشخص الذى ولد فى فترة من الزمن الأغبر بداية الأربعينات والحرب العالمية الثانية على أشدها وكانت ليبيا ساحات تلك الحرب الشرسة فقر وجهل ومرض وجوع وخوف، شخص تربى فى وسط من الحرمان وإنعدام الإستقرار الإجتماعى بمنطقة إشتهرت بقٌطّاع الطرق والنهب حتى أن الحجيج الذين يعبرون من تلك المنطقة لم يسلموا من إيذاء تلك المنطقة القاحلة ، تربى ذلك الدكتاتور فى وسط حاقد على الآخرين من أهالى المدن كطرابلس وسبها وبنغازى ومصراته والزاوية وغيرها وهى التى كان يسمع بها ويُقارن حياته بحياة أولئك السكان بالمناطق التى ذكرتها فهو لم يتعود على الجميل والوفاء الحقيقى لما قدمته له بعض المدن … هذه التراكمات والترسبات جعلت منه إنسان إنتقامى لا هم له إلا أن ينتقم ممن حوله ولو كان ذلك الإنتقام يتجسد فى أعراضهم لأنه يعتبر نفسه أقل منهم شأناً وأصولاً وبيتية ، يُريد قهر الجميع ، لم يكن له صديق على الإطلاق يكره الكل فكرهه الكل حتى من كانوا حوله من النفعيين ، وهنا أتمنى أن يكشف التاريخ حياة هذا الشخص بكل حيادية فهو إستثناءً ولكى يتم وضعه فى قائمة الطغاة وفراعنة هذا الزمن ، فقد حكم ليبيا بالحديد والنار ولعقود سادها الظلم والكراهية وإزهاق الأرواح والزج بالليبيين فى حروب للتخلص منهم وتعذيبهم وتصفيتهم فى السجون وها نحن فى ليبيا لا زلنا نعانى من ما خلفه لنا من أحقاد وكراهية داخل المجتمع الليبي الواحد.
أستميحكم عذراً فقد إبتعدت عن الموضوع الذى أريد الكتابة عنه ولكن لا بد من التسلسل التاريخى حتى لا أظلم أحداً … فى يوم 11/2/2011م إطلعت على مذكرة أو بيان لا زلت أحتفظ به جاء فى عنوانه (شباب التظاهرة فى ليبيا يمنح الفرصة الأخيرة للقذافى) وكذلك (الفرصة الأخيرة للعقيد القذافى ونظامه : لك أن تختار إما الإصلاح الفورى أو المظاهرة) … قرأت ذلك البيان أكثر من مرة وإستشعرت منه أن من كتبه لا مانع لديهم من التفاوض مع إبن القذافى شريطة تنفيذ بعض المطالب وأن يكونوا أرقاماً فى الدولة الليبية الجديدة أى ليس لديهم ممانعة فى إستمرار النظام إذا تحصلوا على ما يريدوه ولو تحت رئاسة سيف القذافى ، ولكن ما لا حظته وهو الأمر الغريب أن البيان يقول (أو المظاهرة) أى أنهم غير متأكدين من شكل الرد الذى سيتم لو أن القذافى وابنه رفضوا العرض . وهذا يدلل أن الأمر لم يكن على أرض الواقع بيد أحد من الخارج بل بيد (الثوار فى الداخل الذين إنطلقوا فجأة قبل 17 فبراير فى البيضاء وبنغازى ودرنه وغيرها من المدن الشرقيه الذين إستشعروا الأمر وحولوها إلى إنتفاضة بل ثورة عارمة ولم تكن مظاهرة كما أراد لها ما يُسمون بالمعارضة فى الخارج هذه حقيقة لا بد أن يعلمها كل ليبى حر خرج يومها يهتف بإسقاط النظام لا التفاوض مع الطاغية ولا مع إبنه كما جاء فى ذلك البيان.
وما هى إلا أربعة أيام وساعات وتحرك الشعب بأكمله وإنقض على المعسكرات وإستولى على الأسلحة وتحولت إلى ثورة مسلحة لإسقاط القذافى ونظامه، صحيح أن بعض الدول العربية وعلى رأسها قطر تحركت على عجل لمساعدتنا وبدأت فى مدّنا بالدعم اللوجستى والمعنوى فى المحافل الدولية وأرسلت بعض قواتها لتنفيذ مهام سرية وإننى أتذكر أن العديد من الدول الأوروبيه قدمت مساعداتها للشعب الليبى وقد توافد علينا من الحدود الشرقية مخابرات تلك الدول على هيئة مراسلين للقنوات الفضائية وإعلاميين وغيرهم من الذين يرصدون ويقيّمون الموقف فى ليبيا . وهنا تم تشكيل جسم قيادى (المجلس الإنتقالى) بطريقة عشوائية وربما تدخلت فى إختياره قطر أو غيرها فهذا الأمر قد تكشفه الأشهر أو الأسابيع القادمة فهو أمر لا أستطيع الخوض فيه ، لقد كنا من وقت لآخر نُطالع فى الصحافة العالمية والعربية ووسائل الإعلام عن دور قطر المشبوه وتدخلها فى الشأن الليبى وكنا نقول ربما محاولات تشويه للدور القطرى وعن محاولاتها تقديم الرشاوى للمسؤولين الليبيين ولكل ليبى عادى الذين يقومون بزيارتها وكنت أتردد فى الكتابة عن ذلك لأننى أعرف أن الليبيين عصارى بطبعهم ليسوا ممن يُشترون ببضع دولارات من أجل شراء ذممهم ، وبعد أن إستفحل الأمر كتبت مقالة مطولة عن ذلك الدور غير الواضح من قطر ! وماذا تريد من الشعب الليبى ؟ وطالبت السيد مصطفى عبدالجليل بأن يصدر بيان يطلب فيه من كل ليبى زار قطر وإستلم منها أموال ولو كانت على شكل عطايا وهبات أن يقوم بالإفصاح عنها وبسرعة وأتذكر أن قناة العاصمة نشرت ذلك الطلب فى شريطها الإخبارى وعلى ضوء ذلك هاجمنى الكثير من ضعاف النفوس الذين إعتبروا ذلك تشويهاً لدولة قطر التى يدورون فى فلكها منبطحين على بطونهم لتصدر لهم التعليمات وينفذوها حرفياً.
أيها القراء الأعزاء أنا والحمد لله لم أخشى فى إلله لومة لا ئم ولا تهمنى قطر ولا غيرها ولست من مريدى تلك الدولة الغنية التى تنتهج نهج الدكتاتور محاولة السيطرة والهيمنة على الدول التى حباها الله بثروات نفطيه .. أقولها لتصل إلى عنان السماء نحن الشعب الليبى لن نقبل بإستعمار جديد فأنتم دخلتم ليبيا على أكتاف أولئك العملاء الذين إمتطيتموهم حتى أوصلوكم إلى صناعة القرار فى ليبيا الذى هو من حق الشعب الليبى … أتركونا فى حالنا فمن أسقط القذافى أولئك الأشاوس الأبطال الذين غيروا صياغة ذلك البيان من (تظاهرة) إن ثورة عارمة والكلام موجه للعملاء أولاً ولكل من له مطامع فى ليبيا يتمنى ويلهث للوصول إليها عن طريق دكاكين الأحزاب التى لم تُعتمد من الشعب الليبى حتى الآن نظراً لعدم إصدار الدستور ولكنها باشرت فى مخططاتها ونشر أفكارها الإنتهازية للهيمنة على مفاصل الدولة الليبية فهى التى ستودى بالوطن إلى الهاوية والدمار إذا لم يتم التصدى لها ولكل طامع فى إستعمار ليبيا الغالية إذا كانت قطر أو الشيطان ذاته.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً