تتوالى النكبات والمآسي جملة ويدفع الشعب الليبي فواتير البلادة السياسية على كل الأصعدة، شباب في عمر الزهور تزهق أرواحه، ومن عاش منهم تشحذ له شربة ماء ورغيف خبز بجانب (تبات) ترابية، أمانوا أن لن يبرحوها حتى يزول الظلم عن شعبهم، وفساد يزهو ويزدهر بوجه قبيح، تجاراً لأكفان الموتى، كل ذلك ليس بغريب ومتوقع ولكن كما يقال أبحث لرفيقك عن اثنان وسبعون عذراً.
عندما كان النشطاء الوطنيين يحذرون من برامج التماهي مع حفتر والدول الداعمة له كان الرئاسي يجوب القارات الخمس للقاءات زائفة مع حفتر وإعطاءه الشرعية؛ منها لقاء باريس وباليرمو وإسطنبول وموسكو وبرلين وقبل ذلك فيينا وأبوظبي.
مشكلة الرئاسي أنه حبيس تكوينه ووجوده؛ فتسميته بالوفاق جعله رهين للدولة المصرية كمقاول لمشروع حفتر، واختيار أعضاء الرئاسي صوري من أساسه شمل النطيحة والمتردية وما أكل السبع.
وبذلك أصبح الرئاسي مشخصن في رئيسه؛ مسرح بممثل واحد (One Man Show) محاط بمستشارين لا يمكن لهم العمل بسبب شكوكهم وتناقضاتهم وضيق أفقهم وجشعهم، ناهيك عن تسابقهم لخدمة البعثة الأممية المديرة للصراع، مما جعل الرئاسي بؤرة التردد والشك وعدم الفعل، وقمة سنام الفشل.
هذا الوضع من الداخل الليبي ولكن من جانب السياسة الدولية وخاصة تجارب الأمم المتحدة فالوضع لهم واضح وجلي، وهو استنساخ التجربة الروندية لإنهاء الحرب الأهلية.
في تلك المستعمرة البلجيكية والناطقة بالفرنسية (سابقاً) تحكمت مجموعة التوتسي الرعاة وهم القلة في مجموعة الهوتو الأكثرية (المزارعين) لعقود طويلة.
وخلال الفترة من سنة الاستقلال 1957م إلى سنة 1994م كانت هناك الكثير من الحروب الأهلية بين الهوتو والتوتسي منها مجازر سنة 1973م وحرب العصابات دموية بين 1991 وسنة 1993م وكان داعم المتمردين موسيفيني رئيس أوغندا، خلال سنة 1991م اشترت أوغندا ما يقارب عشرة أضعاف ما اشترته في عشرة سنوات سابقة ومعظمه من أمريكا التي غضت النظر عن التسليح، انتهت هذه الفترة باتفاق أوروشا التنزانية في 4 أغسطس 1993م، اتفاق فاشل يتضمن المشاركة في السلطة بين الهوتو والتونسي ودمج مليشيات التوتسي مع ما يسمى بالجيش الرواندي، وسمح للمتمردين التوتسي بدخول 600 جندي إلى العاصمة، وهم يريدون السلطة لا المشاركة.
في 8 أبريل 1994 أطلق مجموعة من التوتسي صاروخ على طائرة الرئيس الروندي فسقطت بالقرب من مطار كيجالي، وكانت الشعلة عند الهوتو للتخلص من أعدائهم، حيث قتل ما يقارب المليون معظمهم من التوتسي، فسحبت فرنسا وبلجيكا قواتها وتركت الساحة للدعم الأوغندي المستمر لمليشيات ما يسمى بالجبهة الوطنية لمتمردي التوتسي من الزحف نحو كيجالي، وفي 15 يونيو 1994م تم محاصرة كيجالى من كل النواحي ففر مسؤولو الحكومة من الهوتو ومعهم مليون ونصف من أنصارهم المدنيين إلى دولة الكنغو المجاورة بسبب الخوف من استمرار المجازر.
في ربيع 1994 قامت الاستخبارت الأمريكية بدعوة بول كاجامي زعيم المتمردين لحضور دورة بولاية كانساس الأمريكية في مجال تنظيم العمليات القتالية والحرب الإعلامية (Propaganda techniques)، بعد عودته قاد عمليات التطهير العرقي ونصب نفسه كنائب الرئيس عام 1994، ثم كرئيس من سنة 2000م إلى الآن، بانتخابات صورية آخرها 2017م، وبنسبة نجاح تفوق 99 في المئة، وهو باق في السلطة إلى 2034م.
لم يكتفي بالسلطة بل قام بمجازر عند مهاجمته لتجمعات الهوتو في الكونغو وقتل منهم أكثر من 200 ألف.
أما موسيفيني رئيس أوغندا فقد منح دكتوراه فخرية من أحد الجامعات الأمريكية وأصبح منظرا أن أفريقيا قبلية بالأساس ولا ينفع معها النظام الديموقراطي.
ما فتئ يروج لزعيم المتمردين كاجامي بأنه صاحب قصة نجاح اقتصادية، نعم شوارع نظيفة وسياحة تزدهر ومشاريع صغرى تبنى، ويروج له المستبدين العرب مثل الحكومة المصرية لأنه حكم عسكري نشر الأمن بقوة السلاح، وفي الواقع لا تخلوا روندا من العسف والظلم واستمرار حكم الأقلية دون الوصول إلى مصالحة حقيقية، وهو ما تسجله المنظمات الدولية.
من مقارنة المثال السابق مع الوضع الليبي لا شك أن البعثة الأممية والمجتمع الدولي يتحرك نحو استنساخ التجربة، أي مصر ومن ورائها الإمارات قد أوكل لهم مهمة أوغندا لمساندة حفتر كبول كجامي رواندا، وحكومة الرئاسي ما هي إلا حكومة الهوتو الضعيفة التي تم تجاهلها حتى سقطت، وسقط معها مليون ونصف مُهجر خلف الحدود قد تكون تونس ومئات الآلاف من القتلى الذين سيكونون من المدن الغربية، وهو حل من المنظور الغربي الذي مفاده أن شعوب العالم الثالث لا ينفع لهم إلا الحكومات العسكرية الاستبدادية.
إذا كان الرئاسي يرفض هذا الحل هل سيقوم بإعلان حالة النفير العام وتوفير كل الإمكانيات للمعركة، وقطع الدعم والميزانيات عن المتمردين بالداخل والخارج وإعلان الحرب على الكرامة رسميا، وكل من يدعمها، وتسمية المنخرطين فيها وتضع قيود على التعامل معهم؟ وهل للحكومة الحالية مواقف صارمة تجاه الدول الموغلة في دماء الليبيين؟ وهل ستقوم بتغيير الوزراء والوكلاء الفاشلين، مثل وزير العدل والخارجية والمالية وأخيرا الصحة، هل سيكون هناك وزير للدفاع وقائد أركان فاعل.
لا والف لا مع المنظومة الحالية، لن يكون ذلك، فالحل حكومة جديدة تنفيذية للتعامل مع متطلبات المرحلة داخليا وخارجياً ويترك الرئاسي للمنصب الشرفي، وتقوم الحكومة الجديدة بأعمالها بجدارة في معزل عن الأيدي المرتعشة والأيدي المستغلة للوضع.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً