هل السيادة لله أم للشعب في الدستور؟ نعتقد أنك إذا حاولت الإجابة عن هذا السؤال بهذه الصيغة ستقع في ذات الإشكاليات الفكرية والمنهجية التي وقع فيها العديد من الإسلاميين ومنهم الشيخ الصادق الغرياني ، كما وقع في ذات الإشكاليات بعض غلاة العلمانية والليبرالية.
نعم السؤال ابتداءًا غير منطقي. وهو يشبه إلى حد كبير ما وقع من نقاش عقدي وفكري وفلسفي بين المرجع في سبب الأفعال هل هو إرادة الله أم إرادة الإنسان أم إرادة الطبيعة لدى الملاحدة؟
يقول تعالى: ” من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل إنما يضل عليها “. ويقول تعالى: ” فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم”. فهل المرجع في الهداية هي إرادة الإنسان كما أبانت الآية الأولى أم إرادة الله كما أوضحت الآية الثانية؟
أساس السؤال خاطئ ، فالخلط بين إرادة الله واردة الإنسان و الخلط بين سيادة الله وسيادة الشعب هو الذي يؤدي إلى ما نراه إشكاليات إسلامية وفلسفية وقانونية.
ورغم أن أبو حامد الغزالي وابن رشد أسهبا في بيان الفرق ومدى الخلط الذي وقع فيه بعض الفلاسفة ، إلا أننا نرى أن ثقافتنا تصر على المزج وعدم التفرقة بين ما هو ألهي أو أنساني ، وهذا أٌس الإشكال لدينا.
التصحر قد يكون سببه اعتداء بعض الأشخاص على الغابات والأشجار ، وهذا فعل إرادي بشري يمكن إيجاد حل له. وقد يكون سببه وفقاً لأصحاب نظرية سيادة الله في الدستور إرادة الله !!! ورغم أن أحد المشايخ أفتى لنا يوماً بأن ذلك عقاب من الله على معاصينا ، إلا أننا لم نعرف كيف تيقن من ذلك؟ ولماذا لا يكون فتنة مثلاً ، أو نعمة ستأتي نتائجها لاحقاً ، أو ربما يكون من الصيرورة الطبيعية ( السنن ). إذا أخذنا برأينا فيمكن أن نعالج إشكالية التصحر ، وإذا أخذنا برأي الشيخ الذي يعرف أرادة الله عز وجل ( والعياذ بالله ) فلن نتمكن من حل الإشكال إلا إذا أصبح أهل مدينتي كالرسل والأنبياء.
فإرادة الإنسان ليس المقابل لها إرادة الله ، بل الإنسان عديم الإرادة أو من انتقصت إرادته كالمشلول أو المجنون أو المكره.
سيادة الشعب ليست المقابل لسيادة الله ، بل هي المقابل لسيادة الفرد أو الديكتاتور. لا يجوز أن نجعل أساس الشرعية السياسية الدنيوية سيادة الله !! كيف هذا ؟ نعم فسيادة الله كشعار يؤدي إلى تأسيس الدولة الثيوقراطية المستبدة والتي شهدت أوروبا أبشع أمثلتها. لأن السؤال كيف نهتدي إلى سيادة الله ؟ بالتأكيد في هذا الزمان ليس عن الطريق الوحي أو الملائكة ، بل عن طريق بشر يدعون أنهم هم حصراً من يدرك تلك السيادة بأبعادها ويعبر عنها ويحترمها . وهذا هو الأساس الفلسفي للدكتاتورية الدينية التي شهدتها أوربا ، فالحاكم أو الملك أو رجل الدين لا يمكن مناقشته أو الرد عليه لأنه يمثل إرادة الله.
فسيادة الشعب في الأنظمة السياسية الحديثة وضعت في مقابل سيادة الفرد أو الطبقة أو الطائفة أو القبيلة أو المذهب ، وهي لا تفترض العصمة فقد يجمع الشعب على قرار أو قانون قد نكتشف لاحقاً عواره . ولكن هل نحتمل أن ننسب الأخطاء لسيادة الله؟
يرى توكفيل أن أساس النظام الديمقراطي وجوهره هو حكم الأغلبية ، ويبقى التحدي في نوع وفعالية الضمانات التي تمنع طغيان الأغلبية على الأقلية.
مثال أخر يبين مدى الخلط لدينا بين ما هو بشري والهي . وهو النقاش المحموم الذي يحدث حول عبارات الله و …. أو الله ثم أو لولا فلان أو لولا الله ثم فلان.
لولا الله ثم …… لا يوجد ثم فالاثنان لا يجوز الجمع بينهما في سياق واحد . أما قوله صلى الله عليه وسلم: (( إذا حلف أحدكم فلا يقل: ما شاء الله وشئت، ولكن ليقل: ما شاء الله ثم شئت )) فكان محكوماً بواقع وبيئة ليست على عهد بعيد بالشرك .فراعى صلى الله عليه وسلم ألا يؤدي كلامه إلى نفي إرادة الإنسان بالمطلق أو أن يثير شيئاً من بقايا الشرك في قابل الأيام إذا اقتصر على الله عز وجل فقط ، فكان لابد من مراعاة ذلك ومن مراعاة أن عكس هذا البيان قد يؤدي إلى نفي إرادة الله أو العكس نفي إرادة الإنسان وهذا من مبلغ حكمته صلى الله عليه وسلم في هذا المقام ، وهي البادية في قوله صلى الله عليه وسلم: ” يا عائشة ! لولا أن قومك حديثو عهد بشرك، لهدمت الكعبة …. إلى أخر الحديث”.
فالأصل أن الجمع بين مشيئة الله ومشيئة الإنسان في سياق واحد لا يجوز ، أي عندما نقول ما شئت أنت أو فلان فهنا نتحدث عن سبب بشري دنيوي وهذا لا يلغي مشيئة الله أبداً ، فهما مختلفان والثاني يحتوي الأول . وإذا قلنا مشيئة الله أو لولا الله فلا نستطيع أن نلحق ذلك بثم مشيئة فلان أو فلان لأنه لا يجوز الجمع بينهما. فلولا مساعدة فلان مثلاً ليس المقابل لها عدم مساعدة الله وتدخله ، بل المقابل لها عدم مساعدة ذلك الشخص أو غيره . فالجمع بين الله والبشر في سياق واحد لا يجوز.
ومثال أخر على الخلط بين ما هو الهي وما هو بشري ، تشبيه العديد من الإسلاميين لبعض الناس بالكلاب استناداً لقوله تعالى: كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ”. أو وصف يهود هذا العصر بأنهم قردة وخنازير . وهذا من القياس الفاسد لأنه يقيس البشري على الإلهي. فهنا لا يمكن أن نقيس أنفسنا على الله عز وجل وإلا وصلنا بهذا القياس للحلف بالقمر والنجوم كما أقسم بهما الله عز وجل في قرآنه الكريم.
سيادة الشعب نص عليها ضد الدكتاتور التفرد ، أو حتى ضد فئة بعينها كأن تكون عسكرية أو طائفية أو مذهبية أو دينيه تحاول أن تلغي إرادة الشعب وتسفهها بحجة أنها تمثل حصراً إرادة الله وسيادته.
فكيف يحق لنا وقتئذ أن نناقش أو ننتقد وكلاء إرادة الله أو سيادته أو حكمه.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً