بعد أيام على صدور القرار الخاص بإنهاء مهام السلطة التنفيذية في طرابلس، أعلن المجلس الرئاسي عن اتخاذه قرارًا بالإجماع، بانتخاب محافظ جديد لمصرف ليبيا المركزي وتشكيل مجلس إدارة جديد، فما حيثيات هذا القرار وما تأثيراته على الأوضاع الاقتصادية في البلاد؟.
وحول هذا القرار، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عمر زرموح لشبكة “عين ليبيا”: “بالنسبة لما يجري في المصرف المركزي أو حول المصرف المركزي، يمكن القول باختصار بأن ما يجري هو صراعات غير محسوبة العواقب، لذلك فنحن نخشى من الآثار السلبية لهذه الصراعات ونتائجها على الاقتصاد الليبي”.
وأضاف: “المصرف المركزي لا يدار بفرد بل بمجلس إدارة، وما نلاحظه هو أن المصرف المركزي منذ عام 2014 الى هذا العام 2024، لم يعقد مجلس إدارته إلا اجتماعا واحدا، هو ذلك الاجتماع الذي غير فيه سعر الصرف بتاريخ 2020/12/16، في حين أن قانون المصارف ينص على أن مجلس إدارة المصرف المركزي يجب أن يجتمع اجتماعا واحدا على الأقل مرة في كل شهر، والحد الأدنى لعدد الاجتماعات التي كان يجب أن يجتمعها خلال عشر سنوات هي 120 اجتماع، ومن 120 اجتماع اجتمع اجتماعا واحدا”.
وقال الدكتور زرموج: “هذا خطأ إداري ومهني كبير ارتكبه المصرف المركزي”، مضيفا: “المسؤولية بالدرجة الأولى من وجهة نظري على المحافظ، ورغم أن المحافظ يدعو للاجتماع ولكن لا يوجد استجابة”.
وتابع الخبير الاقتصادي لشبكة “عين ليبيا”: “هذه النقطة لها حل قانوني، ولكن المحافظ لم يهتم بالحل القانوني، وفضل أن يدير المصرف المركزي منفردا، وفي إدارته منفردا خلال العشر سنوات الماضية، السيد المحافظ ارتكب العديد من الأخطاء، وهي تعتبر أخطاء في حق الاقتصاد، والقرارات التي اتخذها والتي أدت إلى خلق سوق سوداء منذ حوالي منتصف سنة 2014 إلى سنة 2020، وعندما تغير سعر الصرف بالاجتماع المذكور، فإن السوق السوداء لم تنتهي نهائيا لكن نعتبرها في حكم المنتهي خلال سنة 2021 و2022، ولكن منذ الشهر العاشر لعام 2023 بدأت تنتعش مرة ثانية، بسبب سياساته التي خلقت اضطرابا كبيرا في الجانب النقدي”.
وأردف الدكتور زرموح: “من الأخطاء المرتكبة هي أن السيد المحافظ ينبغي أو يفترض أنه يعرف أن المادة 5 من قانون المصارف تنص على أن وظيفة المصرف المركزي، يجب أن تكون العمل على الاستقرار النقدي، وحتى عندما يحصل اضطراب نقدي لأسباب خارجة عن إرادة المصرف، يجب أن يعمل على معالجتها”.
وأضاف: “ما نراه من السيد المحافظ هو أنه يخلق الاضطرابات النقدية، وهذا ما فعله منذ الشهر العاشر لعام 2023 حتى الآن، بما في ذلك القرار الذي أصدره في 1 فبراير في بعض الضوابط، والذي أول من خالفه هو نفسه المصرف المركزي، ثم بعد ذلك جاء بالضريبة، ورغم صدور حكم من المحكمة إلا أنه لم يذعن لحكم المحكمة، وهذا يعني عبث بالقانون ومخالفة لأحكام القضاء وعبث في الاقتصاد الليبي”.
وزاد الدكتور زرموخ: “السيد المحافظ بمواقفه الأخيرة من أواخر سنة 2023، نجد أنه أصبح يعمل بالسياسة، ولم يعد يعمل مهنيا، وأصبح طرفا سياسيا”.
واستطرد قائلا: “في جانب المجلس الرئاسي نحن نعرف أن المجلس الرئاسي طبقا للقانون سواء نظرنا لقانون المصارف رقم 1 عام 2005 أو نظرنا للاتفاق السياسي، نجد أن المجلس الرئاسي لا يملك تغيير المحافظ ولا تعيين المحافظ، ولذلك أعتقد أن المجلس الرئاسي مدرك لهذه الحقيقة، ومن ثم فهو قد قام بتفعيل قرار سابق لمجلس النواب وهو القرار الذي صدر منذ عام 2018 والقاضي بتعيين السيد محمد الشكري محافظا المصرف المركزي”.
وأشار الدكتور زرموح إلى أن : “النقطة الغامضة إلى حد الآن بالنسبة لي، لا اعرف ما مدى قدرة المجلس الرئاسي على تنفيذ قراره وبسرعة، لأنه يقول سوف ينفذ وهذا لا معنى له، ولذلك فهو إما أن يكون قادرا على تنفيذ قراره أو ما كان ينبغي له أن يتخذ مثل هذا القرار، وهو قرار حسب رأي القانونيين هو قرار كاشف، بمعنى هو قرار صادر من جهة سابقة أو مفروغ منها وإنما عملية تفعيل لقرار صادر، وهذا من ناحية الشكل القانوني أو التكييف القانوني لما قام به المجلس السياسي، وحول تعيين المجلس الرئاسي محافظا جديدا، فهذا لا يملك طبقا للقانون”.
وتابع الخبير الاقتصادي لشبكة عين ليبيا: “النقطة الأخرى، القول بأن المجلس الرئاسي، عين مجلس إدارة فهذا أيضا غير منطقي، ولا اعتقد أنه سليم لسببين، أولا نحن لم نر أي قرار من المجلس الرئاسي، قرأنا تصريحا عن المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي، ولكننا لم نر قرار، فإذا كان عنده قرار لماذا لم ينشره، والنقطة الثانية، موضوع التعيين، ليس من اختصاصه أيضا وهو من اختصاص السلطة التشريعية بالتشاور مع المحافظ، فالمحافظ الجديد بعد أن يباشر عمله، يمكن للسلطة التشريعية أن تتشاور معه في تعيين أعضاء مجلس الإدارة وأعضاء مجلس الإدارة من غير المحافظ هم 8 يعين منهم 7، أما الثامن فهو وكيل وزارة المالية وهو عضو بالصفة ولا يحتاج لأي قرار، وهذا ليس من اختصاص المجلس الرئاسي”.
وأضاف الدكتور زرموح: “لم نر أي مستند لمجلس النواب يفيد بأنه قرر تفعيل قرار سابق لمجلس النواب بتعيين مجلس الإدارة، ولا اعتقد أن مجلس النواب يملك أن يصدر قرارا مخالفا للقانون، هو يملك يغيّر القانون، لكنه لا يملك أن يصدر قرارا مخالفا للقانون، مثلا القرار الذي أصدره مجلس النواب في السابق بإعطاء صلاحية للمحافظ ونائبه، (صلاحيات مجلس الإدارة)، هذا غير صحيح وغير منطقي لأنه مخالف لقانون المصارف رقم 1 سنة 2005، فلذلك لا يوجد حاليا مجلس إدارة، ولا احد يملك أن يتخذ قرارا يكون من اختصاص مجلس الإدارة”.
وحول المهام المنتظر تحقيقها من المحافظ الجديد، قال الدكتور زرموح: “اعتقد أنه في حالة أن يستطيع المجلس الرئاسي تنفيذ قراره بتفعيل القرار السابق لمجلس النواب، بتعيين السيد محمد الشكري، فأعتقد أن المنتظر منه هو أن يفعل ما فشل المحافظ السابق في القيام به، ألا وهو خلق الاستقرار النقدي تطبيقا للمادة رقم 5 من قانون المصارف رقم 1 في سنة 2005، ولو فعل ذلك سيكون إنجاز عظيم جدا من المحافظ الجديد، بالإضافة إلى آمل أن يعمل على تشكيل مجلس الإدارة، وطبعا القانون لم ينص على أن مجلس الإدارة يكون باقتراح من المحافظ، وإنما يكون بقرار من مجلس نواب بعد التشاور مع المحافظ”.
وأردف الدكتور زرموج: “هناك فرق بين التشاور والاقتراح، وإذا كان مجلس النواب، لم يقتنع بالمحافظ الذي سبق له أن عينه ولا يوجد ما يفيد بأنه ألغى قراره لأن القرار الأخير طبقا للقانونيين، أنه اتخذ دون نصاب قانوني، يعني القرار الذي ألغى فيه قراره بإلغاء تعيين شكري، قرار غير قانوني لأن النصاب القانوني لم يتوفر طبقا للقانونيين”.
وتابع: “كذلك القول بأن مجلس النواب قرر التمديد للسيد الصديق الكبير، هو أيضا قول غير منطقي، لأن الصديق الكبير، من وجهة نظر مجلس النواب، هو مقال، والمقال لا يمدد له”، مضيفا: “نستغرب من هذا، كما أن بعض القانونيين أثاروا مثل هذه التساؤلات، كيف لمجلس النواب أن يقيل المحافظ، ثم بعد الإقالة بعدة سنوات يمدد له، فهو يمدد لشخص هو لا يتبعه ولا يعترف به كمحافظ، فكيف ذلك، هل عينه من جديد، وهذا لا يمكن لأن الاتفاق السياسي يحتم أن تعيين المحافظ يكون بالتشاور مع مجلس الدولة، وهذا لم يحصل”.
وحول قضية خطف مصعب مسلم مدير إدارة تقنية المعلومات في البنك، قال الدكتور زرموح لشبكة “عين ليبيا”: هذه مسألة تحتاج إلى تحقيق وقضاء ونيابة، رغم أني قرأت لكن لا ندري ما مدى صحة ذلك، أن المعني لم يكن مخطوفا وإنما استدعي من بعض الجهات الأمنية للاستماع الى أقواله في مسألة ما لا ندري ما هي، ثم عاد وأطلق سراحه، وإذا كان الأمر كذلك، يعني يعتبر أمرا عاديا، ولا يستحق إثارة أي جدال فيه”.
وحول تأثير محاولة استبدال قيادة المصرف بالقوة على وصول ليبيا إلى الأسواق المالية الدولية، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عمر زرموج: “موضوع تعيين المحافظ أو استبداله، هو شأن داخلي، ولا ينبغي أن يكون للجهات الخارجية أي دخل فيه”، مضيفا: “لكن للأسف قد يكون هناك تدخل بسبب ضعف الوضع السياسي في ليبيا، لكن من حيث ما يجب أن يكون لا ينبغي أن يكون لهم أي دخل”.
وأضاف: “مسألة استبدال قيادة المصرف بالقوة هي القضية، وليس استبدال قيادة شرعية بالقوة، إنما هي تفعيل لقرار سابق، فإذا كان القرار السابق عن جهة شرعية وهي مجلس النواب إذا صح هذا القول فيصبح تنفيذه بالقوة من الأشياء المبررة، والتي لا ينبغي لأحد أن يتدخل فيها، وإنما إن كان هناك خطأ فالخطأ في من يتشبث بالمنصب رغم وجود قرار بإقالته”.
وتابع د. زرموج: “هذا القرار ينبغي أن يُبحث من الناحية القانونية، فإذا كان القرار سليما، فينبغي للسيد المحافظ الحالي أن يجري عملية التسليم والاستلام دون حاجة لأي نوع من الضغوط أو القوة، إلا إذا أراد أن يتمترس في منصبه غير مهتم بالجوانب القانونية، وفي اعتقادي أن العبرة هنا في التفسير القانوني”.
وأضاف: “بالنسبة للوصول للأسواق المالية الدولية، بطبيعة الحال، إذا كانت الإجراءات قانونية فينبغي أن تستبدل التوقيعات بشكل اعتيادي، فكما تبدل المحافظ السابق من العهد السابق، وهو طبعا تبدل بسبب الثورة، يتبدل الذي بعده، ولا أحد من حقه أن يعترض، وإذا كان هناك اعتراض فعال من القوى الخارجية، فهذا انعكاس لعدم وجود رجال دولة عندنا ولضعفنا الشديد”.
وتابع الدكتور زرموج: “أنا في تقديري يجب أن نهتم بأن القرار الذي اتخذه المجلس الرئاسي، يكون مبررا من الناحية القانونية، وكما ذكرت سابقا القرار ليس تعيينا لمحافظ جديد، بل القرار تفعيل هو تفعيل لقرار سابق لمجلس النواب، وهناك وفرق بين الأمرين”.
وحول سؤالنا كيف سيبدو المشهد الاقتصادي في البلاد بعد هذه الحادثة، قال الدكتور عمر زرموح لشبكة “عين ليبيا”: “كما سبق وقلت، المجلس الرئاسي، لم ينشر قراره بعد ولم نره، وبالتالي حتى يصعب تقييمه سليما وإنما كل ما رأينا هو تصريح، فإذا كان المجلس الرئاسي واثقا مما يفعل من الناحية القانونية، فيجب أن ينفذ قراره بسرعة، فإذا نفذ قراره بسرعة، فلا اعتقد أنه ستكون هناك مشكلة كبيرة، وقد تكون مشاكل صغيرة، وتنتهي”.
واختتم د. زرموح بالقول: “لكن إذا لم يكن واثقا من سلامة قراره من الناحية القانونية، فسيكون هناك شد ورد، وقد تكون هناك مماطلة في التنفيذ أو صعوبة في التنفيذ، وفي هذه الحالة، ستنعكس هذه الصعوبة على الوضع الاقتصادي وتزداد الارتباكات والفوضى والتشاؤم عند المتعاملين من رجال الأعمال والتجار، وهذا سينعكس على السوق الموازي وسيرتفع سعر صرف النقد الأجنبي، وبالتالي ستنخفض قيمة الدينار الليبي، ولا اقصد بذلك القيمة الرسمية، وإنما القيمة في السوق الموازية ونأمل ألا يحصل ذلك”.
اترك تعليقاً