نطم المنتدى الثقافي العربي البريطاني، ندوة حوارية، حول ماهية المشروع الحضاري النهضوي الليبي رؤيته وأهدافه.
وشارك أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية الليبية ورئيس مجلس الإدارة بمنظمة الحوار الوطني الدكتور عمر عثمان زرموح، بمداخلة خلال الندوة تطرق خلاله إلى عدد من الملاحظات والتساؤلات.
وتتمثل هذه الملاحظات والتساؤلات في النقاط التالية:
[1] الملاحظة الأولى توضيحية وهي أن هذا “المشروع النهضوي” هو مشروع للجميع، لجميع الليبيين، بصرف النظر عن كاتبه حيث يمكن أن يتبناه كل من يترشح لمنصب قيادي في الدولة.
[2] إن هناك من يدعي بعد قيام ثورة 17 فبراير أن مؤيدي هذه الثورة ليس لديهم مشروع.، وهو غير صحيح لأن المشروع الذي تبنته الثورة في شعاراتها منذ يومها الأول هو رفض الاستبداد وتبني دولة القانون والمؤسسات والتداول السلمي على السلطة. وفي تقديري إن المشروع النهضوي هو تعبير مكتوب للمشروع الذي رفعه الثوار في شعارتهم منذ عام 2011 لأنه مشروع يرفض الاستبداد (الديكتاتورية) ويتبنى مبدأ سيادة القانون والتداول السلمي على السلطة.
[3] من خلال المناقشات حول هذا المشروع التي رأيتها في بعض وسائل التواصل الاجتماعي لا يبدو لي وجود أي خلاف حول الركائز الستة التي يعتمدها “المشروع النهضوي” وهنا أشير إلى نقطة مهمة وهي أن الركائز الستة كلها مهمة وينبغي أن ينظر إليها كمنظومة واحدة وبالتالي فإن ترقيمها من (1) إلى (6) لا يعني أن تفضيل في الأولويات لأي من هذه الركائز.
[4] بمراجعة كتاب “بناء الدولة” لنفس الكاتب الأستاذ الدكتور فتحي بن شتوان الذي تحدث فيه عن مراحل بناء الدولة أو “أطوار” بناء الدولة استخدم الكاتب تعبير “الطور الصفري” ويقصد به أن عملية بناء الدولة يجب أن تمر بمراحل أو أطوار ولكن قبل أن تبدأ يجب اجتياز “الطور الصفري” ويقصد به اجتياز الحالة التي تعيشها ليبيا حالياً من أزمات خانقة (اقتصادية وأمنية ومؤسساتية) لتصل إلى الوضع الطبيعي الذي يمكنها من البدء في تنفيذ المشروع النهضوي. وهذا في تقديري يمثل توضيحاً لمن يتساءل حول مدى إمكانية تطبيق هذا المشروع في الظروف الحالية للبلد.
[5] أشارت الركيزة الأولى إلى الوحدة الوطنية، وإلى ألا مركزية، وهنا أود أن أشير إلى أن بعض المتحاورين الليبيين في مناسبات شتى لا يميزون بين الدولة الفيدرالية مقابل الدولة البسيطة وهو تنظيم سياسي، من جهة، والمركزية واللامركزية كتنظيم إداري، من جهة أخرى. عليه أتمنى من الأستاذ المحاضر أن يلقي بعض الضوء حول هذه المصطلحات في المشروع النهضوي.
[6] أشارت إحدى الركائز إلى تبني مبدأ “القيم” وخاصة القيم الأخلاقية والأصالة والهوية وهي قيم تخلو منها الكثير من المشاريع الأخرى، بل بعضها يتباهى بالتخلي عنها. وفي هذا السياق أتذكر أني عند مطالعتي لكتاب Asian Drama; An Inquiry into the Poverty of Nations للأستاذ Myrdal قد رأيت فيه ما يدعو إلى تدمير القيم الاجتماعية، وبالتأكيد يقصد القيم المعرقلة للتنمية من وجهة نظره، ولذلك عندما يتبنى المشروع النهضوي تلك القيم فلا شك عندي في أنه سيتبنى منها القيم الإنسانية الرفيعة وهي لن تكون إلا قيماً محابية للتنمية.
[7] يؤكد المشروع النهضوي على أن الدولة هي التي تقود النهضة في البلد. وهنا أود أن أتساءل: إلى أي مدى يجب أن تتدخل الدولة في قيادتها للنهضة وخاصة في الجانب الاقتصادي؟ ورغم أن هناك من يرى أن النهضة يجب أن تأتي، كما حصلت في أوربا، من خلال الأفراد وليس من خلال الدولة، إلا أني أتفق مع رؤية الكاتب في أن الدولة هي من يجب أن تقود النهضة (وبخاصة التنمية الاقتصادية) لأنه من الصعب، بل ربما من المستحيل، أن نستنسخ تجربة الدول الأوربية إبان نهضتها بسبب اختلاف ظروفنا الحالية عن ظروفهم في ذلك الوقت، وأيضاً بسبب ما يحتاجه ذلك من وقت طويل غير مضمون النتائج، إلا أن تدخل الدولة يجب أن يكون في إطار ترسيخ الحرية الاقتصادية والتنافسية وتشجيع المبادرات والاكتشافات والاختراعات التي يتوصل لها الأفراد.
[8] تحدث المشروع النهضوي عن التنمية المستدامة، ورغم أني لا أختلف مع الكاتب في هذا المبدأ، إلا أني أود أن أوضح أن تعدد نظريات التنمية قد تحتاج إلى نقاش أكثر تفصيلاً عندما نأتي لمرحلة التطبيق، ولا سيما بين الاقتصاديين.
واختتم د. زرموح مداخلته بالقول، إن المشروع النهضوي قدم مفهوماً للدولة المتقدمة يقول بأنها هي الدولة التي امتلكت ناصية المعرفة وحولتها إلى قوة اقتصادية واجتماعية هائلة. وتأكيداً لهذا المفهوم، أود التذكير بسؤال طرحه الأستاذ Alfred Marshall في عشرينات القرن العشرين يقول: لماذا نحن اليوم أكثر رفاهية اقتصادية من الأجيال التي قبلنا؟ وأجاب عن هذا السؤال بقوله: لأننا صرنا نعرف أكثر.
اترك تعليقاً