نبدأ من حيث انتهينا في المقال السابق حيث يقول خليفة رسول الله أبوبكر الصديق رضي الله عنه في خطاب توليه الحكم حين بايعه الصحابة رضي الله عنهم “إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوّموني”!!! ما يهمنا في هذا الأمر أننا أمة لها تاريخ ضارب في الأعماق نستنبط منه الأحكام والدروس ليُنير لنا كثيرا من الظلمة التي حُملنا إليها في غالب الأحيان من حيث لا ندري حيث غيّرت المفاهيم واستخدم الدين لنُساق إلى الهلاك لعبودية الملوك والسلاطين الظلمة عوضا على أن نُساق إلى التقدم والرقي بحجج واهية ما أنزل الله بها من سلطان بِليّ الآيات وتأويلها لتستخدم في غير مواضعها لمناصرة الظلم والظالمين!!؟؟؟ ألم يحرم الله الظلم على نفسه ويلعن الظالم فكيف يحل لعالم أن يناصر حاكما ظالما أو يسوّق له؟.
لقد بدأت مصيبتنا مع بدايات الدولة الأموية والعباسية حين تحول الحكم إلى وراثي لمن يستحق ولا يستحق حينها اتخذ أصحاب السلطة علماء دين لترسيخ حكمهم ولنا في التاريخ الإسلامي عشرات من العلماء الذين يلتفون حول الحاكم لتبرير تجاوزاته وجرائمه كما لنا في عصرنا الحديث أمثالا وأمثالا ونحن هنا لا نناقش طاعة الحاكم من عدمها، ولكننا نناقش دور وواجب الحاكم نحن المحكومين وحقوقهم ونحو حماية البلد والدين والدفاع عنهما والذي قلّ ما نراه من حكامنا اليوم بل في كثير من الحالات نرى عكس ذلك تماما!.
وليس لنا مثلا أكثر تأثيرا وقدوة من أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وكيف كانت علاقتهما بالرعية والحفاظ عليها وعلى الدين فهل هؤلآء كبيرهم وصغيرهم الذين يساندون الحاكم المستبد الظالم السارق لأموال الدولة هو وأولاده باسم الدين يأمرون وينهون عن ظلم الناس “وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ” آل عمران 57، يواصل الصدّيق قوله:” أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم”، والخطاب هنا مستمر لأصحاب الرأي الواحد ولمن يساند حكامنا العملاء الظلمة اللصوص وينحاز إليهم ءالله ورسوله أو خليفة رسوله أمر بطاعة حاكم سارق ظالم يسوم شعبه سوء العذاب وغيرها من الخصائص السيئة بل الدنيئة التي لا نريد ذكرها أم على الله تفترون؟! ءالله ورسوله أمر بطاعة حاكم يطلق العنان لأسرته أولادا وبنات يعيثون في أموال الدولة فسادا ينفقونها على شهواتهم وملذاتهم والشعب يتضرع جوعا أو على الله تفترون؟! إقرؤوا قول الصديق في العبارة الأخيرة فهل نُخطّأ الصدّيق ونصدّقكم وعلمائكم أم ماذا؟؟!!! أمّا الجهاد فصار عند هؤلآء مذمة ينعت صاحبه به فيقال هذا جهادي ومعناه عندهم أنه منحرف لينفر الناس منه لقد شُوّه وحُذف الجهاد من مناهجنا لأنه يخيف أعدائنا؟.
هل كان الصديق غليظا فظا ينظر بازدراء لبقية المسلمين وكأنهم من أهل النار أم كان خليفته عمر رضي الله عنه مثل ذلك، هل كان أساس حكم أصحاب رسول الله هو ظلم الرعية والزج بها في السجون وقتلها وعدم الإهتمام بها أم هو العدل والرحمة والحفاظ على الحقوق والأرواح، فمالكم كيف تحكمون؟!
أنظروا إلى لين وسماحة وعمل وأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتى إعرابي فبال في المسجد فقام الصحابة في وجهه، ماذا فعل الرسول أمر أن يسكبوا ماءً على البول وقال: “فإنَّمَا بُعِثْتُم مُيَسِّرينَ ولَم تُبعَثُوا مُعَسِّرِينَ”، أيُّ مدرسة هذه؟ لننتقل من هذا الموقف التعليمي الكبير إلى واقعنا المرير تصورا معي أن أحدا دافعه البول لحاجة بل قد يكون مريضا فلم يستطع إمساك بوله فغلبه فبال في المسجد، لو فعلها أحد اليوم لأُشبع ضربا بالنعال ليعلم علم اليقين أننا غلاظ شداد لا نفهم ولا نرحم ولا نغفر لأحد أبدا !!! ولكن الله يغفر.
حتى لا يحرّف الرأي عن موضعه نحن ندعوا لطاعة ولي الأمر أو الحاكم ولا ندعو للخروج عليه كمبدئ أساسي ولكننا ندعو قبل ذلك بأن يلتزم الحاكم تماما بالحفاظ على الناس وأموالهم وأعراضهم وأرواحهم وعلى أن يحافظ على الوطن واستقلاله وعدم تبعيته لأعداء الأمة وأن يحكّم شرع الله على نفسه وعائلته وأقاربه وحاشيته قبل أن يطبقه على الناس وإلاّ فليس له حق التمسك بالحكم وعليه التنازل لمن هو قادر على حفظ ورعاية تلك الحقوق، أما أن تنتهك حقوق الناس وتنهب أموالهم ويهينهم الحاكم ويسلب كرامتهم ويضرب أعناقهم ويساند أعدائهم ولا يحافظ على أوطانهم ثم يأتي من يأمر بطاعته العمياء فهذا خلل كبير في التفكير وفهم مقاصد آيات وأحاديث الطاعة لحق أريد به باطل فمن يدعو لذلك مجردا فهذا كمن ترى في ظاهره الرحمة والود والحنان ولكن باطنه الإستبداد والجور والبغي والطغيان؟.
أختم قائلا من أنعم الله عليه بعقل مستقل يميّز فيه بين الخير والشر والحق والباطل وينحاز للخير والحق مع أو ضد حاكم أو رعية فتلك نعمة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً