جلاء فرنسا عن فزن.. محطات ومسارات ونتائج

جلاء فرنسا عن فزن.. محطات ومسارات ونتائج

فرج كُندي

كاتب وباحث ليبي، مدير مركز الكندي للدراسات والبحوث

تمتد الاطماع الفرنسية فى الجنوب الى زمن ليس بالقصير وذلك  بداء من الاحتكاك الذى حدث مع الحركة السنوسية ومحاولة فرنسا التقدم شمالا للقضاء على النفوذ  السنوسي فى جنوب الصحراء ومحاولة ربط الطريق الموصل بين مستعمراتها فى تشاد وتونس والرغبة فى ضم مدينة سرت الساحلية الى اقليم فزان ليكون لها منفذ الى البحر المتوسط وكان  والذى فتح باب التوسع الفرنسي  فى تللك المناطق هو الاتفاق الذى عقد بين فرنسا وبريطانيا فى 31 مارس 1899 الذى تم بموجبه تسوية الخلافات بين الدولتين حيث تنازلت فرنسا لبريطانيا عن بحر الغزال وبحر العرب ودارفور واعطيت هي الحق فى التوسع فى شمال وشرق بحيرة تشاد الامر الذى يحقق لها ربك ممتلكاتها فى شمال وغرب افريقيا   وبهذا يكون اقليم فزان من ضمن الاتفاق الذى عقد بين الدولتين والذى يسمح لفرنسا بالتوسع شمال بحيرة تشاد لتتمكن من الوصول الى مستعمراتها فى شمال افريقيا وهذا ل ايتم الا عبر المرور بإقليم فزان فى ليبيا .

لم يتعزز النفوذ الفرنسي فى الجنوب الليبي الا بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية وانضمام فرنسا الى جانب دول الحلفاء واعلان ايطاليا الحرب على الحلفاء تحالفاً مع دول المحور الامر الذى دفع الى اتفاق فرنسي بريطاني عام 1943 على ان تزحف القوات الفرنسية بقيادة الجنرال لوكريك من تشاد وتحتل اقليم فزان الواقع فى الجزء الجنوبي من الصحراء الليبية.

وباتصال قام به الجنرال ديغول بالأمير ادريس السنوسي تم الاتفاق – على غرار ما تم الاتفاق عليه ما بين الامير ادريس والانجليز بتكوين  نواة جيش من الليبيين المهاجر الى مصر للقيام بالقتال ضد الايطاليين مع الانجليز – ان يقوم الامير بتكليف احمد سيف النصر ان يقوم هو وبعض الليبيين المهاجرين الى النيجر وتشاد لتشكل قوة عسكرية تحت اشراف فرنسي  للدخول الى اقليم فزان مع القوات الفرنسية المهاجمة للقوات الايطالية المحتلة لفزان وتقدمت القوات المشتركة الفرنسية الليبية للسيطرة على فزان وانتزاعها من الاحتلال الإيطالي والحقت الهزيمة بالقوات الايطالية وسيطرت القوات الفرنسية على الجنوب الليبي المعروف بإقليم فزان وبخروج ايطاليا من اقليم فزان بعد هزيمتها على يد فرنسا وبمساندة الليبيين اصبح الجنوب الليبي تحت السيطرة الفرنسية  (وكانت فزان بأكملها تحت امرة مقيم فرنسي مركزه سبها لكن المسؤولية الادارية فى المنطقة كانت توزع بين ثلاث ادارات محلية خاضعة لوزارتين فى باريس)1

ومنذ ان وضعت فرنسا اقدامها على تراب فزان وبأراده مسبقة اخذت فى تنظيم الاقليم على اساس انه تابع لها وجزء من مستعمراتها فى افريقيا ولم فى حساباتها الخروج منه بل اعتبرته امتداد لاقى مستعمراتها وقسمته اداريا وعسكريا بما يحقق مصلها ويربط مستعمراها فى تشاد والنيجر والجزائر وتونس فضمت غدامس الى تونس وغات الى الجزائر.

ولكن نتيجة للجهود الدبلوماسية والحراك الشعبي فى الاقاليم الثلاثة التي تمثل (ليبيا) وفى حراك منقطع النظير وجهاد تواصل فيه العمل المتواصل والهد المضنى من الزعماء والقادة فى كافة الاقاليم تتوج بقرار من الامم المتحدة ينص على استقلال ليبيا  بأقاليمها الثلاث لتصبح دولة مستقلة ذات سيادة معترف بها من المنظمة الدولية ( الامم المتحدة ) التي فرنسا تمثل فيها احد الاعضاء الدائمين ، ( اصدرت الامم المتحدة فى 21 نوفمبر 1949 قرارها بأن تصبح ليبيا دولة موحدة هيأ الفرنسيون خطة لا قامة حكم ذاتي فى فزان على غرار ما حدث فى برقة حيث اعلن محمد ادريس السنوسي قيام امارة فى برقة ولم يفلح الفرنسيون فى هذا الاقتراح  بناء على رأى مندوب الامم المتحدة ، واستبدلت الفكرة بقيام نظام ادارى تحت اشراف فرنسي الى ان يتم انضمام فزان الى بقية الاجزاء الليبية فى المستقبل ) 2 وبعد هذا الاخفاق الفرنسي فى الاحتفاظ بإقليم فزان تحت إداراتها وضمها  الى مستعمراتها الافريقية  جعل فرنسا تقوم بعدة محاولات للحيلولة دون فقدان نفوذها فى فزان فباشرت  المراوغة فى  اقامة حكم ذاتي لفزان نظير للحكم الذى قام فى اقليم برقة اقدمت على محاولة اخيرة ربما تحفظ لها ولو بجزء من النفوذ او الهيمنة الغير مباشرة فى المستقبل فقررت ان تقيم حكم محلى على راسه  مقيم واعضاء منتخبين ( وفى سنة 1950 قررت السلطات الفرنسية انشاء مجلس تمثيلي فزاني وتنصيب رايس لفزان ينتخبه المجلس وقد تم انتخاب مجلس مكون من 58 عضوا فى  12فبراير 1950 انتخب المجلس احمد سيف النصر رئيساً لفزان وفى اليوم التالي اختار الرئيس ثلاثة مستشارين رئيسيين من اعضاء المجلس )3على ان تستمر تحت نفوذ وسيادة الحاكم العسكري العام الفرنسي. واعقبت فرنسا هذا الاجراء اعلان وزارة خارجيتها الموافقة على استقلال ليبيا شريطة ان يكون دستورها اتحاديا وهذا الوضع ربما يبقى على بعض نفوذها فى منطقة فزان.

غير ان ليبيا مضت قدما فى السعي الى تحقيق هدف الجلاء ولم تنتظر ردود افعال فرنسا بل قام رئيس الوزراء بن حليم الذى كان اكثر حزما وعزما على جلاء فرنسا عن فزان بأرسال رسالة الى فرنسا بتاريخ 13 نوفمبر 1954 مشددا فيها على وجوب اعتبار الجلاء اساسا للمفاوضات وانذر فرنسا بأن ليبيا ليست على استعداد لتجديد الاتفاقية العسكرية المؤقتة بعد 31 ديسمبر 1954 ومع ان فرنسا لم ترغب فى الاخذ بوجهة النظر الليبية بسبب قصر المذكرة فقد ظل بن حليم ثابتاً لا يتزحزح عن موقفه.

فى ديسمبر 1954 قدم منديس فرانس اقتراح بشأن التفاوض مباشرة مع الحكومة الليبية فقبل بن حليم على شرط ان تبدا المفاوضات قبل 31 ديسمبر وهو التاريخ المحدد بنهاية الاتفاقية العسكرية المؤقتة وفى الفترة ما بين 3-6 يناير 1955 توصل رئيسا الوزراء الليبي والفرنسي الى الاتفاق على مبدا الجلاء الذى كان المطلب الأساسي من الجانب الليبي والمرفوض من المبداء من الجانب الفرنسي ليصبح هذا المبداء – الجلاء – هو الاساس للمفاوضات فى  مدينة طرابلس فى يوليو 1955 نتج  عن هذه المفاوضات اهم نقطة خلاف بين الطرفين وهو اصرار فرنسا على وجوب عودة قواتها الى فزان فى حالة اعتداء دولة اجنبية مما دفع بن حليم الى قبول مطلب فرنسا ولكن بدون التزام  قطعي بل عمل على تأجيل مضوع الاتفاق على قضية الدفاع الى وقت مناسب تجرى فيه مفاوضات بين ليبيا وفرنسا فى حالة حرب فى المنطقة وبذلك فوت الامر على الفرنسي ليحقق مبدا اهم وهو الجلاء اولا ثم لكل حادث حديث وبهذا فوت على فرنسا ما كانت تحلم به وتعمل جاهدة على تحقيقه وهو البقاء فى فزان او تكبيل الدولة الليبية بمعاهدة تلزمها بالموافقة على عودة القوات الفرنسية فى إي ظرف تراه فرنسا يحتاج الى تواجدها فى المنطقة وهذا ما حال دونه اصرار  المفاوض الليبي.

لتنتهي رحلة مفاوضات شاقة ومضنية بين طرفين غير متكافئين فى القوة والعتاد المادي قوة محتل يمتلك المقومات المادية والعسكرية يقابله مفاوض لا يراهن على هذه المقومات بقدر ما يعتمد على حق طبيعي فى الاستقلال وتقرير المصير وايمان صادق ان هذه الارض  ملك الليبيين ومن حقهم وحدهم ان يحكموها ويمارسون سيادتهم الوطنية كاملة غير منقوصة ودون وصاية او حماية من إي قوة اخرى وهذا ما تحقق وتتوج فى 26 ديسمبر1956 بالتوقيع الرسمي على اتفاقية  الحدود بين البلدين وتم تبادل وثائق الاتفاقية بين الطرفين.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

فرج كُندي

كاتب وباحث ليبي، مدير مركز الكندي للدراسات والبحوث

التعليقات: 1

  • د. أمين المرغني

    استعراض جيد وهام ومفيد في الظروف الحالية حيث ليبيا أضعف من أي وقت مضى تجاه الاطماع الخارجية . فرنسا على كل حال أسقطت من الرسائل المتبادلة بين السفير الفرنسي ورئيس الوزراء الليبي مصطفى بن حليم اتفاقية موسيليني – لافال الموقعة سنة 1935 بشأن حدود ليبيا الجنوبية والتي كان قد صدق عليها البرلمان الايطالي والجمعية الوطنية الفرنسية بحجة أن الاتفاقية لم تكن مودعة لدى الامم المتحدة بسبب الصدام بين ابطاليا وفرنسا حول مطالب ايطاليا في نيس قبيل نشوب الحرب العالمية الثانية ، فنشأت مشكلة شريط أوزو والمشاكل بشأن هوية التبو والقبائل الليبية على جانبي الحدود مع اتشاد.

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً