بناء “الجدران” لتجزئة وطن موحد لا يتطلب إلا بعض من الرجال الجائعين واللاهثين خلف السلطة بأي ثمن وهم كُثر…!
دولة برقة … ستصبح أمر واقع. وربما سيحتاج بعض الليبيين بعضاً من الوقت لتقبل الخارطة الجديدة. وسيذعنون طوعاً أو كرهاً … كما تقبل اخوتهم في السودان انفصال شطرهم الجنوبي. وكما تعايش الفلسطينيون مع الجارة الجديدة، وكما تعايشوا مع حالة الانقسام وكما تعايشنا منذ البدء مع كل دولة عربية جديدة تولد من رحم أخرى، منذ أن سقطت امبراطورية الرجل المريض.
أليس الحديث اليوم عن “الوحدة والقومية العربية” مدعاة للسخرية والتندر … بل والقيء ربما؟ – حسب رأي منظري هذا الربيع الشرق أوسطي- سيكون كذلك الحديث عن وحدة الأراضي الليبية أو السودانية أو الفلسطينية أو السورية في المستقبل القريب.
(مستحيل) !: صرخ أحد الأصدقاء من السودان عندما سألته عن رأيه في تقسيم السودان قبل أن ينفصل عنها جنوبها. (ستغرق السودان في الدم) واصل استنكاره..!! ولكن … بعد حين لم يكن أمام السودان إلا تقبل الوضع والخارطة الجديدة لوطنهم.
اننا منذ عقود طويلة نستمع للساسة وخطباء المساجد والشعراء يلعنون “الحدود الوهمية” التي وضعها الاستعمار بين الدول العربية فلا ضير من مواصلة مزيد من الخطب والأحلام بوحدة الصف ورأب الصدع وهدم الجدران… ولن تتعدى الحلم.
لا الشعوب ولا ثوراتها المزعومة عبر التاريخ من تستطيع تغيير خارطة البلدان، بل وحدها “الضوضاء الإعلامية” من تستطيع تحويل قارة إلى دولة واحدة وتستطيع تحويل بلد صغير إلى أشلاء دويلات متناثرة.
إلا أن “جدران” تنخرها لعنة النفط ودماء الأبرياء لن تصمد طويلاً … وربما ستعوّل على “تجريدة” أخرى ومزيد من الدم والتناحر والتهجير بين ذوي القربى…!
■ ■ ■
من كان يتخيل أن تتبادل المدن الليبية الأسرى فيما بينها … !!؟ انه يحدث اليوم !
انتهت الثورة … وحان موسم الهجرة الى الشمال… فقد انتقمنا من الديكتاتور بإحراقه هو والوطن الذي جمعنا به. الآن نتدافع أمام السفارات بحثاً عن وطن يأوينا. ينقذنا من بطش وشراسة أهلنا وذوينا.
فمنذ أن تحولت طقوس قتل أهلنا وأشقائنا إلى مهرجان فرح تنطلق فيه الزغاريد والألعاب النارية. كنا قد انتزعنا من أحشائنا كل ما يمت إلى الآدمية بصلة… وامعاناً في الخطيئة قمنا بتتويج كل من قتل أخاه وأهله ملوكا وأمراء… وننتظر وطناً تسوده المحبة والعدل والرفاه!
وإذ بالوطن تتناثر أشلاءه فاليوم تخرج من احشاء ليبيا دولة برقة، وغداً فزان وأزواد ومصراته والزنتان و…. الخ. ان شعباً جعل من أيام قتل بعضه بعضاً أياماً للنصر ومهرجانات للفرح لن يجمعه أبداً وطن واحد ولن يقف يوما تحت راية واحدة.
ان الأوطان لا توحدها الشعارات ولا الأعلام والأناشيد… بل الاجتماع على كلمة سواء، وحقن الدماء ورد المظالم … والاعتراف بأن اليوم الذي رفعنا فيه السلاح لنقتل بعضنا بعضا لم يكن أبداً يوم عيد أو مدعاة للتفاخر والزهو والفرح …!
لم يسقط جدار برلين بالتمني بل برغبة صادقة في بناء وطن واحد قوي يستفيد من كل أبنائه دون تمييز في اللون أو العرق أو الدين… ولم تتناثر أشلاء امبراطورية العرب والمسلمين إلا بسبب أحقادهم وصراعاتهم وتقاتل الاخوة وأبناء الوطن والدين الواحد فيما بينهم… ونحن من يقرر لا الاستعمار ولا أعتى القوى العالمية.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً