غراس أديب ألماني بارز (84 عاما) أثار جدلا واسعا في الأيام الماضية بعد أن نشرت له إحدى الصحف الألمانية قصيدة نثرية بعنوان “ما يجب أن يقال” جاء فيها.
“إن اعتزام إسرائيل شن هجوم على إيران إنما هو تهديد للسلام الدولي لأن المنطقة بكاملها ستتعرض للدمار، وإذا كان المجتمع الدولي يجب أن يمنع إيران من إنتاج القنبلة النووية، فإن هناك بالمنطقة دولة لديها المئات من القنابل دون أن تخضع للمراجعة. لقد آن أن أتكلم، وما كان يجب أن أتأخر إلى نهاية العمر لأقول ما ينبغي أن يقال. لقد سئمت نفاق الغرب بسبب دعمه لإسرائيل وأنا أشجب بشدة بيع بلادي غواصات لإسرائيل يمكن أن تزود بأسلحة نووية”، وعندئذ أسرعت وسائل الإعلام في إسرائيل إلى التنديد بغراس واتهامه كالعادة بمعاداة السامية، ولذلك فهو شخص غير مرغوب فيه، في حين خرجت سبعون مسيرة في عيد الفصح في مدن عديدة بألمانيا مثل شتوتجارت وليبزج وميونيخ وبرلين تؤيد الكاتب وتعلن رفضها للتهديدات الإسرائيلية.
وعندما هاجمته بعض الشخصيات الألمانية لم يتراجع وإنما قال دون أن يغير حرفا واحدا من قصيدته أو معانيها: عندما أقول إسرائيل فلا أعني الشعب وإنما أعني الحكومة، وتابع: إن أهوال النازية ليست ذريعة للصمت إزاء التجاوزات.
غونتر غراس كاتب روائي وشاعر شهير حاز نوبل عام 1999 وكتب العديد من الروايات المهمة مثل: “الطبل والصفيح” و”القط والفأر” و”سنوات الكلاب” و”مئويتي” و”مشية السرطان” و”الرقصات الأخيرة”، وعدد من المسرحيات من أهمها: “الطهاة الأشرار”.
ويشار إلى أن أول رواياته “الطبلة والصفيح” التي صدرت عام 1959 ولفتت الأنظار إليه كانت تحكي عن طفل لا يكبر ويحتفظ ببراءته ويتابع كل ما يجري في القرية، ويمكن قراءة بعض مواقفه على إنها إشارات ذات دلالة، وكان يحمل طبلة يطرق عليها كلما لاحظ ما لا يرضيه، ومن أهم المشاهد في الرواية جلوس “أوسكار” الطفل صاحب الطبلة خلف جدار ورؤيته من خلال أحد الشقوق عددا من الجنود يضربون البسطاء ويقتلون بعضهم بشراسة غير محتملة فيظل “أوسكار” يدق على الطبلة، وكأنه ينبه الناس إلى الخطر الشديد الذي يحيق بالأبرياء.
وها هو غونتر غراس قبل فوات الأوان يدق طبلته محذرا من كل ما يهدد البشرية. يحذر من “مشية السرطان” ومن “الطهاة الأشرار”.
لا بد أن نستشعر قيمة ما قاله غراس ونحس معه بأن العالم أجمع سئم نفاق الغرب المشين، ولا بد أن نقف وقفة جادة ضد بؤر الشر في العالم الذين تسول لهم القوة العسكرية امتصاص الدماء ونهب الحقوق وابتكار صور دنيئة وشائهة من صور الاستعمار والاستيطان.
ليس علينا أن نتابع ما تناقلته وكالات الأنباء بوصفه مجرد تصريح لكاتب أعقبه جدل عابر وانتهى الأمر، إنه في الحقيقة رسالة بل جرس إنذار من غراس ليس فقط إلى السياسيين الذين يدللون الكيان الصهيوني بل يتنافسون في خطب وده، ولكنه جرس يجب أن نضيف من جانبنا إليه أغراسا أخرى داعين إلى أن تفيق النخبة من الرؤساء والكتاب والإعلاميين والقادة العسكريين والسياسيين ورجال الأعمال من النظر بعقول لا تفكر إلا في امتلاك كل أسباب القوة من سلاح ومال وشهرة وملذات دون الالتفات إلى معاناة أغلب شعوب العالم التي تعاني من الفقر والقمع والجوع والحرمان والاستبداد والجهل وافتقاد أدنى حقوق الإنسان وخاصة الشعب الفلسطيني الذي اجتمع الاستعمار الغربي بكل أطيافه على ابتلائه بالاحتلال الصهيوني البغيض على مدى قرن كامل ومواصلة دعمه ومساندته بكل الوسائل، بل والتجاوز عن كل موبقاته حتى في حق الشعوب الغربية ذاتها.
يجب أن تكون هناك أصوات رشيدة ومخلصة للإنسانية خاصة من الأدباء والفنانين تطلق أقلامها وحناجرها منددة بكل ما يعوق مسيرة البشر ويسحق أمانيهم في حياة عادلة وآمنة.
إن الجرس ينبغي أن يصل إلى كتابنا لتعلو أصواتهم بقوة ضد كل ما يرتكب في العالم العربي والعالم أجمع ضد البسطاء والأبرياء والمطحونين.
اترك تعليقاً