وبوجه آخر أقول بأن تلك المنظومة. قد تعمل ومن الطبيعي على تغدية مفاصلها الحيوية ومحاور ارتكازها بعناصر اخرى. قبل الاسّتغناء عن القديم التالف. بغرض المحافظة على جهوزيتها، وللزيادة في معدلات ادائها. خاصتا في الاوقات التي تراها مِفّصلية. فقد شاهدناها قبل سنين قليلة من انتفاضة شتاء 2011 م. وهي تقوم بتطْعِيم وحقن ذاتي لألتها البغيضة بعناصر جديدة، اختارتها من اتباعها المنخرطين في صفوف القاعدة. بعدما رحلتهم الى البلاد من جٍهات عدّة. افغانستان. باكستان. جنوب شرق اسيا. وعملت على اعادة تأهيلهم بما يتناسب مع المهمة. ثم ذهبت الى تسوّقهم داخل البلاد عبر شاشة التلفاز، كأناس ليبيين يرتدون زيّهم التقليدي، بعدما خلعوا ثوبهم الأفغاني المثقل بقدر كبير من المضامين، التي لا تتوافق مع الواقع الليبي. واردفتهم بآخرين من التكنقراط كما اسمتهم. استدعتهم من دول الخليج وغرب اروبا وشرق اسيا. اما الباقون فكانوا من اتباعها التقلديّن. بعدما روّجت لهم من خلال (بروبقاندت) تحّريرهم من اقبية وزنازين سجن (بوسليم) الرهيبة. لتُظهرهم كاستثنائيين يسعوّن الى تحرير البلاد، بل والاخر. حتى ولو كلفهم ذلك الكثير، الذي لا مجال لتعّويضه في هذه الحياة الدنيا.
كل هذا كان يحدث. مند ان استشّعرت تلك المنظومة، بذلك الغضب العارم الذي يموج يعّتمل بصدور الليبيين. وقدّرة بأن لحظة انفجاره ليست ببعيدة. فذهبت الى كل الخطوات التي عددناها سلفا. بهدف ركوب طلائعه الاولى، وتطّويعه في اتجاه يخدم استمراريتها وديمومتها على الجغرافيا الليبية. وقد نجحت تلك المنظومة في ذلك على نحو مُلّفة. فتصدرت المشهد مع لحظاته الاولى. وتمكنت في التحكم والسيطرة على مسار غضب الناس. الذي جاء رافضا، لمن بيدهم دواليب ادارة البلاد، ولأسلوبهم العابث بها وبهم وبمواردها على مدار العقود المنصرمة. وكانوا يسعون بحراكهم الغاضب نحو استبدالها بآلية اخرى. تمكّنهم من التأسيس لدولة المواطنة. التى وبها يكون كل الليبيين شركاء في الوطن متساوون امام القانون والفرص والحقوق والواجبات.
ونستطيع حصر وتحّديد سلاح تلك المنظومة الذي اعتمدته للنبّل من انتفاضة شتاء 2011م. في سعيها للعبث بالمفاهيم التي جاءت مع انتفاضة 2011 م، وما قد تتمخض عنه تلك المفاهيم من مؤسسات، قد تمثل الارضية الصلبة، التي قد ينهض عليها المأمول من ذلك الحراك الغاضب.
فاستدراج تلك المفاهيم – دستور. انتخابات. حرية تعبير. صندوق اقتراع. منظمات مجتمع مدني. تداول سلمى على السلطة. – وإدخالها بفعل وتفاعلات الانتفاضة الى مفردات ومكونات المنظومة الثقافية المتداولة للليبيين، والتي وبفعل الزمن ومراكمته، سوف تتجدّر داخل عقول الناس ووعيهم. وتصير مفتاح من مفاتيح حراكهم اليومي. لا شك بان كل هذا سينتهي وبالضرورة بما لا تريده تلك المنظومة، في لملمت اشيائها ومغادرة جغرافية ليبيا. التي وطأتها بقدميّها مند زمن ما قبل ما عُرف في التاريخ الليبي (بمشروع بيفن- سيفورزا).
والشواهد على مفاعيل سلاحها العابث كثيرة وظاهرة، لكل من القى السمع وهو شهيد حتى اللحظة. فمجلس النواب مثلا. والذي جاء تجّسيد على ارض الواقع، كمفردة من مفردات مفهوم (انتخابات). فقد تمكنت تلك المنظومة من الولوج الى قاعته. ووضعت يدها على جُل مقاعده. وبذلك صارت تتلاعب به. ووظفنه ليس فقط للطعن والتشّكيك في الالية الديمقراطية، التي تحتاج وتسعى كل ادارة رشيدة لتوّطينها واعتمادها كأداة للنهوض بوطنها ومواطنيها. بل ذهبت تلك المنظومة الى ابعد من هذا. عندما جعلت من قاعته رُكح لتقول ولتُظهر ولتُسوق من عليه كل ما تريده وترسمه عن الشخصية الليبية. وصارت تغّزل على ذات المنوال، في كل ما يتعلق بباقي المفاهيم والمفردات التي جاءت مع انتفاضة 2011 م.
لكن دعوني اقول بان الخروج من هذا المأزق. لا يتم في تقديري. الا بوضع إطار واقعي وموضوعي يضبط تناول الشأن الليبي. يسّتمد مادته من ثوابت ليبيا. الجغرافية. الديمغرافية. الثقافية. مسنودة بالبواعث التي دفعت ليبيا للانتفاض مع شتاء 2011 م. مع عدم التغافل عن مساعي الهيئة الاممية نحو زيادة منسوب السلم والحكم الرشيد على أكبر قدر من رقعة جغرافية هذا العالم البائس. ومن ثم تٌرص الجهود برفقة الهيئة الاممية في ممثلها بليبيا، نحو تفكيك كل مفردات تأزمنا، داخل هذا الإطار الواقعي والموضوعي. الذي تتحد به الثوابت الموضوعية التي لا يجب تجاهلها او تخطيها او التغافل عنها، عند كل التفاعلات التي تسعى لتفكيك عُقد هذا التأزم. فمثلا الواقع الجغرافي الليبي. يقول ويضع ليبيا من ضمن المفردات الجغرافية لغرب المتوسط. وإذا اضفنا للجغرافي الثابتين الديمغرافي والثقافي نتبين بانهما قد طوّقا وضمّا ليبيا الى داخل الحضن المغاربي المتوسطي. وبقول اخر لا يجب ان نتجاهل هذا الواقع الموضوعي، الذي يقول بان ليبيا دولة مغاربية متوسطية. وان البحث عن تأسيس لأمن واستقرار دائمين لليبيا. يقول وبحكم هذا الواقع، بالمرور اليه عبر العمل على مد جسور من التواصل الإيجابي البناء، مع هذا الفضاء المغاربي المتوسطي قبل غيره. مما ينتج عن هذا التواصل مصالح متبادلة. تستدعى هذه وبالضرورة، سعى جاد داخل هذا الفضاء لملاحقة الامن والاستقرار لتوّطينه داخل جغرافية غرب المتوسط، بغرض المحافظة والديمومة على هذا التواصل المنتج البناء. وايضا عندما نعرف، بان من بواعث انتفاض الليبيون مع شتاء 2011 م رفضهم التعامل معهم كقطيع ورعايا مكممي الافواه داخل بلادهم، من قبل من بيدهم ادارة دواليب البلاد، واستنزاف مواردها في غير صالحها. سيكون هذا الباعث حاضر وبقوة، عند المقاربات الجادة للمأزق الليبي.
وبهذا التناول يكّتسب التعاطي مع تأزماتنا صِيّغة وطنية، تُبّعدنا عن غير كل ذلك. وتترتب بهذا اولوياتنا ونصير بهذا، نتعاطى مع المفردات التي تؤسس لما انتفض الليبيون من اجله مع نهاية شتاء 2011 م. وفى تقديري. ان كل جهد لا يحاكى او يجارى في خطوطه الغريضة هذا الطرح. هو جهد يُدعم استمرارية بقاء وعبث نلك المنظومة بالجغرافيا الليبية ومحتوياتها.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً