إعداد: يونس العطوشي
اشتهرت مدينة زوارة في القرن الثاني قبل الميلاد في عهد ماسينيسا وكان اسمها في ذلك العهد “كاساس” بتصدير الملح “تيسنت” كما يسميه سكان المدينة بلغتهم الأمازيغية، وكان جل الاقتصاد مبني على الملح واستخراج حجر الجير من الأسباخ المجاورة في ذلك الوقت، ما ساعد سكان المدينة على ممارسة هذه التجارة هو موقعها الجغرافي حيث يحيط بها العديد من الملاحات الكبيرة، فقام سكان المدينة باستغلال هذه الملاحات وبناء سدود لحصر مياه الأمطار وانتظارها حتى تجف وتتحول إلى ملح طبيعي جاهز للاستعمال
“الصادق امحمد معمر تاجر في سوق الملح”
من سكان مدينة زوارة مواليد 1970 يعمل مدرس في قطاع التعليم وانخرط في مجال التجارة من سنة 1996 الى الوقت الحالي “كنت في بداية العمل تاجرآ للفواكه في هذا السوق الذي كان معظمه يبيع العنب والتين واللوز وغيرها من الثمار التي تزرع في مزارع المدينة كل في موسمه ” ولكن بعد فترة قصيرة تغير نشاط الصادق التجاري وبدأ يعمل على تجارة الملح كما غير أغلب التجار نشاطهم إلى هذا المجال حتى سمي المكان “بسوق الملح”.
سوق الملح “السوق ن تيسنت”
هو عبارة عن مجموعة من الحانات أغلبيتها من الصفيح والخشب المتهالك وبقايا الأثاث القديم يتجمع فيه مجموعة من تجار المدينة لبيع الملح وزيته بالإضافة لبعض أنواع الثمار أحيانا، يقع السوق مقابل الملاحة التي يتجمع فيها الملح على الطريق الساحلي عند المدخل الشرقي للمدينة.
في نهاية التسعينات حسب قول “معمر” بدأت المضايقات من قبل الحرس البلدي لغرض إلغاء هذه المهنة ونفي هذا السوق، بداية بنقله عدة مرات لأماكن بعيدة عن المكان المعروف، ونتيجة لذلك تقلص الإقبال من الوافدين للسوق واستمر على هذا الحال ثم تحسن الوضع قليلاً بعد فترة حين تم العودة إلى المكان المتعارف عليه مجدداً.
“يجب الاهتمام من قبل مسئولين المدينة بهذا السوق وتجهيزه وإعداده في نفس المكان ولكن بمظهر حضاري ومنظم، باعتباره ثروة اقتصادية لبلدية زوارة” هذا ما أوصى به معمر السلطات المحلية.
كيف يجمع الملح؟
بعد موسم هطول الأمطار تتشبع الملاحة بالمياه بشكل كافٍ حتى نهاية فصل الربيع حيث يبدأ تكوين الملح وتسمى تلك الفترة “بفترة التكوين”.
وبعدها يتوجه بعض من أهالي المدينة وتجار الملح برفقة عمال لجمع الملح حيث يتم تقشير الملح من الأرضية باستخدام أدوات حادة مقتصرين على الطبقة السطحية حتى لا يختلط الملح بالتراب ويتلف أو يستعمل كملح ملوث، ثم يجمع الملح في أكوام ويوضع عليها علامة لمعرفة صاحبها، بعد ذلك يتم تكييس الملح في أكياس إلى أحجام ثم يجري نقلها إلى السوق حيث قال الصادق “أنا لا أحصد الملح بنفسي، هناك من يقوم بهده الخدمة ونحن التجار نشتري هذه البضاعة الجاهزة لبيعها في السوق، هكذا تتم عملية المتاجرة في الملح” أثناء حديثنا مع الصادق وصل إلينا رجل جاء ليشتري وبادر بسؤال عن أسعار الملح، أجابه معمر “الكيس الكبيرة بخمسة دنانير والصغيرة بثلاثة”.
يونس عون أحد سكان مدينة طرابلس هو أحد زبائن السوق المعروفين وهو يتردد على السوق باستمرار منذ فترة طويلة قال أنه يشتري الملح لاستعماله كملح طعام وأحياناً يستعمل في زيت الملح لمرض المفاصل الذي يعاني منه “عون” من فترة طويلة.
زيت الملح ” أودي ن تيسنت”
يأتي موسم تجميع الزيت في فترة يسميها أهل مدينة زوارة “أوسو” غالباً يكون في العشرة الأيام الأولى من شهر أغسطس، حيث يذوب الملح ويرتفع الزيت إلى الأعلى على السطح، بعدها يتم تجميع الزيت وتعبئته في قوارير بلاستيكية، عادة يكون سميكا للغاية وليس له رائحة ودرجة الملوحة فيه عالية جداً، ويستعمل لعلاج أمراض المفاصل والبرد والجروح البسيطة وتشققات الارجل حيث قال الصادق “زيت الملح ميزته ينفع ما يضر”.
في رأي علماء الطب ان الملح مادة غذائية ودوائية لا يمكن الاستغناء عنه، ولكن يجب الا نسيء استعماله، وذلك بالإفراط في تناوله وبدون رأي طبي، حيث ان حواس الجسم تتأثر بالملح سريعاً فيسبب لها الهيجان والحركة الزائدة، كما يسبب التهاب الأغشية المخاطية للمعدة والأمعاء والأوردة والشرايين وغيرها، كما يتعب الكبد والكليتين والمجاري البولية، ويؤثر في البدينين أكثر من تأثيره في النحفاء. حيث تكثر الرواسب في الدم والبول، وتورم أجفان من يفرطون في تناوله ويجفف جلدهم. والملح كالسكر تماماً يفيدان ولكن الافراط في تناولهما يضر أشد الضرر فعلى الإنسان ان يكون حكيماً وحذراً في استعمالهما.
يقول الصادق ان هناك العديد من الزبائن من مناطق مختلفة من ليبيا حيث كان بعضهم من التجار الكبار في البلد لاستعمالهم الملح في العديد من المجالات، على سبيل المثال شركة الكهرباء كانت تأخذ كميات كبيرة من الملح حيث تستعمل للخطوط الارضية لتخفيف الصدمة الكهربائية، ويستعمل الملح الملوث “بقايا الملح” لاماكن التجمع الصرف الصحي حتى تُكون طبقة سطحية من الرواسب بحيث يطول عمر الغرفة، ويستعمل ايضاً في اعلاف الحيوانات كعلاج للمعدة ويستعمل ك ملح للطعام، وعلاج للبرد بحيث يسخن الملح ويوضع على مكان الألم، ويستخدم الملح ايضاً في الاماكن المعرضة لتساقط الثلوج عند وضع الملح يذوب الثلج بشكل سريع وغيرها الكثير.
اترك تعليقاً