تداعيات الصراع الإقليمي على الأزمة الليبية

تداعيات الصراع الإقليمي على الأزمة الليبية

فرج كُندي

كاتب وباحث ليبي، مدير مركز الكندي للدراسات والبحوث

خرجت الأزمة الليبية عن نطاقها المحلي إلى النطاق الإقليمي والدولي بعد وقت قصير من انطلاق ثورة السابع عشر من فبراير 2011.

بدعوة من جامعة الدول العربية للمجتمع الدولي للتدخل لإنقاذ الشعب الليبي عقب خطاب القذافي الذي وصفته المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل”  بأنه ’رهيب’ هدد فيه القذافي الشباب الذي خرج يرفع شعارات الحرية بأنه سوق يقضي عليهم، ودعا قواته العسكرية ومؤسساته الأمنية إلى البطش بالمتظاهرين دون هوادة وبلا رحمة، وملاحقتهم في بيوتهم (بيت بيت، دار دار، زنقه زنقة)، واشتهر  هذا الخطاب بهذه الكلمات التي أصبحت الأكثر تداولا في وسائل الإعلام التي تتناول الشأن الليبي ذلك الوقت.

انطلقت قوات حلف شمال الأطلسي (النيتو) يوم 19 مارس لصد قوات القذافي التي انطلقت اتجاه مدينة بنغازي شرارة الثورة وعاصمتها التي هدد القذافي بتسويتها بالأرض والقضاء على كل من فيها.

وعلى مشارف مدينة الثورة من جهة البوابة الغربية وجدت قوات القذافي المدججة بكافة أنواع الأسلحة والعتاد مقاومة شرسة من أبناء المدينة وباقي مدن الشرق الليبي.

كان لروح الفداء والتضحية قصص سجلها التاريخ لا يمكن محوها عبر العصور.

وبتدخل قوات “النيتو” دخلت المسألة الليبية من مشكلة محلية بين سلطة غاشمة وشعب قرر أن يتنسم رياح الحرية إلى مشكلة دولية كان لمنظمة الأمم المتحدة الدور الأبرز في إعطاء الشرعية للقوى العظمى وخاصة حلف “النيتو” وبمشاركة عربية رمزية في صد هجوم القذافي بل تطور هذا التدخل الذي نجح في مساعدة ثوار فبراير في القضاء على نظام العقيد القذافي، ومقتله في  مدينة سرت مسقط رأسه في أغسطس 2011.

حققت ليبيا عقب سقوط نظام العقيد القذافي هدوء نسبي رغم الحرب التي استمرت أكثر من ثمان شهور؛ انتهت بدخول قوات الثوار العاصمة طرابلس في 20 أغسطس 2011م.

إلا أن هذه الحرب سجلت انهيار شبه كامل في مؤسسات الدولة التي كانت مبنية على قاعدة الارتباط ببقاء النظام واستمراره.

كانت أحلام الثوار كبيرة ودعوتهم إلى بناء نظام سياسي جديد يقوم على الحرية ومبدأ التداول السلمي على السلطة والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، ما دفعهم إلى السير حثيثا لتحقيق هذا الحلم الذي ضحى من آجله خيرة شباب ليبيا.

نجحت حكومات الثورة في تحقيق عدة استحقاقات انتخابية من مؤتمر وطني الذي استلم السلطة من المجلس الانتقالي، وقام بإعطاء الثقة للحكومة التي تعبر عن نتائج الانتخابات الحرة، وشعر الليبيون بأن ثورتهم تسير في الاتجاه الصحيح نحو الهدف المنشود.

وهو مأ أغاض قوى الثورة المضادة في الدول العربية التي قاومت حراك الثورات العربية وخشيت من ظهور نموذج ناجح لثورة الربيع العربي، فسارعت إلى عقد تحالف قوي يعمل على وأد الثورة في دول الربيع.

وكان لليبيا نصيب من حقد هذا التحالف الذي سخر كل إمكانياته لإجهاض الثورة الليبية فدخلت من خلال ضخ المال الفاسد للوقيعة بين المكونات السياسية الليبية التي ظهرت بعد نجاح ثورة فبراير.

كما عمدت على ضرب النسيج الاجتماعي من خلال بث الفت والصراع القبلي والجهوي وإحياء النعرات اللغوية والعرقية بين المكونات القبلية والاجتماعية، كما دعمت ومولت التوجهات والدعوات الانفصالية لتفتيت ليبيا للسيطرة عليها واستغلال مقدراتها.

وزاد الأمر سواءً وتعقيداً تدخل القوى الإقليمي الدولية التي لها مصالح في ليبيا، وأرادت أن تصنع لها مراكز قوى تحافظ لها على مصالحها وتحفظ لها أيضاً مكاسب أخرى في المستقبل.

كل هذه العوامل مجتمعة أربكت المشهد السياسي الليبي وزادته تعقيدا وساهمت في إطالته دون حدوث أي انفراجه تذكر، بل فتحت أبواب الحرب بين الليبيين فيما بينهم من خلال دعم عسكري ودعم سياسي لبعض الأطراف على حساب الأطراف الأخرى مما أزم الموقف وجعله أكثر قتامة وسوداوية، بفتح باب الحرب الطاحنة التي استنزفت مقدرات البلاد وعطلت كل المصالح ودمرت كل البنى التحتية.

كما أرهقت المواطنين المدنيين وأفرزت مئات الآلاف من النازحين والمشردين من المدنيين والآلاف من القتلى والآلاف من مبتوري الأطراف.

لقد أجمع العقلاء من ساسة العالم على أن التدخل الخارجي سواء الإقليمي أو الدولي، وخرق قرار منع وصول الأسلحة إلى ليبيا كان أهم سبب من أسباب نكبة ليبيا المتعددة، ولن يكون هناك حل للأزمة الليبية إلا بعد رفع أيدي هذه الدول عن ليبيا والالتزام بقرارات الأمم المتحدة، التي كان آخرها قرار وقف النار الذي صدر في هذا الشهر فبراير 2020 ميلادي، وإن كان كثير من الساسة الليبيين لا يعولون على هذا القرار بقدر ما يؤكدون على دعوة الأطراف المتدخلة في الشأن الليبي بالنأي عنهم؛ حتى يتمكن الليبيين من حل مشاكلهم فيما بينهم بطريقتهم التي توصلهم إلى حلول تُرضي جميع الأطراف وتساهم في بناء دولة الحرية والمساواة التي ينشدها كل ليبي يؤمن بالحرية والديمقراطية كغيره من شعوب العالم الحر.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

فرج كُندي

كاتب وباحث ليبي، مدير مركز الكندي للدراسات والبحوث

اترك تعليقاً