لقد مثل الجدل الذي ثار حول مسألة الفدرالية، والأساليب التي اتبعتها بعض الجهات الرسمية وغير الرسمية في مواجهتها والرد عليها، مؤشراً بالغ الأهمية على المنزلق الذي يمكن أن تنزلق إليه مسيرة التأسيس الديمقراطي في بلادنا الجديدة. فإذا كانت الديمقراطية تعني إدارة الاختلاف في الرأي بين الأطراف الشريكة في الوطن، وكفالة حق كل طرف في أن يكون له رأيه الخاص به في مختلف المسائل والقضايا المطروحة على النظر وعلى القرار، ومن ثم يكون له حرية التعبير عن ذلك الرأي بكل الوسائل السلمية المشروعة، دون أن يتعرض أو يخشى التعرض لأي صورة من صور الإرهاب المادي أو المعنوي، فإننا نجد لزاماً علينا أن نعبر عن موقفنا، في تجمع ليبيا الديمقراطية، من هذا الجدل الذي ثار حول الفدرالية، وأن نؤكد رفضنا التام لكل الاتهامات التي وجهت إلى إخواننا المواطنين الذين يؤمنون بهذا الرأي، ولا سيما تلك الاتهامات التي تطلق جزافاً دون أدلة وبراهين، ونرفض قبل كل ذلك التوجه لتخوينهم أو تجريمهم، فهم يظلون إخواناً لنا، وشركاء في المصلحة والمصير، مهما اختلفنا معهم في الرأي، ونحتفظ لأنفسنا بحق الاعتراض عليهم، لما تجاوزوا حدود الرأي والتعبير، إلى اتخاذ قرارات معينة، والزعم بأنها تمثل إرادة فئة من الشعب، دون المرور باستفتاء الشعب والتحقق من إرادته وقراره.
وإننا نرى أن من أخطر ما تم في هذا الخصوص هو إقحام بعض الجهات الرسمية نفسها في خضم هذا الجدل الفكري والسياسي، وهي جهات يفترض أنها تمثل الشعب كله، بجميع أطيافه وشرائحه واجتهادات الرأي الشائعة بين أفراده، وينبغي أن تظل على مسافة واحدة من جميع الأطراف.
وعلى هذا الصعيد يهمنا على وجه الخصوص أن نؤكد المعاني التالية:
1- عدم تأييدنا تدخل المجلس الوطني، وعلى رأسه المستشار مصطفى عبد الجليل، وكذلك الحكومة الانتقالية، عبر رئيسها وبعض الوزراء فيها، في المسائل الاجتهادية المطروحة على الجدل والحوار، مثل مسألة اختيار النظام الفدرالي للدولة الليبية، وترك الحسم في هذه المسائل لإرادة الشعب، التي سوف تفرزها صناديق الاقتراع. وعلى الرغم من أننا نؤيد المجلس الوطني في موقفه الحازم الرافض لما سمي مجلس برقة، وادعاء من أعلنوه أنه يعبر عن إرادة سكان برقة، فإننا كنا نفضل لو أن موقف المجلس انحصر في هذه النقطة فقط، ولم يتجاوزها لإطلاق التعميمات والاتهامات لأصحاب اجتهاد الفدرالية.
2- تأكيد أهمية قيام أجهزة الأمن بدورها الوطني في تأمين حرية التعبير عن الرأي، من خلال حماية المسيرات والتظاهرات السلمية، ومنع أي تعرض لها بأي شكل من أشكال العنف أو الإرهاب. وفي هذا السياق ندين ما تعرض له المتظاهرون المؤيدون لخيار الفدرالية من تهجم عليهم، ونطالب الجميع باحترام حرية الرأي، والإصرار على انتهاج أسلوب التعبير السلمي عن الرأي، من قبل الجميع.
3- عدم تأييدنا تدخل الهيئة الدينية، ممثلة في فضيلة المفتي الشيخ الصادق الغرياني، في مثل هذه المسائل، التي تدخل في نطاق الاختلافات في الرأي والاجتهاد السياسي، ولا دخل للدين والشريعة فيها. وأملنا أن يبقى فضيلة المفتي على مسافة واحدة من الفرقاء السياسيين، مهما مال برأيه الشخصي إلى فريق دون آخر، فهو بصفته مفتياً للديار الليبية، يمثل الدولة كلها والمجتمع كله، وسوف يكون له دوره الذي ينبغي أن يقوم به عند تكوين المؤسسة التشريعية المنتخبة، في إبداء الرأي في التشريعات والقوانين التي تصدرها تلك المؤسسة.
4- دعوتنا وزير التعليم لتحمل مسؤوليته في هذا الصدد بإصدار تعليماته وتوجيهاته إلى المسؤولين في المؤسسات التعليمية: الإدارة والمعلمين والمعلمات، للامتناع عن التدخل في المسائل السياسية بالانحياز لموقف أو رأي معين، وعدم توجيه التلاميذ والتلميذات لتكوين آرائهم وتوجهاتهم لصالح رأي أو توجه معين.
5- أهمية تكثيف الجهود الرسمية والأهلية، من خلال أجهزة الدولة ومختلف قوى المجتمع المدني: منظمات أهلية، وأحزاب سياسية، ووسائل إعلام مستقلة، لتوعية المواطن الليبي بقيمة حرية الرأي والتعبير في التأسيس الديمقراطي للدولة الليبية الوليدة، وأهمية أن يتعلم المواطنون احترام الرأي الآخر، والتعامل معه بروح ديمقراطية متحضرة، تنبذ أساليب الإرهاب والعنف، سواء أكان مادياً أو معنوياً.
هاتف : 0954010095 www.taled.org e-mail: info@taled.org
اترك تعليقاً