ما يميز الإنسان عن غيره من المخلوقات هو العقل وهو السبيل إلى اختيار الرُشد، أي طريق الصواب الموافق للحقيقة، والذي يتعامل مع الواقع بعقلانية، وهو تعبير عن استقرار الحياة، ولذلك فالإنسان الذي تكون آرائه صائبة يُسمى بالإنسان الرشيد، بالمقابل الإنسان الذي غلبت عليه أهوائه وآرائه متخبطة يُسمى بالإنسان الضال أو السفيه.
لأهمية صواب الرأي والابتعاد عن ما يُقابله وهو الغي والضلال، عرضت الكثير من الآيات المباركة مفهوم الرُشد، كقوله تعالى في قصة موسى مع الرجل الصالح:﴿ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾، وقوله تعالى في قصة الجن:﴿ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ﴾، وقوله ﴿وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾، والقرآن الكريم يقول: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ أي: تبين الصواب من الضلال، ولم يطلب أحداً منهم الجاه أو المال.
ما نراه من تخبط مجلس النواب وجر البلاد إلى فوضى وراء فوضى وراءها حروب لا تنتهي هو عين الغي، وما نشاهده من الاستماتة على استمرار الفاسدين في غيهم وهم على قمة هرم الدولة دون خجل قمة الضلال، وما نلاحظه من التفاني في الانبطاح للقوى الإقليمية والسير على منوالها وتنفيذ أجندتها لا يعدو أن يكون عمى القلوب، فهل منهم من رجل رشيد.
هؤلاء بإصرارهم العجيب على خلط الأوراق: قرارات فاسدة لمنح مرتبات ومهايا وعطايا لأنفسهم (أعضاء مجلس العازة) وهم لم يجتمعوا بنصاب كامل منذ سنوات، إفشال كل المحاولات الأممية لإيجاد مسار نحو تكوين نظام، قرار معيب للانتخابات، ثم قرار لزج القضاء في المشهد السياسي، ثم مناقشة قرارات صورية مثل انقطاع الكهرباء وتأخر المحافظ الاستثمارية، ثم التلويح بتغيير الحكومة بخارطة طريق هي نفسها التي تم تنفيذها في مصر سنة 2013م. فما هي خارطة طريق البرلمان الفاسد؟.
بأمر من المخابرات المصرية يقوم البرلمان باقتراح وتنفيذ خارطة الطريق الجديدة التي في ظاهرها توحيد المؤسسات وإزالة عراقيل الانتخابات وتعديل ثم الاستفتاء على الدستور، وفي مكمنها ولب فرضها إتباع خارطة الطريق المصرية في سنة 2013م؛ حيث ثم إرجاع عدلي منصور إلى رئاسة القضاء وتتويجه كرئيس للدولة لمدة سنة خلالها ثم تفصيل الدستور وتزوير الانتخابات وزج الأزهر والكنيسة وحزب النور في شرعنة الانقلاب، حتى وصل السيسي إلى الحكم بعدها قام بتعديل الدستور ليبقى رئيسا لمصر حتى 2032م !!!، اليوم يتم التحضير لتتويج عسكري من الغرب الليبي كرئيس للوزراء وهو فتحي باشاغا من أجل تفصيل الدستور والتحضير لانتخابات مزورة يفوز فيها دمية للاستخبارات المصرية سوى كان حفتر أو غيره، ولا يحتاج لهكذا مشروع منصات إعلامية تصدح أو شيوخ قبائل تؤيد ولا شعراء ينثرون قصائدهم وزجلهم في مدح الحاكم العسكري الجديد.
عمالة أعضاء الكتلة المصرية في البرلمان لم تتوقف على مدى ستة سنوات؛ إضافة إلى خارطة الطريق السابقة المزعومة ساهمت في إرساء مشاريع طرق بملياري دينار للحكومة المصرية بلا مناقصات ولا منافسة، منها استكمال الطريق الدائري الثالث بطرابلس وتعبيد طريق إجدابيا جالو، وطريق غات أوباري وبعض مشاريع المياه الأخرى في طبرق، ثم ينعتون الحكومة بالفساد وتبذير المال العام، وهم من تحصل كل فرد منهم على مليون و300 ألف دينار كمرتبات ولم يساهموا إلا في زعزعة الاستقرار وتردي الحياة على كل ربوع الوطن، علما بأن هكذا مشاريع لن توقف الاستخبارات المصرية من التدخل وفرض نموذج السيسي في ليبيا.
للأسف نواب الغفلة أعمى المال والجاه قلوبهم وبصائرهم فتشابه عندهم البقر وأصبحوا مطية للقوى الإقليمية. بالمقابل تقوم مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني وليمز بجهود جبارة في وسط ملغم داخليا وخارجيا من أجل تنفيذ رغبة قرابة 3 مليون ليبي سجلوا أسمائهم لإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، وهي التي عارضت ومعها 6 دول كبرى وجود حكومة موازية في الشرق الليبي، وهي التي تساند وقف إطلاق النار الذي شرعن نشوبه البرلمان، وساندت عدم تصدير النفط خارج الشرعية رغم أن البرلمان التعيس لم يستطيع إيقاف باخرة تهريب بالقرب من قبة البرلمان في ميناء الحريقة وتناقلت الأخبار تهديد مليشيات حفتر لسلطة الميناء، فهل ممثلو الدول الكبرى (وهم خُدام لبلدانهم) أكبر حرصا على المقدرات الليبية من الطغمة الفاسدة في البرلمان؟ لن يسقط هذا المعبد القمئ المسمى برلمان طبرق إلا بهبة شعبية عارمة في السابع عشر من فبراير تهز أركانه وتقذف به في البحر، مصداقا لقول الله تعالى: ﴿ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ﴾. صدق الله العظيم.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً