الفوز والخسارة هنا لا يعنيان الإقصاء . فقناعتنا بأن الدولة والوطن لا ينهض ولن تقوم له قائمة إذا ما أسس على منطق الغلبة والعداء . بل نحن نتحدث عن نتائج الانتخابات وتحليلها خصوصاً في نظام القوائم والذي هو الأصل في حساب وزن الأحزاب وقوتها . أما في الحقيقة فإن الكل انتصر حتى الذي لم يشارك أو لم يحالفه التوفيق في النتائج.
ونحن نتحدث هنا على نظام القوائم ، ولو كانت المقاعد المخصصة لنظام القوائم أكثر لحققت قوى التحالف الوطني انتصاراً ساحقاً !!! لماذا ؟ ولماذا لم يحقق الإسلاميون انتصاراً ساحقاً كمصر وتونس ؟؟؟ السؤال يبدو منطقياً لمن أعتاد التحليل بطريقة النسخ واللصق . أما من ينظر ككل قاضي إلى كل حالة أو واقع على حدة ويحلله تحليلاً موضوعياً بدون عقد أو هوى أو أماني أو رغبات فسيجد أن النتيجة منطقية.
البعض ينظر لمحمود جبريل على أنه كأتاتورك أو غلاة العلمانية في تونس أو كمتطرفي الليبرالية في مصر !! والمفارقة أنه كان متهما بإسلاميته من قبل نظام القذافي !!!! على ماذا يدلل ذلك ؟ يعني أن الرجل ليس إسلاميا ولا ليبرالياً ( كما يفهم الليبرالية البعض لدينا ) ولا علمانياً ، بل هو كالكثير من الليبي مسلم وسطي له رؤية اقتصادية وتنموية لليبيا للنهضة بها بدون مزايدات على إسلام الناس وعقائدهم وبدون استخدام الشعارات التي يرى فيها الكثير من الناس نوعاً من النفاق والدجل.
البعض في ليبيا وغيرها لديه هوس في تصنيف الناس واتهامهم بتهم هم منها براء ، فإن لم تكن إسلامياً فأنت إما ليبرالي أو علماني متطرف تسعى لهدم الإسلام ومحاربة الدين وبناء الكنائس عوض المساجد وفتح الخمارات وإشاعة الفاحشة والفحشاء والمخدرات.
في مصر وتونس الفقر منتشر ، كما أن الدولة في كلتيهما تحدت علناً وبشكل سافر عقائد الناس وأهانتها عمداً ، فصار هناك استقطاب إسلامي ، كما أن المجتمع الليبي في غالبيته العظمى محافظ عكس تونس ومصر .
ماذا نستنتج من ذلك ؟ أن الخطاب الإسلامي في ليبيا كان يبدوا كمن يتحدث بالصينية إلى عربي . لم يتقهم الليبيون في شريحة واسعة منهم هذا الخطاب ، لا بل وجده البعض إهانة لليبيين ومزايدة عليهم ، لا بل وجده الكثير منهم شكلاً من أشكال محاولة سرقة الثورة . يسأل سائل : أيعقل هذا؟
نعم ، فالغالبية العظمى من الليبيين لم تثر على معمر ونظامه كما زعم الكثير أو توهم لأنه حرف القرآن أو سخر بالسنة أو لأنه كافر … بل ثار عليه وعلى جميع أركان نظامه للظلم والتعذيب والقتل وانعدام الحرية والكرامة ، للانهيار الاقتصادي وانتشار البطالة وتدني المرتبات والتضخم وغلاء الأسعار وووووووو.
إذا أضفنا إلى ذلك نظرة الكثير من الليبيين لممارسات وأقوال وأفعال العديد من مناصري التيار الإسلامي المتشدد منهم والوسطي ، لكانت نتيجة القوائم طبيعية.
إلى ذلك يضاف سبب رئيسي آخر . فالأحزاب الكبيرة يجب أن تنشئها شخصيات ذات كاريزما كحسن البنا في مضر أو الغنوشي في تونس . وحتى في الكيان الصهيوني ، هل كان باستطاعة حزب كاديما أن يحقق الانتصار في انتخابات 2005 على كل الأحزاب التقليدية الإسرائيلية كالعمل والليكود لو لم يكن رئيس هذا الحزب ومؤسسه آرئيل شارون؟
التيار الإسلامي سينال خسائر اكبر في أي انتخابات ، لفقدانه لكاريزما مؤسسة له ، ولأنه ينظر لليبيا على أنها دول أخرى . بل نعتقد ونرى بألا مستقبل له على المدى المتوسط ، وسيصبح كحال حزب الوفد في مصر مجرد هيكل ميت.
توقعنا هذا الشيء من قبل من واقع الناس والشباب والشرائح البسيطة لناس عموماً . ليبيا هي الدولة الوحيدة القادرة على أن تعطي صورة بيضاء ناصعة عن المسلمين وعن الإسلام لتجانس نسيجها الاجتماعي من حيث اللغة والمذهب وتدني نسبة الفقر فيها مقارنة بالدول المجاورة ، ولطبع شعبها المسلم المحافظ ، ولوعي الشعب فيها ؟ يسأل سائل : ألا تجامل في ذلك ؟ لا ، أبداً ، لقد أثبت الشعب الليبي في هذه الانتخابات وبالرغم من انعدام الممارسة الديمقراطية لعقود ، أنه شعب غير قبلي في خياراته السياسية ويرفض استغلال الدين والشعارات الدينية في السياسة.
إن هجوم الصلابي والشيخ الصادق الغرياني على جبريل ، وإن كنا نفهم مبناه القائم على فهم ملتبس ومشوش لبعض جوانب الإسلام السياسية ولتكوين الدولة ووظيفتها بل وانعدام العدالة والعدل في الخصام ، كان له تأثير ايجابي للرجل وسلبي على التيار الإسلامي ، لماذا ؟ الناس تأكد لديها أن الإسلاميين لهم هدف واحد ، وهو السيطرة على مفاصل الدولة ، ليس لإدارتها ، بل لفرض أيديولوجيات ورؤى معينة وفرض أنماط معينة على الناس ولو رغم أنوفهم ، والشعب الليبي كفر بالإيديولوجيات والتنظير والخطب والشعارات ، وهو شعب ذكي جداً ، بالرغم من كل محاولات جلد الذات من البعض.
يبقى أمام محمود جبريل وعلى الترهوني وغيرهم من ذات التيار الفكري واجب وحمل ثقيل في تكوين تيار سياسي يقوم فعلاً على برامج واختيار ممثلين له في جميع المدن يؤمنون بذات الأفكار والرؤى والخطوط العريضة ، وإن كنا نتفهم استناد البعض إلى صورة جبريل أو الترهوني في هذه الانتخابات ، فهو شيء طبيعي في بداية تكوين أي حزب سياسي . يجب تعميق هذا التيار وتوسيع قاعدة الشباب فيه ، وعليهم واجب في السنة القادمة مع باقي شركاء الوطن في تولي ملفات صعبة وحساسة لا يحسدهم عليها أحد في الوجود . لكي لا تعود صورة السياسي المستغل لأصوات الناس إلى العقل الجمعي لدى الناس. ، يجب أن يلحظ الناس الفرق ولو كان متوسطاً.
ليبيا يجب أن يكون فيها تيارين أو ثلاث قوية ، فظاهرة التيار الواحد غير صحية وقد تقود إلى استبداد ديمقراطي وتصحر سياسي . ونكرر الدول والأوطان لا تقوم على منطق الغلبة والعداء والاستقطابات ، وخاصةً مع خصوصيات الشعب الليبي.
لدينا فرصة لبناء دولة تكون أنموذجاً عالمياً للتجانس والانسجام والرفاهية والتقدم . وهذا لا يتم إلا بالنظر إلى جميع الناس على أنهم أخوة وشركاء في الوطن ، والحكم هو القانون والقضاء في أي شيء ، والمرجع في الخيارات السياسية بما في ذلك لمواد الدستور للشعب.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً