الوطن مفهوم سامٍ لدى المواطن، أقصد بالمواطن هو ذلك الفرد الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالأرض التي عاش ويعيش عليها تربطه بها لغة وشعبا يحمل نفس الثقافة في العموم كما يحمل نفس الهموم ويشارك أهلها العادات والتقاليد وفي الغالب الدين كل تلك القواسم والهموم المشتركة من المفترض أن تجعل الوطن يسكن قلب المواطن العادي وكذلك السياسي الذي يقود هذا الوطن ومن حاد عن قواسم أو عناصر حب الوطن هذه فهو مجرد رقم أو إنسان يعيش على أرض الوطن، ولكنه يفقد المواطنة الحقيقية بالمفهوم وهذا حال كثير ممن يسوسون وطننا العربي. ولعله من المفيد هنا أن نعرّج على مصطلح المواطن الصالح، حيث ينقسم المجتمع عادة إلى قسمين مواطن صالح يعي أن له دور في هذا الوطن وأن هذا الدور يقوم به طواعية لوعيه أنه جزء أساسي من الوطن عليه واجبات ويلتزم بسلوكيات وأدبيات مجتمعه وأن للوطن حق عليه في الحفاظ على أمنه العسكري والغذائي والاجتماعي والسياسي كما يلتزم بقوانينه التي تحافظ على مصالح المواطن كما تحافظ على البلد نفسه، أما القسم الثاني من المواطنين وهو الذي لا يملك من الوعي ما يعيه المواطن الصالح فهو لا يهتم لا بتحقيق مصالحه ولا مصالح مجتمعه أو وطنه فهو مهمل وظالم لنفسه كما هو مهمل وظالم لوطنه فلا هدف له، وهناك فئة أخرى في هذا القسم تفوق المهمل سوءا وهو المواطن الأناني الذي لا يحب إلا نفسه مستعد لبيع الوطن بأكمله والتنازل عنه في سبيل تحقيق مآرب ومصالح شخصية فهذا مثله مثل المواطن المهمل أو المواطن الغير صالح بل أشد خطرا فكلاهما يشترك في أن الوطن لا يعني لهم الكثير؟.
فالذي يقدّم مصلحته عن مصلحة الوطن أو يقدّم أو ينتمي أو يعمل لصالح حاكما ليضعه فوق الوطن وفوق القانون ويسبح بحمده ولا يعير للوطن اهتماما بل يحجّم الوطن ويعطل القانون لصالح حاكم أو غيره وإذا ما تعارضت مصلحة الوطن مع مصالح حاكمه أو حزبه أو قبيلته أو نحو ذلك يقدم مصالحهم على الوطن فهذا لا شك أن عنده خللا كبيرا في مفهوم الوطن، والأمثلة والشواهد على ذلك كثيرة في وطننا العربي فمفهوم الوطن عندنا يكاد يكون معدوم عند العامة لأن المفهوم يأتي بالتعليم والتربية والثقافة وللأسف العناصر الثلاث عندنا ليست مرتبطة بالمفهوم الصحيح للوطن لأنه في الغالب من يتصدرون المشهد السياسي في وطننا هم أناس تم اختيارهم لنا أو تم اختيار أباءهم أو حتى أجدادهم من طرف من يريد أن يحكمنا فعليا ويسيّر هذا الوطن ويستفيد من إمكانياته المادية والجغرافية والسياسية فهؤلاء من أنشئوا دولة اليهود ولابد لهم من حكام ليحموا هذه الدولة اللقيطة وإلا سيصبح وجودها في خطر وليضمنوا النتائج خططوا لذلك قبل قيام الدولة اللقيطة فمنذ زمن الدولة العثمانية ولا يخفى على مُطّلع أن من حارب جنبا إلى جنب مع الأوروبيين والروس للقضاء على دولة الخلافة العثمانية هم أجداد كثير من حكامنا اليوم حيث وعدهم الأوروبيين والأمريكان بعد تفكيك الخلافة والقضاء عليها بإعطائهم أجزاء من الممالك يحكمونها وما زالوا كذلك إلى يومنا هذا؟ وبغض النظر على مساوئ الدولة العثمانية وتهالكها كان أعداء الأمة يعدّونها وينظرون إليها كدولة تجمع وتوحّد أمة وشوكة في حلق قيام الدولة اللقيطة واقرؤوا التاريخ لمن يريد المزيد فهم يحاربون أي محاولة لتوحيد الجهد الإسلامي تحت أي مسمّى.
ولا يخفى على مُطلع ما يقوم به كثير من هؤلاء الحكام من أجل حماية الدولة اللقيطة حتى صار أمنها فوق أمن البلدان العربية التي يحكمونها جميعا حيث تعقد الإتفاقية تلو الأخرى من أجل ذلك ويهرول كل واحد حتى الذي لا يحكم، ولكنه يريد أن يصل للحكم يذهب هو أو من ينوب عنه لتقديم الولاء والطاعة وتقديم الوعود بالحفاظ على الدولة اللقيطة وأمنها، فأين هو الوطن عند هؤلاء!!! فهذا السلوك يضعف بشكل كبير علاقة المواطن العربي بالوطن.
إن العلاقة بين الوطن والمواطن ميزانها مختل في وطننا العربي والسبب يرجع بالدرجة الأولى إلى من يقود هذا الوطن كما ذكرنا لأنهم في الحقيقة لا ينتمون لأوطانهم، بل ينتمون لمصالحهم فهم من القسم الذين إذا تعارضت مصالحهم مع مصالح الوطن قدّموا مصالحهم بطريقة لا ريب فيها، بل حتى إذا لم تتعارض مصالحهم مع مصالح بلدانهم فهم في الأساس نُصّبوا للقيام بدور لابد منه وهذا الدور يتعارض مع مصالح الوطن العربي والمواطن وبذلك هؤلاء السياسيين هم سبب اختلال واعتلال علاقة المواطن العربي بوطنه. إن علاقة المواطن بوطنه هي علاقة حقوق وواجبات علاقة حب وتكامل كلٌّ له دور يجب أن يقوم به حتى تتم عملية التكامل بين الوطن والمواطن وتقوى عُرى العلاقة وأي تقصير في دور أحدهما سيؤثر على الآخر، فالوطن ممثّلا في الرئيس أو الملك أو رئيس الوزراء ومن في حكمهم ممن له علاقة في تولي شؤون الدولة فكلما أجاد من يمثلون الوطن عملهم وأعطوا المواطن حقوقه كاملة من خدمات وغيرها ومن كل ما يتعلق بحياة كريمة للمواطن وتلبية حاجياته كلما تمكن المواطن من القيام بواجباته كاملة وتمكن من الحفاظ على علاقة الحب والتكامل بينه وبين الوطن وليس له عذر في التقصير حين ذاك، عامل آخر يحافظ على علاقة التكامل هذه وهو أن يحتكم الجميع لقانون ينظم العلاقة فيما بينهم ويوضح واجبات وحقوق كلا الطرفين وبهذه الطريقة يحفظ الجميع حقوقهم ويُحفظ الوطن من الضياع كما هو واقعنا اليوم.
ولوجود شوائب كثيرة وكثيرة جدا وخلل كبير في العلاقة بين المواطن والوطن (الرئيس ومن في حكمه)، فالعلاقة الآن هي علاقة قوي هو الحاكم لا يأبه لضعيف وهو المواطن ضاع على أثرها الوطن والمواطن العربي، فإلى متى يستمر هذا الحال؟ وإلى متى تستمر هذه العلاقة غير السليمة بينهما؟ ومتى تكون لنا منزلةً بين الأمم؟.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً