الجزء الثاني من ورقة حول مآلات صعود ستيفاني خوري!
واهم من يعتقد بأن صعود خوري لبعثة الوصاية في ليبيا كان بريئا.. وسيكون طارئا ومؤقتا:
حين انطلق مشروع واشنطن للاستحواذ على ليبيا بالعام 2011، والذي ما يزال يمر بمرحلة إنهاك لليبيين حتى تحقيق استسلامهم، فإن هذه الواشنطن لم تكتف (بانتهاز فرصة لطالما انتظرتها منذ العام 1801، بل وعملت عليها لإغراق الليبيين بأول انتفاضة يُقدمون عليها) بممارسة كل ما أتيح لها من ضغوط باتجاه توحيد كلمة الأمم المتحدة والعالم نحو دفع ليبيا إلى الهاوية، بل أن أول كيان دولي بدأت واشنطن باستغلاله تضليلا وترغيبا، لضمان دفع الأزمة الليبية إلى مصيرها المحتوم، كان مجلس الأمن الدولي نفسه، حيث سارعت واشنطن (منتهزة فرصة أخرى نادرة جدا وهي ضعف روسيا وتماهي مدفيديف مع السياسات الأمريكية حد الاستسلام) لتضغط باتجاه دفع المجلس إلى حشر الدولة الليبية بين ألواح جنازير فصله السابع المروع.
ولقد كانت هذه الضربة الأمريكية (وخاصة لجهة حسن استغلالها للهوان الروسي) هي التي أوصلت واشنطن إلى الحصول على سند اسقاطها للدولة الليبية وتفكيكها برغي برغي ٬ وهو ما نفذته واشنطن بتحالف عسكري حمل اسم فجر الأوديسا، الاسم الذي لم ينجو هو الآخر من توظيفات الخداع والتدليس الأمريكي، حيث أن التباعد الشنيع الذي ينطوي عليه الفارق بين حقيقة تحالف واشنطن الانتهازي الانتقامي الذي أغرق ليبيا بأوحال العنف والفوضى، وبين المدلول التاريخي لاسم “فجر الاوديسا” الذي يرمز في التراث الحضاري الاغريقي الي انقشاع المحن وحيازة مستقبل حكيم ورصين ٬ لابد وان يدفع بكل عارف لخلفية هذا التمسح الأمريكي بالاوديسا ٬ الي الشعور بالقرف من محاولة جوقة من مجرمي الحرب من أصحاب “فجر النيتو” مسح رجسهم بعباءة هوميروس او بصحائف أوديسته العظيمة ٬ وهم الذين كانوا السبب الرئيس بخسارة الليبيين لاستقلالهم واستقرارهم ٬ بل والذين جعلوا فداحة هذه الخسارة تزداد وتكبر يوما بعد اخر ٬ بسبب استمرار نخرهم بشؤون الليبيين.
ورغم ان البحث عن ادلة تؤكد اصرار واشنطن على افساد الانتفاضة الليبية حد التعفن تمهيدا لافتكاك البلاد من اهلها ٬ انما يشبه البحث عن مكان الشمس بنهار صيفي قائظ ٬ الا انه يبدو ان هيلاري كلينتون لم تشأ ترك من يبحثون عن مكان هذه الشمس دون تطوعها بأخذهم اليها ٬ حيث قامت كلينتون برفعهم اليها فعلا من فوق جبال نُسخ كتابها المنتشرة في العالم تحت عنوان “خيارات صعبة” ٬ والذي ركزت فيه على احتفاء نرجسي معجون بشماتة منقطعة النظير بعبارة (استخدام كل ما يجب استخدامه من اجل حماية المدنيين في ليبيا) ٬ والتي زرعتها واشنطن بقلب القرار 1973 ٬ الذي صنعت به اول “نموذج لدولة نزاع مسلح” تتورط الأمم المتحدة بصنعه ٬ وذلك بعد ان انتزعت واشنطن هذه العبارة نزعا من قلب احشاء موسكو وبكين واضافت اليها باقي اصفاد الليبيين من جملة مواد احكام الوصاية الاخري التي ضمنتها للقرار 1973 ٬ والذي حولته فور صدوره الي السكين الذي نحرت به ليبيا من الوريد الي الوريد ٬ وصنعت من بقايا خردته البوصلة الخدّاعة التي وجهت بها انتفاضة الليبيين نحو أسوأ الاتجاهات وأكثرها دموية وعنفا ٬ بينما كان الليبيون ما يزالون تحت تاثير سكرات الاصابة بمتلازمة “العدوى الثورية” ٬ بحسب وصف علماء السياسة والاجتماع لعدوي انتفاضات الجوار.
ولم تمضي ساعات علي صدور القرار الاممي بتفويض واشنطن بتفكيك الدولة الليبية ٬ حتى بدأت واشنطن بتتويج مخططها الاستحواذي بتنفيذ هجوم الاوديسا على البلاد ٬ والذي انتهي الي تحقيق ما انتوته تماما ٬ وهو تعفن الانتفاضة الليبية ٬ وتحول البلاد برمتها الي كيان فاشل و اكوام من ركام ٬ ما يزال قادة الاوديسا يمنعون الليبيين منعا باتا حتي هذه اللحظة ازالته والبناء عليه . ورغم ان كلينتون لم تتعرض بكتابها هذا لما اسمته بثورات الربيع العربي الا بفصلين فقط ٬ الا انها خصصت احدهما وبصورة شبه كاملة تقريبا للاحتفاء “بجوهرة الربيع العربي في ليبيا ” علي حد وصفها ٬ وهي عبارة (استخدام كل ما يجب استخدامه من اجل حماية المدنيين في ليبيا) ٬ والتي قرنتها بعبارة جعلتها رديفة لها وهي : (التي قدمت لنا راس القذافي) ٬ مع ان كلينتون لم تكن تقصد حقيقة الا راس ليبيا نفسها ٬ لكون راس القذافي كانوا قد قطعوه وانتهوا منه قبل حتى ان يُتموا عام اوديستهم الأول ويغسلوا ايديهم مما علق بها من اديم الدماء ورائحة البارود ٬ (بل ان الامر الموثق صوتا وصورة هو ان كلينتون نفسها قد زارت طرابلس بيوم التاسع عشر من أكتوبر من العام 2011 لتعطي اوامرها بقتل القذافي علي رؤوس الاشهاد ٬ ولم ينتصف نهار اليوم التالي الواقع في العشرين من أكتوبر ٬ الا وقد صار الرجل مقتولا شر قتله) ٬ وبذلك فان راس ليبيا ٬ والذي هو راس الليبيين جميعا ٬ هو الذي ما يزال مداسا عليه بنعال قادة الاوديسا حتي لحظتنا هذه ٬ وذلك انتظارا لسنوح اقرب فرصة لتهشيمه عظما عظما.
ورغم العدد الكبير نسبيا من كتب السياسة والمذكرات السياسية ٬ التي استطيع الادعاء باني قد طالعتها شخصيا ٬ الا انه لم يصادفني فيها تعظيما وتمجيدا واحتفاء بعبارة سياسية بقصد الشماتة والتشفي ٬ كما فعلت كلينتون مع هذه (العبارة) ٬ التي احتفت بها كما لو كانت قطعة من ذهب مرصع بالماس باركتها مريم البتول ومنحتها الي كلينتون هذه لتستعيد بها امجاد بلادها الغابرة في ليبيا ٬ التي ادغمتها كلينتون بعبارة “امجادنا بشمال افريقيا” ٬ بدلا من ذكر ليبيا نصا . بيد ان سعي واشنطن الحثيت واللحظي حتى ساعتنا هذه لتهميش وتحقير دور الليبيين كليا بإدارة شؤون بلادهم ٬ من خلال فرضها لهيمنتها العسكريه والسياسية علي السلطات المحلية حد تنصيبها بنفسها لهذه السلطات ٬ وإعادة سيطرتها المطلقة علي قطاعات النفط والبنوك والاستثمار فيها ٬ بل وتخطيطها لإعادة الوجود الاستيطاني الاجنبي علي ترابها ٬ هو الذي كانت تقصده كلينتون حتما باستعادة امجادهم القديمه بشمال افريقيا.
بل ولقد ارتفعت زغاريد كلينتون فرحا و احتفاء بهذة العبارة (التي تنبأت لها بكتابها ٬ بانها ستكون من بين اعظم إلانجازات السياسية لبلادها بالقرن الـ 21) ٬ حد إصرارها علي تقديم شرح تفصيلي – ربما لانها هي التي قامت بإنجاز تمرير هذه العبارة – لجهود حكومتها ٬ التي انتهت الي إيقاع باقي العالم بشرك هذه العبارة التي وصفتها بالخلابة ٬ ما يجعل المطالع لنثر تغزلها بهذه العبارة وتقديمها لها كوثن يستحق العبادة ٬ يظن وكأنها اية من الانجيل انزلها الله عليها او علي البيت الابيض ليمنحهما بها الرب رقاب الليبيين ليقوموا بقطعها متي شاؤا ٬ وكيفما شاؤا ٬ واذلال ما بقى من اعناقهم حيا استعبادا وقهرا . ولعل التدخل الكارثي والمشين بادق تفاصيل الشؤون الليبيه الذي تتحضر له واشنطن باطلاقها لما سماه البيت الأبيض بـ (قانون دعم الاستقرار في ليبيا) ٬ والذي يشمل الحق الامريكي بمحاكمة الليبيين وتحديد من يمكنه ان يحكم منهم ومن الذي يجب اقصاءه عن المشاركة السياسية ببلاده ٬ يمكنه ان يقدم لمن بقي في قلبة شك ٬ الشرح الاوثق والاوفي لنية واشنطن بمواصلة حربها اللانهائية ضد الليبيين واصرارها علي تحدي اسقلالهم واستقرارهم حتى النهاية.
بيد ان كلينتون لم تكتفي في اطار احتفالها (بعبارتها) باظهار روح احتقارية ضد ثلة من الليبيين واخوة لهم في الدم والدين من العرب والمسلمين الذين شاركوا كلينتون بتقديم ليبيا قربانا لفجر الاوديسا فحسب ٬ بل ولقد نالت حتى روسيا والصين نصيبهما من التشهير ٬ وذلك بتلميح كلينتون ٬ الذي عبرت عنه في صورة تموجات من قهقهات ساخرة – تُعرف بلحن القول – من كل الذين صدّقوا صلاحية واشنطن لحماية حتي الضفادع فما بالك بمدنيين عرب ومسلمين ٬ وذلك بالغمز الي انتصار واشنطن عليهم جميعا بجرهم من انوفهم الي الوقوع بفخ اصدار هذه العبارة الانتقامية والشديدة البأس ٬ والتي لم تستخدمها واشنطن بتفكيك الدولة الليبية فحسب ٬ بل وباخضاع البلاد لقانون التحلل البيولوجي للجثث ٬ حيث خرجت ليبيا اليوم من حالة التفكك الي حالة تحلل أعضاءها ٬ وبكل ما في الكلمة من معنى ٬ وذلك مقابل (بحسب تلميح كلينتون) السماح لبكين بالاغراق التجاري الحر للاسواق الأمريكية ٬ وهو ما جاء ترمب لاحقا واسترده منها “ثالث ومثلث” ٬ ومنح “موسكو مدفيدف” امتياز الدولة الأولى بالرعاية . ولقد كان من الطبيعي ان تكون اولي واهم مكاسب “عبارة” كلينتون المبيتة التي أحاطت هذه الأخيرة الاحتفاء بها بتمجيد يشبه تراتيل الصلاة كما لو انها اية انجيلية ٬ هو تحويل ليبيا برمتها الي مجرد ملجأ بائس لشعب كامل من الايتام القصر المحتجزين تحت سلطة وصي اممي شكلا ٬ وامريكي جوهرا ومضمونا ٬ يختص ٬ خص نص (بانهاك) هؤلاء الايتام ٬ لاجل تقريب يوم انهيارهم والاستحواذ عليهم بين قتيل ومستعبد!!.
لقد بدا واضحا ان كلينتون لم يرف لها جفن وهي تطلق ألعابها النارية بين سطور كتابها احتفاء بعبارتها القاتلة لاستقلال دولة ٬ قصد تسليط أضواء تلك الالعاب لكشف كل وجوه المساهمين من الليبيين و العرب والمسلمين والعجم الذين تلحفوا بالسواد لتسهيل مخاض ميلاد عبارتها التي لم تزد ولم تقل عن حكم باعدام ليبيا . ورغم انه من الصعب نسبيا الجزم بـ اذا ما كانت مهاجمة روسيا والصين للولايات المتحدة لاحقا ٬ واتهامهما لها رسميا باساءة استخدام القرار 1973 بتفكيك ليبيا وقتل القذافي وتحويل دولة عضو بالأمم المتحدة الي دولة فاشلة تعج بالعنف والفوضي ٬ هي اتهامات ناشئة عن حقيقة مباغثة واشنطن لهما باساءة استخدام القرار السىء الذكر بتحويل انتفاضة شعب الي حالة من الدمار الشامل الذي كانت اولي ضحاياه منظومة القيم التي عرف بها الشعب الليبي حد تقدمه لاحصائيات اراء اجنبية حول الشعوب الأكثر لطفا و كرما وشهامه ٬ الي جانب احتلال بلاده له باسم حماية المدنيين ٬ ام ان الاتهامين الروسي الصيني جاءا لمجرد محاولة التملص من مسؤوليتهما الضمنية والتضامنية مع واشنطن بتدمير ليبيا ٬ وتحقيق الاستفادة من غموض “دورهما بخلق هذه العبارة” ٬ للانتقام من واشنطن بسبب اخلالها بتنفيذ وعود لصالحهما مقابل تسليمها راس القذافي وتراب ليبيا واعناق شعبها مجتمعه ٬ بيد ان المؤكد جدا – وان كان بعد فوات الأوان – هو قيام عدد مهم من الدول البارزة بينها الهند وجنوب افريقيا والبرازيل وعدد من الشخصيات العالمية المهمة الأخرى ٬ بينها اندرياس راسموسن الأمين العام للنيتو الذي سُحقت ليبيا بعهده ٬ بتوجيه لومهم و انتقادهم لطبيعة تورط النيتو باستخدام القوة المجردة التي انتهت الي انهيار ليبيا بسبب اساءة واشنطن لاستخدام القرار 1973 ٬ بانتهازها له بتصفية حساباتها مع القذافي إرضاء لغريزة الانتقام والتشفي ٬ وتحقيق واحياء روحها الاستعمارية القديمة في ليبيا . بل ولعله من بين اقوي مساخر السياسة الامريكية ٬ إقرار باراك أوباما نفسه ٬ وهو الذي كان قائد غزو الاوديسا من الخلف ٬ كما كان يفضل ان يلقب ٬ بمذكراته التي صدرت من جزأين ٬ بخطأ ما ارتكبه النيتو في ليبيا والتلميح الي ندمه علي المشاركة بهذا الخطأ ٬ الذي رد تورطه فيه الي نيكولاي ساركوزي صراحة ٬ و الي وزيرة خارجيته تلميحا ٬ التي وصفها بالمتحمسة لانتهاز ما راته افضل الفرص للتخلص من القذافي ٬ معتبرا بان تسرع ساركوزي بالهجوم علي ليبيا لا يعود الي وجود حاجة ملحة لحماية مدنيين يتطلب حمايتهم كل ذلك القدر من التدخل ٬ رادا هجوم ساركوزي برمته الي وجود علاقات شخصية مضطربة بينه و بين القذافي ٬ تحولت بلحظة مؤاتية الي رغبة فرنسية جامحة بقتل الرئيس الليبي.
وهنا ٬ دعونا نعود الي السؤال الذي توقفنا عنده بالجزء الأول من هذه الورقة ٬ وهو : اي تكلفة هي تلك التي يمكن لواشنطن ان تتكبدها بحال سمحت بانهيار مشروع استنساخها لنعجتها دُولي علي راس بعثة الوصاية على ليبيا ٬ وقبولها بالتورط بالمشاركة بتعيين وصي اممي جديد يمثل الإرادة الجماعية لمجلس الامن الدولي ٬ قبل إتمام “دُولّي او خوري” للمخطط الأمريكي الذي جيء بها من اجله ؟ او بمعني اخر ٬ ما هي المكاسب التي تحققها واشنطن اليوم من خلال هيمنتها علي بعثة الوصاية في ليبيا !؟ والي أي درجة تصل أهمية هذه المكاسب بتنفيذ السياسات الامريكية المستهدفة للاستحواذ علي ليبيا!؟.
ان وجود العديد من الخطوات التأسيسية التي تحتاج واشنطن الي تحقيقها قبل انتهاءها من مشروع استحواذها علي ليبيا ٬ انما تنفي وجود اقل احتمال ممكن لاستعداد واشنطن للتخلي عن استخدام الفيتو وبلا تردد ضد المرشحين الثلاثة الذين بشر بهم موقع فرانس انتليجنس الاستخباراتي بحال تجرؤا علي دخول حلبة المنافسة لخلافة باتيلي ٬ بل وتؤكد هذه الخطوات التأسيسية استعداد واشنطن لاستخدام الفيتو وفورا ضد كل من يجرؤ على التقدم لخلافة باتيلي خلال الفترة الزمنية التي قدرت واشنطن بانها تحتاجها لاتمام خوري لما استنسختها لاجله علي راس بعثة الوصاية على ليبيا ٬ بل والي درجة تحضير واشنطن – بحسب احد العاملين بالبعثه نفسها – لسياسات لاصطياد الرغبات وهي ماتزال مجرد وشوشات طموحة بين شفاه اصحابها ٬ ويؤكد هذا الموظف او الخبير كما يصف نفسه ٬ بانه لدي واشنطن من سياسات الاحتواء و الاغراء ٬ بل وحتى الوعيد ٬ لمن يشكل تهديد حقيقي على كرسي خوري في ليبيا قبل حلول أوان رحيلها المحدد سلفا ٬ ما هو اكثر من كاف لتحقيق تراجع واختفاء هؤلاء الطامحين من تلقاء انفسهم ٬ بل ومنذ اطراق وشوشاتهم الاولي – حول رغبتهم في المنصب – لمسامع واشنطن.
بيد اننا وقبل ان نخوض باستعراض اهم استخدامات واشنطن الانتهازيه للأمم المتحدة وبعثة وصايتها بمشروع استحواذها علي ليبيا ٬ بل والذي تعد بعثة الوصاية في ليبيا اهم معولا فيه علي الاطلاق ٬ دعونا نفتتح هذا الجزء من هذه الورقة بابسط الاسالة المتصلة بما بدلته واشنطن من جهود كبيرة لاستنساخ مدام خوري علي راس بعثة الوصاية على ليبيا وهي : هل يمكن لعاقل ان يتصور بان واشنطن الأخطر امبرياليا بين القوي الدولية الكبرى ٬ يمكنها ان تكون سفيهة فعلا ٬ والي درجة ان تضرب بعرض الحائط نتائج ما حققته من مخاطر ضغوطها علي غوتيريش للحصول علي تعيين انتهازي مبكر لخوري يؤهلها (نصا بحسب قرار تعيينها) للاستيلاء علي البعثه فور رحيل باتيلي منها ٬ رغم وجود العشرات من خبراء البعثة الاقدم والاعلم بالشأن الليبي ٬ والاقدر و الاحق من خوري بقيادة البعثة بصورة طارئة ٬ لو ان واشنطن قد جاءت بخوري ليكون وجودها طارئا فعلا لبضعة أسابيع تقضيها بالسياحة والتسوق في ليبيا وتناول الكسكسي والشاي الليبي والتصور بازياء الافراح الليبية ٬ الي ان يجد العالم بديلا لباتيلي .. هل يمكن ان تكون واشنطن بهذا السخف فعلا!؟.
وهل يمكن لواشنطن التي خاطرت مرة اخري بممارسة ضغوطها علي باتيلي نفسه ليترك منصبه لحساب ابنتها – وهى الفعلة الوخيمة العواقب لو ان باتيلي قام بفضحها – ان تضحي بهذه المخاطرة لحساب وصي جديد ٬ خاصة وانه لا يوجد لدي واشنطن أي ضمانات قد تمنع غوتيريش وباتيلي من فضح واقع هذه الضغوط لاحقا بمذكراتهما ٬ لتتحول مثل هذه الفضيحة المزدوجة المصدر وما قامت عليه من ضغوط سرية مُجرّمة قانونا ٬ الى ادلة جديدة تضاف الي تراكمات سابقة تتهم واشنطن بخيانة النظام الدولي باستغلاله لحساب مصالحها بصور تضر بالسلم والامن والعدالة الدولية التي تدعي حرصها عليهما ٬ لتزيد من شعبية الدول المؤيدة للضغوط التي تمارسها مجموعة بريكس علي واشنطن لاجبارها علي القبول بنظام عالمي جديد ٬ وانزال الدولار من عليائه الي قاع حلبة سلة العملات الدولية ليخوض معارك عادلة الي جانب العملات المجتهدة بشرف كالراند و الروبل والايوان والروبية !؟ وهل يمكن لعاقل ان يقبل فعلا بمنطق مغامرة واشنطن بالسماح بظهور خليفة لباتيلي (عن إرادة دولية جامعة قد يهدد بحياده ولو كان نسبيا مشاريعها في ليبيا) بعد كل الذي فعلته لاجل تنصيب خوري ٬ ليضعها هذا المبعوث الجديد تحت مخاطر احتمال تخريبه لكل المخططات التى نُصبت خوري لاجلها وخاصة لجهة تخطيط واشنطن استغلال بعثة الوصاية ضد الوجود الروسي في ليبيا!؟.
ان ليبيا التي تتقدم اليوم بسرعة مرعبة نحو احتلال المركز الثالث بين اخطر “بؤر الاحتدام في العالم” بين واشنطن وموسكو بعد أوكرانيا وغزة ٬ لا يمكنها ابدا ان تظل بوضعها هذا بمنأي عن سباق كسر العظم ٬ الذي تخوضه القوى الدولية الهائجة لاجل امتلاك اكبر قدر ممكن من مراكز القوة و النفوذ علي الأراضي الليبية ٬ ولان بعثة الوصاية في ليبيا تشكل اليوم اهم مركز امتياز استحواذي متعدد الوظائف تحتله واشنطن وتتصرف فيه كما لو كان خزانة احذية بالبيت الابيض ٬ بل وحد ان واشنطن لم تنفذ سياسة واحدة من سياسات إدارة التوحش والانهاك في ليبيا ومند العام 2011 وحتي اليوم الا عبر هذه البعثة ٬ فان هذه الواشنطن لا يمكنها ابدا الا ان تتمسك وحتي الموت بمركز نفوذها الخطير و الاستثنائي هذا ٬ وخاصة في ظل حقيقة تفوق الانتشار الروسي جغرافيا في كلا من ليبيا والدول الافريقية الجارة لها ٬ والذي تحقق للروس مؤخرا علي حساب كلا من واشنطن وباريس.
ان واشنطن التي تعتبر ليبيا (بحسب تصريحات كبار السياسيين الأمريكيين) المفتاحين اللوجستي والتمويلي الأهم للتاسيس الروسي لوجود عميق و طويل بالقارة الافريقية ٬ وهو الوجود الذي يتوقع خبراء عسكريين استراتيجيين تطوره الي شراكات استراتيجية عسكرية واقتصادية بعيدة المدى لن تكون الصين (الكابوس الحقيقي لواشنطن) بمنأى عنها ٬ انما تحضر اليوم وبقوة بحسب شواهد رصينة تمتد علاماتها علي كلا من التراب الليبي وواجهات وسائل الاعلام المقربة من مراكز صناعة القرارات الدولية لمواجهة عسكرية طويلة وواسعة مع الروس في ليبيا ٬ والتي لم يبقي منها بحسب متابعين الا تحديد طبيعة حرب الوكالة التي سيبتلي بها الطرفان الشعب الليبي المنكوب ٬ وهذا طبعا بحال لم يسبق التحضير لهذه المواجهه انفجار حرب عالمية بينهما ٬ في ظل ما يجري من تصعيد خطير بين الغرب وموسكو باجماع المراكز المختصة برصد تطورات السياسة الدولية ٬ وان كانت هذه أيضا لن ينجو الليبيين منها طالما ان بوتن قرر مهاجمة خصومه انطلاقا من الأراضي الليبية التي لابد وانه قد جهزها بما يكفي من الصواريخ البالستية المناسبة لمواجهات من النوع . ولقد بلغت خطورة تحضير واشنطن لهذه لمواجهة مع الروس في ليبيا ٬ حد حصر السفيرة الامريكية الجديدة في ليبيا جنيفر جافيتو لمشكلة ليبيا الرئيسية ٬ عند تقديمها لاحاطتها امام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي ٬ والتي جرت قبل أيام ٬ بما وصفته بزيادة حجم وتمدد النشاطين الروسي والصيني في ليبيا . بل ولعل المؤشر الأخطر علي الأولوية القصوي التي توليها واشنطن لمواجهة ما تعتبره تمددا روسيا صينيا في ليبيا ٬ هو حقيقة انه لم يعد يفصلنا سوى أيام قليلة علي الاجتماع الحاسم (بحسب وصف مسؤولين بالبنتاغون) الذي تُحضر واشنطن لعقده علي ترابها بين يومي 9 و11 يوليو الجاري ٬ وعلي مستوي قادة دول النيتو انفسهم ٬ وهو اللقاء الذي لم تجد واشنطن حرج من الاعلان بانه سيكون مخصصا بالجانب الاهم منه للنظر بسبل التصدي للتهديدات الروسية بليبيا وافريقيا .
بل ولقد بدأت واشنطن بالسعي جديا بحسب تلميحات لسفيرتها الجديدة في ليبيا بالاعداد (للخطة البديلة) وهي مواجهة الجنرال حفتر والروس معا بحرب وكالة بدأت واشنطن بالتحضير لها جديا بحال انهيار الجهود الامريكية الموجهة لاحتواء حفتر ٬ الذي شددت جافيتو (علي ضرورة إيلاء مسألة اجتذابه الينا اهتماما كبيرا) . ويري مصدر ديبلوماسي تركي بان واشنطن عازمة علي فك ارتباط حفتر بالروس باي ثمن ٬ والي حد احتمال اجتذابها له بالذهاب الي سياسة (المقابِلات) التي اشتهرت بها واشنطن ٬ وهي بهذه الحالة وضع الجنرال امام عرض (الرئاسة مقابل الروس) ٬ فواشنطن مصرة اشد الإصرار علي منع الجنرال حفتر من المضي قدما باقامة علاقات عسكرية استراتيجية واسعة مع موسكو ٬ خاصة مع توقع مصادر بنتاغونية ان يكون بينها – اذا ما تركته واشنطن يتم مسيرته مع موسكو – ابرام اتفاقية دفاع مشترك وإقامة قواعد عسكرية روسية في ليبيا ٬ بل ان مصادر سياسية وصحفية أمريكية اتهمت موسكو بالبدء فعلا – وفقا لمعلومات عملاء و صور التُقطت بالاقمار الصناعية – بإقامة هذه القواعد بعدد من المناطق الاستراتيجية بوسط وشرق ليبيا ٬ وهي القواعد التي باتت تشكل تهديد كبيرا لواشنطن وحلفائها قبل حتي ان يكتمل بنيانها ٬ في ظل تهديدات بوتن الواضحة بسعيه لاستخدام “أراض صديقه” لضرب اهداف غربية . وتعتقد ذات المصادر بان كل القواعد العسكرية الامريكية وقواعد النيتو بجنوب أوروبا ٬ ستكون دون شك هدفا ميسورا لوجود عسكري روسي قار و منظم في ليبيا .
كما جاء من بين مساعي واشنطن لاحتواء الوجود الروسي في ليبيا الاحتفاء الكبير والخاص الذي يشبه احتفاء اب بابنيه ٬ الذي قدمه الجنرال مايكل لانغلي قائد قوات الافريكوم ٬ لكلا من الجنرالين الناظوري والحداد ٬ الرئيسين الافتراضيين لاركان قوات كلا من الرجمة ودبيبة ٬ والذين يمثلان – رغم التهميش الوظيفي العميق الذي يعانيه كلا منهما – الوجه الأخطر لتفكك و تشرذم المؤسسه العسكرية الذي خلقته الولايات المتحدة منذ العام 2011 وما تزال ترعاه وبقوة حتي يومنا هذا ٬ ولقد دار هذا الاحتفاء عند لقاء لانغلي بهما علي هامش اجتماع افريكوم مع وزراء دفاع 30 دولة افريقية بالعاصمة البوتسوانية “غابورون” ضمن محاولات واشنطن الحثيثة للبحث عن حلفاء ضد الوجود و التقدم الروسي في افريقيا. ولقد عكس استدعاء لانغلي للجنرالين المهمشين ((الذين يجسد ما يبدو ويظهر بينهما دائما من قبول وتعاون سلس و تفاهم وود ٬ اقوي الأدلة واشد العلامات صدما واستفزازا علي حقيقة المأساة الليبية التي يفرضها التدخل الأجنبي المباشر وخاصة الانجلوسكسوني منه ٬ باجبار حتي اكثر القادة تفاهما و انسجاما ورغبة بتوحيد مؤسساتهم علي الخضوع لسياسة تقسيم البلاد وتقطيع اوصال مؤسساتها)) واحتفائه بهما بصورة ظهر فيها الجنرال ذي الأصل الافريقي ٬ كما لو انه الاب الطيب ديزموند توتو ٬ وليس عسكريا أمريكيا ينام ويصحوا علي حلم الاستحواذ علي ليبيا ٬ شدة إصرار واشنطن علي عمل كل ما يمكنها عمله لاجل خلق تحالف انتهازي بين القوي المسلحة الليبية – ضمن بقاء الفيتو الأمريكي قائما علي عودة الجيش – وذلك علها تنجح بان تصنع من تكتل انتهازي للسلاح المحلي المتشرذم مقاول الموت الليبي المناسب للقيام بالتفريط بنفسه ووطنه ٬ من اجل تنظيف ليبيا من الروس لحساب واشنطن ٬ لتهنأ هذه الأخيرة حصرا بها وباستعباد شعبها ٬ بيد ان هذه واشنطن تشبه هنا تماما ذلك الاحمق الذي يحرث البحر ليزرع قمحا ٬ حيث انه لا الناظوري يتمتع بتاثير يذكر علي الرجمة وقواتها ٬ ولا الحداد يملك أصلا جيشا او حتي قوات ولو بالمفهوم المليشيوي للتنظيمات المسلحة الشائعه بالبلاد ٬ ما يجعل رهان واشنطن علي الرجلين لا يذهب سُدا فحسب ٬ بل ويبدوا مثيرا للسخرية في ظل علاقة موسكو بالمقابل مع قادة عسكريين اكثر نفوذا وتاثيرا علي الأرض . وعليه فان المتوقع هو ان لا تحقق واشنطن أي نفع من هذين الرجلين الا اذا كانت تخطط لتنصيبهما علي راس قيادة الفيلق الأوروبي الذي تخطط لابتلاء الليبيين به ٬ او كانت تبرمج لدفعهما للقيام بانقلابين عسكريين علي حفتر و دبيبة ٬ بيد ان هذا الكأس سيكون هو الاخر حامضا علي اسنان واشنطن ٬ لكون واقعي التشظي المسلح وتمرد ما يسمي بالمدن الثائرة واستحواذها علي امتيازات انهيار البلاد ٬ وهما الشرين المطلقين الذين فرضتهما واشنطن علي ليبيا منذ العام 2011 بتفكيكها للجيش والدولة ومواصلتها اجبار الليبيين علي التعايش مع واقع هذين الشرين الذي جعل البلاد جحيما لا يكاد يكف عن الغليان ٬ قد جعل من فرصة قيام انقلاب عسكري جزئي او كلي في ليبيا لجهة استحالتها ٬ اشبه بعودة ليبيا نفسها الي الوضع الذي كانت عليه بالعام 2010.
ورغم كثرة الانباء و التحليلات التي تجزم بقرب توسع النسخة الثانية من الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو ٬ وهي النسخة التي اطلق عليها محللين عسكريين اسم “الحرب الجليدية” لشده اهوالها مقارنة مع نسخة الحرب الباردة التي ذهبت مع انهيار السوفييت بالقرن الماضي ٬ الا ان ما يهمنا من تلك الانباء والتحليلات هنا ٬ هو تأكيدها علي إصرار واشنطن علي توريط وجر ليبيا وعدد من الدول الافريقية الي سلسلة من حروب الوكالة الضارية ضد موسكو ٬ ولقد تكهن الجانب المحترف من تلك الانباء والتحليلات بان مرتزقة الجيوش الشركاتية الخاصة ٬ هي التي ستلعب الدور الأبرز في ليبيا باراقة الدماء واضرام النيران بالمدن والقري ٬ ولعل اخطر الانباء الداعمة لما جاءت به مرافعات تلك التحليلات بالنسبة لليبيا ٬ هو نبأ الاجتماع التنظيمي – اللوجستي – العسكري الذي اعلن عن عقده اواخر مايو الماضي بين ممثلين فنيين عن دول النيتو الرئيسية – او قل دول النيتو الأكثر تورطا بالشأن الليبي – والذي اعلنوا رسميا بانه سيخصص لمناقشة اقامة ما اسماه المجتمعون بالفيلق الأوروبي في ليبيا ٬ والذي ردوه الي جهودهم الجارية لاعادة توحيد الجيش الليبي ٬ في الوقت الذي لا يشي فيه العمل علي بعث هذا الفيلق الغريب ٬ والذي يتم ذكره لأول مرة بحسب مصادر ديبلوماسية و عسكرية وصحفية ٬ الا بشروع واشنطن عمليا بالتحضير “للخطة البديلة” التي ستعتمد عليها بمحاربة الروس في ليبيا ٬ بحال فشل جهودها بابعاد الجنرال حفتر عن عنهم ٬ وهي المساعي التي اكدت السفيرة الامريكية الجديدة في ليبيا علي ان نتيجتها – التي يأمل الامريكيون فعلا بان تاتي إيجابية – ستكون هي خيارهم الأول الذي سيراهنون عليه حتي الرمق الأخير .
ولقد ردت بوليتكو الإصرار الامريكي على هذا الرهان لأسباب بينها تمتع الجنرال حفتر بالجنسية الامريكية ٬ التي تجعل واشنطن غير راغبة بالدخول بحرب ضد امريكي وهو يصطف الي جانب الروس ٬ إضافة – وهذا الأهم – الي الصعوبة الشديدة باشعال حرب وكالة بالقدر المخلخل الذي تريده واشنطن للوجود العسكري الروسي في ليبيا بسبب بعد ليبيا كليا عن التصنيف السيسيولوجي المركب ٬ ما يحرم واشنطن من توفر الشرط الرئيس لاشعال حروب الوكالة الضارية وهو توفر المظالم التمييزية و استعداد التكوينات الاثنية و الطائفية لخوض صراعات دموية و ضارية بينها ٬ ولئن كان دس واخفاء اهداف وهويات أصحاب حروب الوكالة الحقيقيين بين احقاد وغبار وبارود معارك الصراعات الاثنية والطائفية يعد من بين اهم شروط لجوء الدول الامبريالية لتصفية حساباتها وتحقيق تمدداتها الجيو سياسية عبر حروب الجيل الرابع ٬ فان نقاء الليبيين من البنى الطائفية والاثنية – بحسب بوليتكو – لابد وان يقلب سحر أي محاولة لتوريطهم بحروب وكالة من النوع الاستراتيجي الثقيل علي صاحبه . ولعل هذا ما دفع بوليتكو الي الاعتقاد بان أي محاولة اعتماد من واشنطن علي الليبيين لتمثيلها بارواحهم ودماءهم بمعارك وكالة ضد الروس ٬ ستكون شديدة الصعوبة ان لم تكن مستحيلة ٬ خاصة مع زيادة وعي الليبيين بخطورة الدور الأمريكي ببلادهم وتصاعد شدة انتقادهم للسياسات الامريكية بليبيا ٬ التي تحملها الأغلبية منهم في ظل الظروف القاسية التي باتوا يعيشونها ٬ مسؤولية انتشار الفقر و العنف والفوضى والفساد و تأخير استقرار بلادهم.
بل ولعل الأهم هو تفطن الليبيين الي نية واشنطن بتوريطهم بحرب وكالة مدمرة قبل حتي ان تُخلق هذه الحرب فيهم ٬ حد ان الجماعات المليشيوية نفسها قد سبق لها وان سارعت صيف العام الماضي ٬ ومع اول تسرب لاخبار اتصالات اجراها أمريكيين وسماسرة يعملون لحسابهم لاقناع امراء حرب بالاستعداد للانضمام الي جهود لتحرير البلاد من الروس ٬ الي أصدار بيانات موسعه وشديدة اللهجة حول رفضهم لخوض حروب نيابة عن قوي اجنبيه ٬ ورغم وقوع عدد من التصفيات الجسدية الغامضة لامراء حرب عقب ظهور موجه رفض المليشيات الواسعة تلك لتوريطهم و بلادهم بحروب وكاله ٬ الا ان معظم امراء الحرب المحليين ما يزالون يرصدون وبتوتر شديد – ليس بصالح واشنطن قطعا – أي تجدد لهذا التجنيد والحشد الذي سبق لهم وان خونوه ببيانات سابقة لهم . ويبدوا ان هذه الحقيقة هي التي دفعت واشنطن الي الاتجاه نحو الاعتماد علي المرتزقة ٬ الذين يبدو ان الفيلق الأوروبي شكلا ٬ والامريكي جوهرا ٬ سيكون هو الوكر الذي ستجمعهم واشنطن فيه قبل انطلاقهم بحرب حرق العباد والبلاد في ليبيا. بيد ان هذا الخيار يظل – بحسب تقرير لمجلة السياسة المصرية – مقلقا لواشنطن ايضا ٬ بسبب انطواءه علي تهديد اكتشاف الليبيين مبكرا لمرامي هذه الحرب ٬ ما سيتسبب حتما ليس بحرمان هذه الحرب من الحواضن الشعبية الشديدة الأهمية لحروب الوكالة فحسب ٬ بل وبتعريض المرتزقة انفسهم الذين تتصاعد شدة كراهيتهم بين الليبيين الي خطر انقلاب الأهالي الذين سيتأذون منهم عليهم ٬ ما سيخلق اخطر التهديدات علي واشنطن وموسكو معا ٬ وهو توحد الليبيين ضدهما تحت راية الجهاد ٬ التي يمكن لرفعها ان يكون جذابا جدا للعشرات من الجماعات المتطرفة الضارية التي يعج بها كلا من المغرب العربي ضمن خلايا نائمة ٬ وإقليم الساحل والصحراء ضمن تكوينات صريحة ومتحدية.
وتأسيسا علي ما سبق ٬ يتكهن احد الملحقين العسكريين الغربيين الذي يعمل بسفارة بلادة بدولة مغاربية بارتفاع احتمال لجوء واشنطن وشركاءها الغربيين الي تكوين فيلقهم الأوروبي في ليبيا بخليط من المرتزقة والمليشيات المحلية ٬ وتحت قيادة شخص – ماتزال واشنطن تبحث عنه وتفضل ان يكون من أبناء القذافي بحال يأسهم من حفتر – وان كان مطلوبا ان يكون زعيما محليا له حاضنته الشعبية التي يمكنها إعطاء حرب الوكالة صفة الحرب الوطنية وتوفير ما يكفي من بشر ليكونوا وقودا لها ٬ وان يكون ندا لحفتر بحرب الاستقطاب الاجتماعي ٬ بيد ان شركات عسكرية خاصة بينها شركة امنتيوم الامريكية ٬ هي التي ستقود حروب المواجهة ضد الروس من خلف الكواليس ٬ ولعل قيام واشنطن بترتيب اجتياح شركة امنتيوم العسكرية الخاصة لغرب ليبيا ٬ والتي تعد من بين اهم المقاولين الخواص الذين يعتمد عليهم البنتاغون بتنفيذ البنيات التحتية لانتشاراته العسكرية خارج الولايات المتحدة ٬ هو احد اهم العلامات القوية علي ما تخطط له واشنطن في ليبيا ٬ بيد ان هذا المصدر توقع ان تشارك بحروب الوكالة هذه ٬ شركات سبق لها وان لعبت ادوارا بارزا بحروب الجيل الرابع بلبنان وأفغانستان والعراق وسوريا ٬ وهي البلاك ووتر وشركة هاليبيرتون العسكرية الخاصة، وشركة سادات العسكرية التركية الخاصة ٬ الي جانب الـ جي فور اس G4S او الجيش الإنجليزي الشركاتي الخاص ٬ وقرينته سكوبيكس Scopex الفرنسية.
كما ان واشنطن التي تسعي اليوم وباصرار شديد وبممارسة هيمنه غير مسبوقة علي القادة الليبيين لدفعهم لانتاج ميزانية ليبية ٬ في ظل استمرار اجبارها لهم علي مواصلة “تصارعهم الافتراضي” والتزامهم بالحفاظ علي تمزقهم الحكومي والمؤسسي ٬ بل والتي أعلنت دون خجل او مواربة عن ترتيبها لتقطيع اوصال هذه الميزانية بين حكومتين متوازيتين ٬ بل والي درجة جرجرت بعثة الوصاية نفسها للتورط بهذه الضغوط ٬ من خلال دفع واشنطن لخوري – بأول سفور لأسباب تنصيبها علي راس البعثة – للصراخ بعلو صوتها بإحاطتها الاولي امام مجلس الامن ٬ لمطالبة العالم بضرورة الانتصار لآخر السياسات الانتهازية الامريكية في ليبيا ٬ وهي فرض (ميزانية موحدة لحكومتين!!) . ولعل اغرب المستغرب لدي الكثيرين هنا ٬ هو اندفاع نفس هذه الواشنطن المفاجئ اليوم ٬ لجعل حيازة الليبيين لميزانية لحكومتين علي راس واولي اولوياتهم في ليبيا ٬ بينما هي نفس الواشنطن التي سبق لها وان منعت الليبيين منعا بات ٬ وعبر استخدام بعثة الوصاية نفسها ٬ من حيازة ميزانية لهم منذ حكومة علي زيدان وحتي اليوم ٬ من خلال اصرارها علي توريط الليبيين بالإنفاق العام عبر قاعدة ما يسمي بـ 12/1 ٬ التي اشاعت الفوضى المالية وهدر الموارد العامة ونشر الفساد الرجيم بالبلاد !؟ بيد ان هؤلاء المستغربون لابد وانهم لا يعرفون ٬ بان هذا التلون او السعي الأمريكي الجديد في ليبيا لا يرتبط بتحقيق مصالح الليبيين كما هي عادة كل سياسات واشنطن في ليبيا ٬ وانما يرتبط بسعيها لتحقيق ثلاث مصالح مثلت غايات استراتيجية لها بهذا الوقت بالذات وهي: محاولة تعطيل الماكينات الروسية التي سبق وان تورطت بطباعة أموال ليبية ٬ والتي كان لها دورا بارزا بتوفير تمويلات مالية مهمه للفيلق الافريقي الروسي في ليبيا ٬ وذلك من خلال جر قدم الرجمة الي نيل نصيب من هذه الميزانية ٬ بعد ان كانت واشنطن تُحرم وصول الأموال الليبية العامة بصورة قطعية الي الجنرال حفتر ٬ وذلك مقابل عدم تواطؤ هذا الأخير بطباعة أموال مع الروس ٬ بالإضافة الي سعي واشنطن الأخطر وهو توفير التمويلات المطلوبة من أموال الليبيين لتأسيس فيلقها الأوروبي في ليبيا ٬ الي جانب الاستعداد المالي لتمويل جحيم حرب الوكالة ٬ التي تنتوي خوضها ضد الروس بحال اضطرت اليها ٬ وذلك في ظل حقيقة ان الكونجرس الأمريكي المتورط بتمويل المذابح بأوكرانيا والابادة الجماعية بغزة ٬ سيواجه بيته الأبيض بجنون حقيقي بحال تجرأ هذا الأخير وطلب منه أي تمويلات لحربه ضد الروس في ليبيا. واما الدافع الأهم فهو طبيعة العقلية الامريكية ٬ التي لابد وانها تتساءل في مثل هذه الظروف : لما نورط أموال دافع الضرائب الأمريكي بتمويل حرب ٬ طالما وجدت سلطات فاسدة وغبية علي استعداد لتمويل تدمير بلادها من أموال شعبها !؟.
ورغم ان أطرافا ليبية كانت قد اقترحت علي واشنطن تمويل فيلقها الأوروبي من الأرصدة الليبية المجمدة ٬ ورغم قبول واشنطن بدراسة هذه الفكرة ٬ الا انها سرعان ما عادت وأعلنت تمسكها بفكرة الميزانية ورفض فكرة استخدام الأرصدة المجمده جملة تفصيلا ٬ ورغم تبريرها لرفض فكرة استخدام أجزاء من الأموال الليبية المجمدة ٬ بسبب الحاجة لموافقة موسكو وبكين علي صرفها بقرار من مجلس الامن وهو ما سيضع هذا الطلب بحسب التبرير الأمريكي تحت رحمة الفيتو الأحادي او الثنائي ٬ خاصة و ان موسكو وبكين ستعلمان بان هذه الأموال ستذهب الي تأسيس الفيلق الموجه ضدهما ٬ الا انه ورغم منطقية هذا التهرب الامريكي ٬ الا انه لا يمثل الحقيقة ٬ التي تؤكد مصادر حكومية روسية بان رفض واشنطن لفكرة استخدام الأموال الليبية المجمدة ٬ انما يعود الي ان هذه الأموال لم تعد موجودة أصلا لانه سبق لواشنطن وان انفقتها علي تمويل حرب أوكرانيا . كما ان نفوذ واشنطن القاهر علي الأمم المتحدة عموما وعلي بعثة الوصاية علي ليبيا علي وجه الخصوص ٬ قد يسر لها فعلا خلق ما يسمي بعملية صوفيا التي طورتها لاحقا الي عملية ايريني ٬ الواقعة برمتها تحت السيطرة المباشرة لقائد القوات الامريكيه بايطاليا ٬ والتي تسيطر بدورها علي المياه الاقتصادية الليبية ٬ وترعى اكبر حملة نهب للثروة السمكية فيها . كما ان نفوذ واشنطن علي الأمم المتحدة وبعثة الوصاية قد قادها أيضا الي الاستفادة من نظام الوصاية علي ليبيا بخلق ما يسمى بمنظمة يوبام الأوروبية التي تسيطر واشنطن على ادارتها وتوجيهها كليا بواسطة افريكوم ٬ وهي المنظمة الغريبة والغامضة التي تسيطر بدورها علي اقل القرارات شأنا بتحديد مصير ومستقبل الحدود الليبية ٬ بل والمتورطة عمليا بحكم حقيقة وواقع استمرار نزيف تدفق الهجرة غير الشرعية نحو ليبيا ٬ رغم الوجود المبكر لهذه المنظمة الأوروبية والحليفة للنيتو بحكم تكوينها الغربي ٬ والتي يدعي الغرب بانها ما بعثت الا لحماية الحدود الليبية ٬ بينما تقول الحقائق الشاهدة علي الأرض بان هذه المنظمة ما وجدت الا لتعطيل كل خطوة حقيقية لوقف نزيف الهجرة غير الشرعية نحو التراب الليبي.
بيد أن انتهازية واشنطن حيال استغلال الأمم المتحدة وبعثة وصايتها في ليبيا لم تقف عند هذا الحد ٬ حيث ان واشنطن هي التي تخطط وتشرف علي ارسال من تسميهم بخبراء تابعين للجنة العقوبات الدولية الخاصة بليبيا ٬ والتي تسيطر واشنطن كليا علي توجيهها ٬ للقيام بزيارات دورية مفاجئة للمؤسسة الوطنية للنفط ٬ وتحديدا لادارة التسويق الدولي ٬ وعلى طريقة زيارات لجان التفتيش المفاجئة لوكالة الطاقة الذرية ٬ وذلك لتعقب مصير كل سنت وكل قطرة نفط من مبيعات موارد الطاقة الليبية، إلى جانب استفادة واشنطن بلا حدود من نتائج الزيارات المفاجئة للمؤسسات المحلية التي تقوم بها بعثة الوصاية في ليبيا لكل القطاعات والمؤسسات المحلية لتفتش اوراقها وسجلاتها ٬ بل والتفتيش حتي بنواياها ٬ منذ الـ2011، و ضمن ما يمكن تسميته بأكبر عملية هتك عرض ونهب لأسرار وخصوصيات دولة مستقلة، وتكتسب هذه الزيارات الدورية صورة شبه فجائية وشبه تفتيشية، ولطالما قامت هذه الزيارات علي معلومات وصلت الي البعثة (من او عن) هذا القطاع أو ذاك عن حالة تتطلب دك أنفهم بأمر من الأمور لصالح هذا الطرف أو ذاك، وتشمل هذه الزيارات التي غالبا ما يصطحب فيها أعضاء البعثة غرباء معهم يقدمونهم علي انهم تابعون للمنظمة الفولانية ـو مراكز الدراسات العلاني أو (حي الله) اسم من الأسماء التي ما أنزل الله بها من سلطان، كافة القطاعات دون استثناء، وبما فيها القطاعات العسكرية والأمنية العلنية والسرية والكيانات المليشيوية، بل أني شهدت شخصيا ذات مره إغلاق قطاع كليا بوجه المواطنين، وطرد من فيه منهم قبل وصول موكب البعثة بأكثر من ساعتين، تم خلالها محاصرة مقر ذلك القطاع بأشخاص مسلحين شديدي الغلظة والفظاطة، يصعب الجزم إذا ما كانوا ليبيين أم أجانب.
ويتذمر الكثير من الخبراء وكبار الموظفين المحليين – حد فيضان غضبهم بالمجالس والمحافل الاجتماعية – من استغلال بعثة الوصاية لهذه الهجمات المنظمة بجمع المعلومات ٬ وما وصفوه بعمليات السطو علي قواعد بيانات القطاعات من خلال ممارسة الفرق الأجنبية الزائرة والمجهولة والمتغيرة الوجوه للسيادة المتغطرسة علي القطاعات الليبية علي اختلاف أنماطها، باسم أوهام الدعم ونقل الخبرة وتقديم المساندة الفنية، التي لطالما تعلمها خبراء البعثة من الخبراء الليبيين وعلى العكس، بل ويتهم خبراء ليبيين بعثة الوصاية بأنها قد أقامت ما يشبه حكومة الظل، من خلال الجيش الجرار من العاملين فيها ممن تسميهم بالخبراء، و الذين لا يوجد أي ضمانات لدي القطاعات الوطنية التي تمنحهم معلومات موسعة عنها، وتفتح أمامهم قواعد بياناتها على مصاريعها، عن انقطاع صلة هؤلاء الغرباء بأعمال التجسس، في ظل دور البعثة المتشعب والهلامي، وتقاطع اعمالها مع كثير من السفارات والدول والمنظمات المجهولة الأصل، وانعدام الرقابة على أنشطة هؤلاء الخبراء من أي جهات موثوقة لدي الليبيين ٬ الي جانب طبيعة علاقات هؤلاء الغرباء الشبكية، وتنوع جنسياتهم، وتميز رواتبهم وامتيازاتهم التي تجعلهم على استعداد للدفاع عنها بأي ثمن، خاصة مع انتماء جل هؤلاء إلى دول ضعيفة وغير قادرة على حمايتهم ضد التسلط الأجنبي، بل ولقد لوحظ بان جلهم ينحدرون من دول مأزومة أصلا، كالسودان والعراق وسوريا ولبنان واليمن، ودولا افريقية تقع حكوماتها اما تحت الهيمنة الفرانكفونية أو الإجلوسكسونية، كما عبر كثير من التكنوقراط الليبيين عن مخاوفهم من حجم ما يتجمع و يتوفر لدي بعثة الوصاية من معلومات وبيانات وخطط ومخططات وبرامج وعناية بمصالح استراتيجية لدول أجنبية، جعلت ما يتوفر لديها من تفاصيل عن الدولة والمجتمع الليبيين يفوق ما توفر من معلومات وبيانات وقدرات لكل حكومات فبراير من أولها الي اخرها ٬ بل واعتبر هؤلاء بان هذه القدرات الحكومية الضخمة المتجمعة لدى بعثة الوصاية الأجنبية بالنهاية، يمكنه هز (وليس ليبيا فحسب) بل والإقليم هزا، بل ويصر هؤلاء على اعتبار أن ما يتكدس ببعثة الوصاية من معلومات بارزة وحساسة لا بد وأنه قد جعلها هدفا لكل أجهزة المخابرات الإقليمية والدولية ما يشكل خطرا استراتيجيا متواصلا علي استقرار ليبيا قد يستمر لعقود طويلة.
ولأن واشنطن هي المستفيد الأول والأوحد والأقوى من الأمم المتحدة ومن أمينها العام ومن كل وجود وخدمات بعثة الوصاية الأممية في ليبيا التي تسيطر من خلالها علي الحكام المحليين وأدوات الحكم وتجمع من بينهم المعلومات والبيانات دون ان يُسمح لهم بالاعتراض او التحجج بالتصنيف السري للبيانات ٬ ولان واشنطن تحتاج و بشدة الي توظيف إمكانات دولة بحجم واهمية ليبيا بتصفية حساباتها مع دول اخري ٬ ومكافأة اتباعها من موارد الليبيين القُصر ٬ وهو ما بلغت خطورته حد اجبار واشنطن لوكيلها بالبنك المركزي علي منح قروض وودائع صفرية لدول هي افضل حالا علي كل الصعد من ليبيا ٬ بل ان بين هذه الدول من تعد دولا عظمي عند مقارنتها بليبيا الفاشلة والمنهارة والمحتلة ٬ لتصبح هذه الأموال المهدورة (والتي بات مشكوكا باستردادها أصلا ٬ بل ان بعضها قد تمت تسويته فعلا بفواتير تعج بالفساد والأرقام المزورة حول توريد معدات حربية وتقديم خدمات قتالية وعلاج مقاتلين) من بين اهم أسباب انهيار الوضع الاقتصادي في ليبيا . ان كل هذا وغيره مما يصعب جدا حصره ٬ من مظاهر النفوذ الأمريكي علي بعثة الوصاية علي ليبيا ٬ لن يشكل له تغيير خوري بشخص اخر غير موال لواشنطن برئاسة بعثة الوصاية في ليبيا ٬ الا كابوسا حقيقيا ٬ وخاصة بحال وقوع تهديد نجاح موسكو وبكين وباريس بالمجيء برئيس بعثة يلتزم ولو الحياد النسبي تجاه كافة القوي الأجنبية المتدخلة بليبيا . ومن هنا كانت حقيقة انه لم تستنسخ واشنطن النعجة الدولي وتدفع كلفة الاستنساخ العالية ٬ لتسمح لجزار بذبحها قبل ان تحقق منها ما أراد تحقيقه من نفوذ وهيمنة.
ما هي الحالة الوحيدة التي يمكن لواشنطن أن تخضع فيها لتعيين وصي أممي خلفا لباتيلي!؟
لا بد من التأكيد بداية على ان واشنطن قد قامرت فعلا بمستقبل بعثة الوصاية على ليبيا بتحويلها “للمستنسخة خوري” الي وصية جدلية ٬ تنظر اليها كلا من موسكو وبكين وربما باريس أيضا ٬ بل وربما قوى دولية أخرى تعول على تطوير مصالحها في ليبيا وتواجه بعداء شديد من نفوذ واشنطن علي البعثة ٬ من نوع الحديث الشائع بين نافذين ليبيين عن لعب البعثة لدور مباشر بإغلاق كل الأبواب بوجه الحضور الاقتصادي الصيني في ليبيا ٬ حد ان كثير من القوي الأجنبية باتت تنظر إلى بعثة الوصاية على ليبيا على انها مجرد خادمة للسياسات الأحادية الامريكية الموجهة برمتها للاستحواذ الكامل على ليبيا، وعليه فإنه من غير المستبعد أبدا أن تواجه البعثة تهديدا حقيقيا لوجودها نفسه، حيث انه من غير الطبيعي أبدا أن ترى موسكو وبكين عدوتهم واشنطن وهى تستخدم بعثة الوصاية في ليبيا استخداما خاصا و حادا ضد مصالحهما فيها دون ان يحركا ساكنا، وهما الذين يمتلكان زرا بإمكان احدهما او كليهما ٬ كبسه مجرد كبسة، لتنطفئ كل أضواء بعثة الوصاية وتذهب نحو العدم و الفناء ٬ بل ولعل ما لابد وانه يقلق واشنطن وبشده اليوم ٬ هو يقينها بأهمية الشعبية الجماهيرية التي يمكن لصاحب هذه الكبسة ان يحظى بها في ليبيا بسبب تنامي كراهية الليبيين لبعثة الوصاية عليهم وتحميلهم لها (وهم محقون) لكل ما يجتاحهم من مظاهر عجز وفشل دولتهم ٬ ولكل ما يفسد استقلالهم ويخرب استقرارهم من فتن وفساد وعنف.
وعليه فإننا إذا ما اضفنا عبارة «في أقرب وقت ممكن»، التي وردت في أول بيان حاسم صدر عن مجلس الامن الدولي فور إعلان غوتيريش عن قبوله لاستقالة باتيلي، وهي العبارة التي قصد بها المجلس تعيين خلفاً لهذا الأخير بأسرع الآجال، إلى موقف موسكو المبكر من خوري، والذي ظهر فور الإعلان عن تعيين غوتيريش لها علي طريقة الهجرة غير الشرعية واهداف التسلل ببعثة الوصاية على ليبيا، و ضمن منصب صمم سلفا وعمدا ليؤهلها لقيادة البعثة فور غياب باتيلي ٬ وبصورة طارئة او دائمة ٬ وهو ما وصفته وسائل اعلام روسية مقربة من الكرملين بالتنصيب المتلاعب بالإرادة الدولية ٬ قريت اتهامها لواشنطن بعودتها الي ضلالها القديم ٬ في اسقاط مباشر علي إعادة استنساخها لما سبق وفعلته مع ستيفاني وليامز ٬ واذا ما زدنا علي هذا تلميح احد الكتاب المقربين من بوتن بان موسكو قد تجد نفسها بوضع تعتبر فيه بعثة الوصاية في ليبيا مجرد قسم من اقسام السفارة الامريكية بطرابلس ٬ بل والتهديد – وهذا ما سبق لموسكو وان لوحت به فعلا بمناسبات سابقة – برفض روسيا وربما الصين أيضا، التجديد لولاية جديدة لأنسميل في ليبيا ٬ فان واشنطن التي تعتبر البعثة اهم (اذن لها في ليبيا) من بين جملة (الاذان) الأخرى التي تجر منها البلاد بأسنانها عضا من الـ2011، وحتى ساعتنا هذه، فإننا هنا، وهنا فقط، علينا الاطمئنان الي حتمية خضوع واشنطن للقبول بإجراء مداولات جادة حول تعيين مبعوث اممي جديد يكون خلفا لخوري فور تحول تهديد موسكو الي فيتو رسمي بإلغاء بعثة الوصاية في ليبيا.
ورغم احتمال مواصلة واشنطن استهتارها بالنظام الدولي، والذي سبق وان بلغ حد إحالتها بوتن الي المحكمة الجنائية الدولية، بارتفاع احتمال تجاهلها او رفضها الاستجابة لأي إجراءات روسية لإنهاء وجود بعثة الوصاية في ليبيا، وقيامها (وهو المتوقع الأرجح) بمطالبة البعثة بالاستمرار بأداء مهامها حتي بحال صوتت موسكو وبكين ضد التمديد لها ٬ الا ان واشنطن لن تفعل هذا عمليا الا لمجرد اكتساب بعض الوقت علي امل ان تنجح خلاله اطرافا موالية لها باقناع الروس ولو بالتمديد المؤقت للبعثة ٬ فواشنطن تعلم يقينا بانها ستكون واهمة جدا بحال تصورت قدرة البعثة ٬ التي ستقع مقاطعتها فعليا بحال استخدام موسكو للفيتو منفردة ام قرين بكين برفض التمديد لها ٬ من الكثير من الأطراف الوازنة ٬ وعلي راسهم مجموعة بريكس التي ستجد في هذه الازمة فرصتها المنتطرة لافتراس قطعة كبيرة من نظام القطب الواحد الذي يتضرر منه النفوذ الدولي لكل عضو من أعضاءها ٬ ويدفع بكل دولة منها الي التساؤل لما لا أكون انا أيضا قطبا دوليا وانال نصيبا من النفوذ الدولي وانا احق بذلك من تفرد أمريكا المضمحلة بكامل النفوذ الدولي!؟ وأما الخطر الحقيقي الذي ستواجهه واشنطن بحال تجاهلت الفيتو الروسي فهو توسع شعبية الدول المؤيدة لمجموعة بريكس وخاصة تلك التي ضاقت ذرعا بالطغيان الأمريكي وما اكثرها . خاصة وان مجموعة بريكس لن تستغل السقطة الامريكية هنا بإعلان كفرها بالله او تمردها علي النظام الدولي ٬ لان واشنطن هي التي ستكون الكافرة بقواعد النظام الدولي الذي صاغته وفرضته بيديها ٬ بينما ستكتفي مجموعة بريكس بإعلان التزامها بالقانون الدولي القائم براسه علي قاعدة لعبة الفيتو ٬ بل ان الكلفة هنا بحال نشوء هذه الازمة ٬ ستكون عالية فعلا علي واشنطن حتي بحال اصطفاف بعض الدول الي جانبها، لأنه سيكون اصطفاف ابتزازي، ورغم أنه لطالما رحبت واشنطن بابتزازها عندما تحاصرها الخطوب ٬ الا ان الامر سيكون مختلفا جدا هذه المرة . هذا إلى جانب توقع قيام أطرافا ليبية وعلى رأسهم الرجمة، إما باعتبار بعثة الوصاية كيانا لم يعد له وجود فعلا، وإما بالقيام بابتزاز واشنطن مقابل مواصلة التعامل مع البعثة ٬ والذي حتي وان تم فعلا ٬ فان هذه الأطراف المحلية لن تعتبر نفسها ملزمة بكل مل سيترتب عليه ٬ او انها ستتعامل مع البعثة بسياسة المكيالين ٬ بمعنى أن كل طرف سيأخذ من سياساتها ما يريد وسيرمي ما لا يناسبه ٬ كما يتوقع أيضا توسيع هذه الأطراف لأشكال تمردها على بعثة الوصاية، ومن هنا فإن الأمر المؤكد هو تراجع قدرة البعثة علي مواصلة وصايتها على ليبيا، في ظل ما سيحدث من انقسام دولي حاد بين واشنطن و موسكو ٬ والذي يمكنه ان يكون الشعرة التي ستقسم ظهر بعير النظام الدولي ٬ او علي الأقل تعزيز الجهود الجارية لدفعه الي حافة الهاوية، بيد أن الحقيقة التي لا تقبل الشك هنا ٬ هي ان واشنطن التي تعتبر ليبيا كنزها الثمين الذي لطالما لاحقته منذ ظهور قواتها البحرية لأول مرة بالخامس والعشرين من أكتوبر من العام 1775 ٬ بحسب المؤرخ الأمريكي فريدريك تورن، والتي تعتبر قرار حماية المدنيين وبعثة الوصاية في ليبيا من بين أهم أدوات صيدها التاريخية لهذا الكنز العظيم ٬ سوف لن تسمح لموسكو بدفن بعثه الوصاية في ليبيا (خاصة وانها ليست الا قسما من اقسام السفارة الامريكية في ليبيا فعلا بحسب وصف صحيفة روسية) ولو كلفها ذلك القبول بأن يكون شقيق بوتين أو شقيق شي جين بينغ على رأس بعثة الوصاية، لقد حفرت واشنطن ما يكفي من خنادق أسفل جدران البعثة للتحصن فيها منذ الـ2011، وعليه فإنه لن يضيرها ان يكون شقيق الرئيس الروسي او الصيني على راس البعثة طالما ان لديها ما يكفي من إنفاق لتخفي فضلاتها فيها، فالمهم هو أن تظل هذه البعثة جاثية على صدور الليبيين، وإما ما عدى ذلك فإنه يمكن لواشنطن أن تضع لكل مقام مقال.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً