ما يثير الكثيرين من الليبيين أن جميع رموز الدولة من رؤساء وزارات ووزراء ووكلائهم ومعظم رؤساء الأجهزة السيادية قد تم تغييرهم خلال السنوات الخمسة الماضية عدا المفتي ومدير مصرف ليبيا المركزي، أي الممثلين للجانب الروحي والجانب المالي للدولة،ولقد واجه كل منهما حملات شعوا لإقصائهما من أطراف متعددة، إلا أنهما صمدا حتى الآن دون تغيير يذكر في الأشخاص أو الهيكلية الإدارية، رغم وجود العديد من الملاحظات عليهما.
أما مدير مصرف ليبيا المركزي فقد دافع عن منصبه بالصمت والإبتعاد عن التصريحات المباشرة، وساعده في ذلك إرتباط الإقتصاد الليبي بالشركات المتعددة الجنسيات وخاصة النفطية والإستثمارية منها، مما جعل الدول الكبرى مناصرة للمحافظ في سياساته ومساعيه. سياسة الصمت في زمن الأزمات سياسة حكيمة، حيث لا يوجد ما يدعم تطمين المواطنين والمؤسسات مع تداعي جميع المؤشرات الإقتصادية، وعندما خرج عن القاعدة رئيس الوزراء السابق ليصرح أن الأمور الإقتصادية والمالية جيدة، أجبر على الإستقالة من المؤتمر الوطني، وربما من أطراف أخرى.
نهج الصمت لا ينفع مع دار الإفتاء الليبية وهي شعلة الثورة منذ البداية، وليس من طبيعة الشيخ الصادق عبد الرحمن الغرياني، وهو الذي صرح بالخروج عن القذافي وهو لايزال في إحدى نواحي طرابلس متخفياً عن السلطة العسكرية القمعية، والصمت لا يعدوا أن يكون تنازلاً عن ركن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع أن مشائخ الشيعة المرجعية مثل الشيخ على السستاني بالعراق يلاقي قبولاً جيداً من جميع الطوائف بسبب عدم ظهوره للعلن والإكتفاء بالبيانات الرسمية فقط.
منذ الإستقلال توالى على دار الإفتاء العديد من المشائخ أولهم المفتي محمد أبوالأسعاد العالم الذي عين سنة 1951م، وأخرهم الشيخ صبحي، ثم بقيت دار الإفتاء بلا مفتي حتى ألغيت سنة 1983م، وأسند عملها إلى الأوقاف مع مشاركة أجهزة أخرى مثل الدعوة الإسلامية وهيئة الإستشعار عن بعد لتحديد مواقيت الأهلة والمناسبات الدينية. بعد إلغاء دار الإفتاء ألغيت السنة النبوية، وإقتصر الوعظ على المسائل التعبدية فقط، مما جعل الكثير من الشباب يتوجهون إلى السعودية للعمرة وللتفقه مباشرة أو غير مباشرة على أيدي مشائخ الحنابلة السلفية، وحيت أنهم شباب صغار السن وأكثرهم لا يحمل مؤهلات دينية معتبرة، فأصبحوا دعاة لمشائخهم على المنابر، رغم التضييق عليهم من العهد السابق ووصفهم بالزنادقة والزج بهم في السجون.
بعد الثورة المباركة صدر القانون رقم 12 لسنة 2012م بشأن تأسيس دار الإفتاء وكان على رأسها الدكتور الشيخ الصادق الغرياني، ووضع للدار مهام منها تقديم الفتوى في الأمور التي تعرض عليها. وفي هذا الحين نشط الشباب السلفي كثيراً بعد إنقشاع المانع الأمني فأعتلى أكثرهم منابر المساجد، ودُعموا بالإذاعات الممولة من الخارج مثل صوت السلف، وإنتشرت مطبوعاتهم التي توزع بالمجان، وتُهدى للمساجد بلا مقابل أو بمبالغ رمزية، في حين إختفت برامج الفتوى على المذهب المالكي مثل فتاوي الشيخ الشويرف والشيخ المدني ولم تعد كتب المالكية مثل المدونة الكبرى والصغرى والموطا لها مكان في المساجد، وأصبحت الفتوى تستورد من مشائخ السعودية، ولقد نتج عن ذلك قطاعات كبيرة من الشعب تتحول (صوريا) إلى المذهب الحنبلي وأعني صوريا إتباع المذهب الحنبلي في الكثير من الأمور الشكلية منها؛ القبض في الصلاة والفرجة بين الأرجل، ومنع دعاء القنوت، ومنع إسدال الثياب، ومنع الدعاء الجماعي بعد الصلاة وعند نهاية خطبة الجمعة، والصلاة بالأحدية، ومنع طبخ الفول في عاشورا، وتكفير زيارة الأوليا، ونبش القبور من المساجد، ومنع كلمة سيدي، وتحريم حلق اللحية وغض الطرف عن صبغ شعر الرأس بالحناء، وإستعمال السواك صباح مساء.
بالمقابل درجت دار الإفتاء على مستويين لإصدار أرائها، أولها طلب الفتوى من شخص أو جهة إعتبارية، ويكون الرد بفتوى مدونة ومرقمة، وهي فتوى شرعية، أما المستوى الثاني المثير للجدل هو خطب ودروس واللقاءات التلفزيونية للشيخ الصادق الغرياني، وهي أراء شخصية وفقا لمذهب الإمام مالك في معظمها مع التنويه إلى المذاهب الأخرى، ولكن معظم طلبة العلم من شباب السلفية والساسة المناهضين له يعتبرونها فتوى لا يجوز أن تصدر عن مفتي ليبيا وهو ما ألب عليه الكثير من معارضيه من شتى الملل والنحل. وبذلك أصبح المفتي المالكي المذهب يقدم فتواه لشعب تحول دعاته وخطبائه والكثير من أفراده إلى المذهب الحنبلي السلفي.
هذا التعارض المنهجي بين أراء المفتي ووعاظ المساجد والسياسيين وبعض المثقفين في الكثير من المسائل اليومية المحورية مثل مناهضة الثورة المضادة، ومناهظة جرائم حفتر في الشرق الليبي وتنظيم داعش، والإنحياز إلى الإسلام السياسي زمن الإنتخابات وإلى فجر ليبيا زمن الحرب، جعل منه شخصية جدلية يتمسك بها الكثير من قيادات الغرب الليبي وينبذها مجلس النواب وداعموا مخطط الكرامة، مما جعل مجلس النواب يصدر قرار بعزل المفتي بتاريخ 13 أغسطس 2014م، وأصبح يسمى عند الإعلام الإماراتي الموجه لليبيا بمفتي المؤتمر الوطني، وحينها تم تعيين مفتي لمجلس النواب من طلبة العلم السلفية ولكن ليس له تأثيراً يذكر.
من الواضح ان البلاد تشهد تغييرات عميقة على جميع المستويات، وتحركها المصالح الجهوية والعربية الإقليمية أكبر من الأيديولوجيا مما يفسر إنضمام مجموعة الميار السلفية إلى كرامة حفتر، رغم أنهم من الإسلاميين، ضد شورى ثوار بنغازي ودرنة المحسوبين على التيار الإسلامي، ومع عدم قدرة دار الإفتاء على وضع ضوابط للنشاط الدعوي وعجز الدولة عن التحكم في بث الإذاعات الموجهة والمنشورات المدعومة من الخارج وعدم وجود خطة وطنية للنهوض بالمواطنة الحاضنة للتنوع الديني أو المذهبي، تكون دار الإفتاء على مرمى النيران لسنوات قادمة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
مقال عبثي وبيع كلام … هههه غير نحي حرف الدال . وخليك عيسى حاف
العنوان بشكل والكلام تجميع ليس له علاقة بالعنوان ، اعتقد انه امازيغى اباضى ولم يشر الى ذالك ؟؟؟!!!