كل المقاربات الأمنية لمعالجة قضية الهجرة بين ضفتي البحر المتوسط، لم تحرز أي تقدم ملموس يحد من مخاطرة الآلاف، بالإبحار على قوارب مكتظة، معرضين للغرق والموت في أي لحظة ترتفع فيها الأمواج، أو يتعطل محرك القارب، إذ مايزال العشرات، وربما المئات، يندفعون إلى البحر، فيما ينتظر آلاف آخرون على الساحل الأفريقي دورهم.
الظاهرة أضحت معقدة، وذات أبعاد متعددة سياسية واقتصادية وحقوقية وجنائية، تديرها شبكات كبيرة، وعصابات محترفة، تدر عليها الملايين، ورغم كل المآسي التي وقعت خلال السنوات الماضية، بغرق عشرات المراكب والقوارب، إلا أن أعداد الراغبين في الوصول إلى الشاطئ الأوروبي في تزايد.
اليأس من تحقيق حياة كريمة، والنزاعات المسلحة، وتدهور الأوضاع على كافة المستويات، هي أهم دوافع الهجرة من الجنوب إلى الشمال، وما لم تعالج هذه الأسباب، فإن الهجرة ستبقى سلعة مطلوبة، وسعيا وراء الربح والثروة، ستعبد لمساراتها الطرق السرية على الحدود، وعبر الصحارى والبحار، وتنعقد لها أسواقا رائجة، تستقطب عصابات الجريمة المنظمة.
وهذا ما فرض على الدول المتضررة من الهجرة، البحث عن مقاربات مختلفة، تتجاوز الحل الأمني، أو استغلال الأزمات الاقتصادية لدول العبور، بفتات القروض والمساعدات، التي قد تتحول إلى عامل ابتزاز، يجرى تفعيله من قبل سلطات دول العبور للحصول على مكاسب سياسية أو اقتصادية.
إيطاليا، وهي البلد الأقرب لتونس وليبيا، وكذلك بعض الدول الأوربية الأخرى، باتت تدرك أن المعالجة الجذرية للظاهرة المستفحلة، تستوجب الاهتمام بالتنمية في دول المصدر، وهذا ما طرح بشكل واضح في المؤتمر الدولي، الذي عقد في روما الأيام القليلة الماضية، عبر كلمات عدد من قادة الدول المشاركة في المؤتمر، بالإضافة إلى ما طرحته رئيسة الحكومة الإيطالية، بتسهيل الهجرة القانونية المنظمة عبر البوابات الشرعية.
ثمة عامل آخر مهم ستقف عليه الدول الغربية يوما ما، لكي تنجح برامج التنمية في الدول الأفريقية، وتؤتي ثمارها، عبر تطوير اقتصاديات هذه الدول، وخلق فرص حياة كريمة لشعوبها، وهو التوقف عن دعم أنظمة الحكم الدكتاتوري الاستبدادي، لأن فشل برامج الدعم السابقة في تحقيق تنمية تنهض باقتصاديات الدول الفقيرة، هو استيلاء الطبقات الحاكمة الفاسدة على مخصصات الدعم، وإعادتها إلى أرصدة خاصة في بنوك أوروبا، وكذلك التوقف عن مقايضة الحكام المستبدين، بعقد صفقات لشراء السلاح، مقابل عدم إثارة ملفات انتهاكات حقوق الإنسان في بلدانهم.
إن تغليب المصالح الاقتصادية، وإضفاء الشرعية على السلطات الانقلابية، على حساب دعم الديمقراطية والحكم الرشيد، في بلدان الجنوب، سيحطم آمال الشعوب في تحقيق حياة كريمة، ويدفع الآلاف إلى الهجرة.
ومن ثم فإن المواقف الحازمة من الدول الأوروبية الكبرى من قضايا الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، وقرن تقديم المساعدات باحترام قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ستكون حجر الزاوية في إقامة الحكم الرشيد في بلدان الجنوب، وستمنح الفرصة للشعوب المستضعفة لتبني مؤسساتها، وتختار قادتها بالانتخابات، وتفرض عليهم رقابة صارمة عبر هذه المؤسسات، للحد من الفساد و الزامهم باستثمار المساعدات والقروض الميسرة في برامج التنمية، في هذه الحالة فقط يمكن لبرامج تنمية قطاعات التعليم والصحة، تحقيق نهضة تصنع الفارق، وتمنح الشباب أملا حقيقيا في حياة كريمة، تزيل من نفوسهم الرغبة في الهجرة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً