يمكن سرد العديد من الأسباب التي قد تؤدي وأدت إلى قيام المظاهرات وأثارت غضب الشارع الليبي، لكن بالمقابل يمكن اختصار كل هذه الأسباب بسبب الفشل السياسي نتيجة تكالب المتصدرين للمشهد السياسي على السلطة وتمسكهم بها، على حساب الوطن والمواطن. هذا الفشل بالطبيعة أدى إلى تدهور الأمور الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وبالتالي مست حياة الإنسان العادي الذي ربما لا يكون له اهتمام بالسياسة، أو أن السياسة آخر ما يمكن أن يهتم به.
المؤشرات تدل على نية تصعيد المظاهرات، ومنظمي المظاهرات أصبغوا عليها صبغة رسمية من خلال لجوئهم إلى الجهات الرسمية ومطالبة وزارة الداخلية بمنحهم تصاريح للتظاهر، مما يعني أن الداعين إلى هذه المظاهرات يعووا تماما ما يقومون به، ويسعون إلى استمراره حتى تتحقق مطالبهم في إسقاط الأجسام المتهالكة التي أدى وجودها إلى تأزيم الحالة التي وصلت إليها البلاد وانعكست على العباد. إلا أن هذا الوعي يقابله وعي المؤسسات القائمة بخطورة الهبة الشعبية وستعمل بكل ما تستطيع على إجهاضها، والمؤشرات كثيرة على نية تعامل المؤسسات المستهدفة مع إجهاض الحراك، فتيار “بالتريس الشبابي” صرح بأن إدارة التيار “تتعرض إلى حملة من قبل الحكومات والمؤسسات التشريعية الفاقدة للشرعية”، وأن التيار “ينفي قبول أي عرض مالي أو إداري من قبل سارقي المال العام”. ويصر التيار في تصريحاته وإدراجاته على مواصلة التظاهر السلمي ضد كل الأجسام الموجودة، والمطالبة بإزالتها عن طرق إجراء انتخابات عامة في أقرب الآجال.
وأدان الحراك الاختراقات التي سببت في حرق وإتلاف بعض الممتلكات العامة وإغلاقها للطرق، وقد حمل الحراك مسؤولية هذه الاختراقات إلى أصحاب الأجندات السياسية التي تحاول استغلال العضب الشعبي لتحقيق مآربها.
وأول مؤشرات التصدي لهذه المظاهرات برزت على لسان المستشار عقيلة صالح الذي اعتبر أن مهاجمة مقر مجلس النواب وحرقه هو عمل مدبر لإسقاط السلطة التشريعية، وعلل ذلك بأن مطالب المتظاهرين تستهدف الحكومة لا البرلمان، إلا أنه تناسى بأن الصور التي حملها المتظاهرين تضع علامة “X” على ملصقات ولافتات تحمل صورته ضمن صور أخرى. كما اجتمع مع أعضاء البرلمان الموالين له في مكتبه تناول موضوع المظاهرات والتقى بتجمع شبابي من المنطقة الشرقية أصدر هذا التجمع إثر اللقاء بيانا يدعم فيه رئيس البرلمان.
والحراك لا يستهدف جهة دون أخرى، بل يستهدف جميع المتصدرين للمشهد السياسي، ولا يرى فرق بين حكومة الدبيبة أو باشاغا، وبالتالي لا يمكن استعماله كورقة ضاغطة على جهة ضد جهة أخرى، رغم أن الجميع سيحاول ركوب موجة التصعيد الشعبي ومحاولة الإيحاء بأنه مساند له ويقف إلى جانبه، إلا أن للجميع مأرب أخؤها إصلاح أو محاولة السعي لإصلاح الوضع القائم.
الجميع يدرك أن الجسمين المناط بهما وضع التشريعات والتشاور حولها لا يستطيعان الوصول إلى تشريعات تخدم غرض إعادة الدولة وبناء مؤسساتها، كما وأنهما افتقدا الشرعية، وأن شرعيتهما التي مكنتهما من الحديث باسم الليبيين مكتسبة من الاتفاق السياسي الذي أصبح عقدة يحتاج إلى حل، وحل عقدة الصخيرات وعقدة الشرعيات لا يتأت إلا بالانتخابات العامة، تشريعية ورئاسية بغض النظر عن اختلافنا في أولوية هذه الانتخابات، إلا أن عقبة الوصول إلى الانتخابات ليس من اليسير خلقها، وهذا ما حدث منذ انتخابات 2014 وما زال يحدث حتى الآن.
لقد سمعنا الكثير من التأييد لاتفاقيات حوار القاهرة والنجاحات التي تحققت بين الفرقاء الليبيين إلا أننا اكتشفنا أن هذه الحوارات بائت… كغيرها… بالفشل، مما دفع بمندوبة الأمين العام للأمم المتحدة السيدة وليامز أن ترحل الخلاف إلى اجتماع خاص بين رئيس البرلمان ورئيس مجلس الدولة دعت إليه ورتبت له.
وصرحت وليامز بأن “الخلافات ظلت قائمة بشأن التدابير المنظمة للمرحلة الانتقالية المؤدية إلى الانتخابات”. هذا الأمر أكده أيضا السيد عضو المجلس الأعلى للدولة في ليبيا عبد القادر حويلي حيث قال إن مفاوضات الإطار الدستوري التي عقدت في القاهرة “ناجحة بنسبة 98%، ويتبقى أجزاء بسيطة لم يتم الاتفاق عليها، وهي الأحكام الانتقالية وستتم إحالتها إلى رئاستي مجلس النواب والمجلس الأعلى الدولة”.
على أن العديد من المصادر أشارت إلى أن أبرز المواد الخلافية تتمثل في المواد المتعلقة بالترشح للرئاسة وشروط الترشح للانتخابات.
وأوضحت المصادر أنّ الخلاف نشأ بعد اتفاق صالح والمشري على عقد صفقة للتوافق على الوثيقة الدستورية، مضمونها “تنازل صالح عن شرط السماح لمزدوجي الجنسية بالترشح للانتخابات الرئاسية، مقابل قبول المشري بتمرير حكومة باشاغا”.
كانت هذه “التنازلات” مؤشر على انفراجة في آفق المشكل الليبي إلا أن صالح تراجع عن هذه التفاهمات بسبب الضغوط التي مرست عليه بسبب موضوع الجنسية، وكانت حجته في الرفض هي “عدم إقصاء أي ليبي من الانتخابات (!!!….).
كأن صالح لا يدرك أن الشروط التي توضع هي ضوابط بالتأكيد تهدف إلى حماية الشأن الذي وضعت من أجله، وأن كل الضوابط والشروط تستثني ولا تقصي، فمثلا شرط العمر يستثني الفئة العمرية تحت 35 سنة رغم أن هذه الفئة العمرية تحتوي على عقول وقدرات لا حدود لها، وتستثني المتزوجين بغير الليبية وغير المسلمة، رغم أن الكثير من الزوجات غير الليبيات يحملن حس وطني تفتقده قريناتهن المتجذرات في ليبيتهن، وشرط المؤهل التعليمي يستثني طاقات هائلة لا تمتلك مستويات علمية لكن إمكانياتها تضاهي حملة الدرجات العليا. فهل علينا أن نلغي كل هذه الشروط حتى لا نستثني أحدا من الليبيين؟.
وفي حين أن المواطن الراغب في الترشح لا يستطيع أن يتحايل على هذه الضوابط، فمزدوج الجنسية يستطيع بسهولة ويسر أن يتنازل عن جنسيته الأجنبية لغرض الترشيح.
إن المظاهرات التي جرت الأسبوع الماضي هي استفتاء ليبي صريح، هذا الاستفتاء يعني تماما أن لا شرعية لمن يدعيها في ليبيا، وعلى الجميع الرحيل. بالتأكيد البرلمان وباقي المؤسسات يعوا جيدا هذه الحقيقة، لكن كل سيفسرها حسب هواه، على الرغم من أن تفسيراتهم لا تنال من حقيقة سقوط كل هذه الأجسام على المستوى الشعبي والدولي.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً