اعتذر المغرب عن تنظيم الدورة العادية للقمة العربية، التي كان مقررا عقدها في مدينة مراكش، وقدمت المغرب مبررات اعتذارها عن استضافة القمة بحجة أن الظروف الحالية لا تمكن من عقد قمة “عربية ناجحة”، وذكر بيان الاعتذار الذي تقدمت به وزارة الشؤون الخارجية والتعاون أن قرار الاعتذار تم اتخاده طبقا لمقتضيات ميثاق جامعة الدول العربية، وبناء على مشاورات تم إجراؤها مع عدد من الدول العربية، وبعد تفكير واع ومسؤول. كما اشار بيان الوزارة إلى ان اجتماعات القمة لا يجب أن تشكل غاية في حد ذاتها، وتتحول الى مجرد مناسبة لاجتماع القادة العرب، وأردف الى ان القمة في هذه الظروف تفتقد الى القرارات “الهامة” والمبادرات “الجدية”، وستكون مجرد مناسبة للمصادقة على توصيات عادية، وإلقاء خطب تعطي الانطباع الخاطئ بالوحدة والتضامن بين دول العالم العربي.
قبلت نواكشوط احتضان القمة باعتبارها الدولة التي تلي المغرب في ترتيب اسمها الابجدي، واجتمعت اللجنة التحضرية للقمة يوم السبت الموافق 23 يوليو وسط تباين في وجهات النظر في شتى المواضيع، أبرزه الخلاف حول التدخل الايراني والتركي في شؤون الدول العربية.
لغة الاستنكار كالعادة لم تختفي من اجندات مؤتمر القمة، فقد استنكر المجلس ترشيح وانتخاب إسرائيل (القوة القائمة بالاحتلال) لرئاسة اللجنة القانونية (السادسة) للجمعية العامة للأمم المتحدة، على اعتبار أن إسرائيل غير مؤهلة لتولي مثل هذا المنصب خاصة وأنها تمتلك سجلا أسودا مليئا بانتهاكات القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وقرارات الأمم المتحدة، وارتكاب جرائم يومية بحق الشعب الفلسطيني وأرضه وممتلكاته ومقدساته.
لم يحضر القمة معظم رؤساء الدول العربية، فمن بين 22 رئيسا حضر فقط 8 رؤساء، وهذا دليل على ان مخرجات القمة ليست بالأهمية التي سيسعى الرؤساء العرب الى المشاركة فيها، فأصبحت كما كانت دوما مناسبة للاجتماع والحديث في شؤون لا تتوفر الارادة الحقيقية لإنجازها، وهنا يكمن النفاق الرسمي، بالإضافة الى تجدره في جدول الاعمال.
ليس للنفاق حدود، لم تستطيع القمة في كل اجتماعاتها ان تحقق الحد الادنى من الاتفاق على ما يطرحها جدول اعمالها. رغم ان الصراع العربي الاسرائيلي يمتد الى 6 عقود، استطاعة فيها اسرائيل ان تصبح أعظم دول العالم وليس المنطقة فقط، وان تهيمن على مساحات اخرى أضيفت الى مساحتها التي حددها قرار التقسيم، وان عدوانها لم يتوقف على الفلسطينيين، الا ان المفارقة ان عدوانها المستمر يتنامى في تناسب طردي مع ما تحققه من علاقات جديدة وجيدة مع الدول العربية التي لا تتوقف عن ادانتها واستنكار اعمالها. وعوضا عن استثمار العلاقة معها في الضغط عليها للتوقف عن نهجها التوسعي، لا نرى من الدول العربية الا مزيد من الاستنكار والتنديد دون القيام بعمل يترجم هذا الاستنكار والتنديد الى واقع، فليس للنفاق حدود.
هناك مبدأ دولي ينص على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لذلك من حق الدول العربية ان تطالب بعدم تدحل ايران وتركيا في شؤونها، وهذا حق مكفول. الا ان تنادي الدول العربية غيرها بعدم التدخل في شؤونها بينما تدخلها اكثر سفورا في شؤون اشقائها وانكى فهذا لا يفهم الا على ضوء النفاق “الرسمي”.
العراق مثلا تعترض على ادانة التدخل الايراني، بينما تتفق على ادانة التدخل التركي، لذلك فموقفها الرسمي هذا ليس موقف مبدئي من التدخل، بل موقف انتقائي. من حيث الواقع تركيا تتدخل في الشؤون العراقية بسبب الخطر الذي يلحق بها من استعمال الاراضي العراقية من قبل حزب العمال الكردي لتهديدها، وبذلك ممكن ان نتفهم التدخل التركي، ويعتقد بعض السياسيين العراقيين المحسوبين على السنة ان المتنفدين في العراق باعتبار توجههم الشيعي يدينون التدخل التركي لان الوجود التركي على الارض العراقية يقوي من جبهة المواجهة السنية ضد النفود الايراني. بالمقابل النفس الطائفي لقادة العراق من نوري المالكي الى العبادي ومن يقف ورائهم من ميليشيات شيعية يدينون بالولاء المطلق لإيران على حساب الروح الوطنية، لذلك لا يتوقع لممثلي النظام العراقي ان يدينوا التدخل الايراني.
ليبيا كدولة عانت من الاستبداد لمدة أربع عقود، وحين استبشر الشعب الليبي بالخلاص من نظام الاستبداد اصبح يعاني في سنوات العجاف الخمس التي نعيشها من تدخل الدول العربية تدخلا سافر يقوي من خطر الفرقاء السياسيين فيها ويمدد الازمة، وعملها هذا في استثمار الفرقة بين الليبيين لن يخدم هذه الدول على المدى الطويل، ناهيك عن مصالح ليبيا والليبيين. مصر والامارات تساند فريق وقطر تساند فريقا اخر، وكان بإمكان هذه الدول الحد من الخلاف الليبي بالتأثير على حلفائهم في ليبيا، الا ان الذي نراه هو عكس هذا تماما، والانكاء ان هذه الدول تعترف رسميا بمخرجات حوار الصخيرات، وتعترف بالمجلس الرئاسي باعتباره الجسم الشرعي المتفق عليه دوليا، الا انها لا تتوقف عن مساندة الخصوم السياسيين الذين يقفون حجر عثرة في اتماما استحقاقات المرحلة السياسية في ليبيا، فإن لم يكن هذا نفاقا فما هو النفاق إذا؟
والله من وراء القصد
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً