تشير التطورات الميدانية في النزاع السوري إلى أن “جبهة النصرة” المتشددة وتنظيمات أخرى موالية لتنظيم القاعدة، قد اختارت التصعيد في اتجاه تحويل وجهة الحرب الدائرة في سوريا إلى حرب طائفية دينية طاحنة تتجاوز سوريا لتشمل دول المنطقة، بشكل يحولها إلى بيئة حاضنة للنشاطات “الجهادية”، ويوجه ضربة قاضية لمخططات جارعليها العمل، وتشترط إسقاط النظام السوري بشرط توفر نخب تخلفه، قادرة على الاستمرار بنجاعة في الحرب على الإرهاب.
ويستهدف مقاتلون متشددون بشكل متزايد أبناء الطائفة العلوية التي ينتمي لها الرئيس السوري بشار الأسد منذ تفجر الانتفاضة على حكم عائلته قبل عامين ونصف.
كما يتهم أبناء الطائفة المسيحية جهاديي التنظيمات الموالية للقاعدة، بإجبارهم على اشهار اسلامهم تحت تهديد السلاح، وبإطلاق تسمية “الصليبيين” عليهم.
وقال المرصد السوري لحقوق الانسان التابع للمعارضة الأربعاء إن مقاتلين من جماعة لها صلة بتنظيم القاعدة قتلوا 12 شخصا من الطائفة العلوية في وسط سوريا بعد ان استولوا على قريتهم.
وقال المرصد السوري ومقره بريطانيا ان أحدث الهجمات وقعت حين هاجم مقاتلون ينتمون لجبهة النصرة التابعة للقاعدة قرية مكسر الحصان شرقي حمص الثلاثاء.
واستشهد تقرير المرصد الذي له شبكة من المصادر في أنحاء سوريا بأقوال سكان ومسعفون.
وقال رامي عبد الرحمن مدير المرصد ان مقاتلي جبهة النصرة أعدموا بعد الهجوم على القرية 12 مدنيا علويا على الاقل بينهم نساء وكبار في السن.
ويشكل العلويون غالبية النخبة السياسية والعسكرية في سوريا في ظل حكم عائلة الأسد الممتد منذ 40 عاما.
وأفادت تقارير لنشطاء ان الجماعات المعارضة المتشددة والمرتبطة بالقاعدة تعهدت بالانتقام للهجوم الذي شن بأسلحة كيماوية فيما يبدو على مشارف دمشق وقتل فيه بين 500 و1400 شخص يوم 21 أغسطس/اب، وذلك في سياق حملة أطلقوا عليها “العين بالعين” وتستهدف مناطق العلويين على وجه الخصوص.
ويقول مراقبون إن خيار الجماعات الاسلامية المتشددة تحويل الحرب إلى صراع طائفي وديني يستدرج جميع الدول المتاخمة لسوريا الى صراع طائفي، يمثل لها أفضل طريق لإرباك جميع المخططات الدولية والإقليمية العاملة إقصاء نظام الرئيس السوري بشار الاسد عن المشهد السياسي دون تسليم سوريا عن قصد أو غير قصد للمتشددين، الذين بايعوا تنظيم القاعدة وعاهدوه على إعلان سوريا بعد “تحريرها”، إمارة إسلامية.
ويؤكد هؤلاء المراقبون أن التنظيمات الإرهابية عادة ما تنتعش داخل الدول المسماة بالفاشلة أي التي انهارت مؤسساتها بعامل الحرب الاهلية أو التدخل الخارجي كما هو حاصل في سوريا أو في العراق، وهم وعلى هذا الاساس يعتبرون أن إشعال حرب طائفية ودينية في سوريا وفي المنطقة عموما يمكن أن يقدم لهم خدمة كبيرة لمشروعهم الذي ينبني على عولمة “الجهاد”.
وفي العاصمة دمشق، قال سكان فروا من بلدة معلولا ذات الغالبية المسيحية في ريف دمشق إن جهاديين دخلوا بلدتهم وكانوا يعيرونهم بـ”الصليبيين”، ويجبرونهم تحت تهديد السلاح، على اشهار اسلامهم.
وروت ماري التي كانت تشارك الثلاثاء في دمشق في مأتم ثلاثة مسيحيين قتلوا خلال مشاركتهم في القتال في معلولا من ضمن اللجان الشعبية الموالية للنظام، إن المقاتلين الجهاديين، بعد ان فجروا حاجز القوات النظامية عند مدخل البلدة الأربعاء، “نزلوا من الحارة الغربية وبدأوا يكبرون ويقولون ‘جبهة النصرة آتية اليكم يا صليبيين’.
وأضافت ان المقاتلين بقوا في ساحة البلدة ثلاث ساعات، وهم يصورون ويكبرون ويطلقون النار في الهواء.
وتقع معلولا المعروفة بآثارها المسيحية القديمة ومغاورها المحفورة في الصخر في منطقة القلمون على بعد حوالى 55 كلم شمال دمشق.
وهي من اقدم المناطق المسيحية في العالم، وتقع على خارطة المواقع السياحية البارزة في سوريا. وهي المكان الوحيد في العالم الذي لا يزال سكانه يتكلمون اللغة الآرامية، لغة المسيح.
وينتمي غالبية سكانها البالغ عددهم حوالي 4500، الى الكنيسة الكاثوليكية.
ويقول المرصد السوري لحقوق الانسان ان العديد من شبان معلولا المسيحيين كانوا منضوين ضمن اللجان الشعبية الموالية للنظام التي شكلت مع بدء النزاع وتتولى اجمالا حماية الاحياء التي يقطن فيها افرادها. كما انضم اليهم بعد بدء المعركة مسيحيون من دمشق من قوات الدفاع الوطني، الميليشيا التي شكلها النظام ودربها لمساندة الجيش، بحسب المرصد.
وقال عدنان نصرالله (62 عاما) الذي كان في الماتم ايضا انه يسكن قبالة مدخل المدينة، وانه سمع انفجارا كبيرا الاربعاء دمر القوس الذي يرتفع عند مدخل معلولا. واضاف “بعد ذلك، رايت أشخاصا يعصبون رؤوسهم بشريط كتب عليه النصرة يطلقون النار”، مشيرا الى أنهم اطلقوا النار في اتجاه بعض الصلبان المرفوعة فوق كنائس واديرة.
وأضاف انه رأى بعض هؤلاء “يضعون مسدسا في راس احد جيراني ويجبرونه على اشهار إسلامه، ثم سخروا منه”.
وراى نصرا لله ان اسوأ ما حصل يكمن في موقف سكان معلولا المسلمين، قائلا “خرجت النساء على الشرفات وأطلقت هتافات الترحيب، وكذلك الاولاد.. اكتشفت ان صداقتنا كانت سطحية”.
وروت رشا ان خطيبها ويدعى عاطف خطف بينما كان يقاتل من ضمن اللجان الشعبية. وقالت انها عندما عرفت السبت باخبار معلولا وكانت في دمشق، اتصلت بعاطف على رقم هاتفه المحمول، فاجابها احد خاطفيه من الجيش الحر بأنهم ذبحوا خطيبها، قبل أن تتأكد في وقت لاحق من أنه حي يرزق.
ويقول المحللون إن الدول الغربية تريد فعلا الانتهاء من “وجع الراس” الذي يمثله النظام السوري، لكنها لن تغامر بأي حرب لإبعاده عن السلطة إلا متى رأت ان هناك نخبا سياسية وعسكرية في سوريا قادرة على السيطرة على الأوضاع في البلاد ومواجهة الاستحقاقات اللاحقة لسقوط الاسد: الحرب على الإرهاب.
ويرى هؤلاء المحللون أن النفوذ المتنامي للحركات الاسلامية المتشددة كطرف يقاتل ضد قوات النظام السوري بشكل مستقل وتحت شعار تحرير سوريا لإقامة دولة الخلافة، يشكل أحد ابرز الاسباب التي جعلت الغرب بقيادة الولايات المتحدة، يتردد في توجيه ضربات جوية ضد سوريا بعدما تبين له ضعف القوى السورية الليبرالية وعدم قدرتها على تأمين البلادضد السقوط في أتون التشدد إذا ما سقط نظام الاسد.
اترك تعليقاً