الشيخ أحمد توفيق المدني هو الأمين العام لجمعية علماء المسلمين الجزائريين، ويذكر في حديثه عن الإباضية: “إن الإباضية بعداء عن الخوارج وبعداء جدًا”، وأضاف: “تمثل بقايا الخوارج والتي ثارت ثورة عارمة على الولاة العرب بالقطر المغربي الكبير وخاصة الأوسط منه سنة 122ه”، وذكر الفروق بينهما في:
– الصفرية الخوارج كانوا مثلاً يحكمون بالشرك على مرتكب الكبيرة، بينما الإباضية، كبقية المذاهب الإسلامية لا يحكمون على مرتكب الكبيرة بالشرك، والخروج عن الإسلام”.
– الصفرية مثلًا يوجبون على الجماعة الإسلامية، الانتفاض على الملوك والأمراء المسلمين، من أجل إقامة الحكم الإسلامي الصالح، حسب مذهبهم ويحكمون بالعصيان من تخلف عن ذلك. بينما الإباضيون يرون أن ذلك الانتفاض جائز إذا ما آنس المؤمنون الكفاءة في أنفسهم من أجل القيام بذلك.
– الصفرية غلاة في الدين إلى درجة الإفراط، فهم يسفكون الدماء سفكًا ذريعًا، وهم يعتبرون مال خصومهم من المسلمين غنيمة وأن أبناءهم ونساءهم، بعد المعارك سبي، بينما الإباضيون يتقيدون في ذلك بنصوص الشريعة.
ولقد كان أول إمام للإباضية نادوا به بعد وقعة التحكيم سنة 37ه هو “عبد الله بن وهب الراسبي”، أما صاحب مذهبهم الحقيقي فهو العلامة جابر بن زيد، إنما نسبوا بعد ذلك لعبد الله بن إباض، الذي قام بنشر المذهب وتدوينه، وأن عبد الله بن إباض، الذي قام بنشر المذهب وتدوينه كان بالنسبة لجابر بن زيد كأبي يوسف بالنسبة للإمام أبي حنيفة.
– الملاحظة الثالثة، والتي يجب علينا ذكرها عند دراسة تاريخ الدولة الرسمية الإباضية هي أن الإباضيين الذين هم ليسوا من الخوارج لا يبغضون عليًا بن أبي طالب رضي الله عنه كما يبغضه الخوارج ولا يكفرونه، إنما يشتركون في مخالفة رأيه في قضية التحكيم فقط، ولم يعادوه، بل إننا نرى من خلال دراستنا لتاريخ بني أمية، أنهم كانوا منذ عهد معاوية يلعنون عليًا رضي الله عنه من فوق المنابر يوم الجمعة، ودام ذلك إلى أيام الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، فجاءه وفد من الإباضيين، يضم علماءهم وأقطابهم وطلبوا إليه أن يكف عن هذه البدعة الفظيعة وحذف ذلك السب المقدم واستبدله بآية ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾[النحل:90]. ولا تزال تلك الحسنة الجارية إلى يومنا هذا.
– الملاحظة الرابعة، هي أن الرستميين ليسوا هم الذين أدخلوا المذهب الإباضي إلى بلاد المغرب في شمال أفريقيا، وذلك المذهب انتشر في بلادنا قبل ذلك انتشارًا كبيرًا منذ ثورة الصفريين سنة122ه على الولاة العرب في عصرهم. فالدولة الرستمية قامت لرعاية ذلك المذهب وصيانته والمسير به في اعتدال وسماحة ويمن، كما جاء به الدين الحنيف مهذبة وميسرة وملطفة حسب تعليق الرسول الأعظم صلوات الله وسلامة عليه: “بشِّروا ولا تُنفِّروا. ويَسِّروا ولا تُعسِّروا” .
بعد ذلك، تحدث الأستاذ أحمد توفيق المدني عن الخلاف بين الإباضية والمالكية فقال: ولنطوِ الآن عنان البحث إلى قضية أخرى أساسية، وهي قضية الخلافات بين المذهب الإباضي والمذهب المالكي الذي نشأ بعده وهو المذهب السائد ببلادنا المغربية ذلك أن العامة والكثير من الخاصة، يعتقدون أن هذا الخلاف المذهبي كبير وعظيم لا يمكن تلافيه أو التغلب عليه ويجهلون أن المذهبيين يسيران نحو الغاية الواحدة من طريقتين مختلفتين.
والحقيقة غير ذلك فالسياسة وحدها هي التي كونت هذا الخلاف وزادته حدة وشدة، حتى إذا ما جثم كابوس الاستعمار الفرنسي الفظيع على صدر أمة الإسلام بأرضنا الجزائرية أمعن في الفصل بين المذهبيين تنفيذًا لسياسته فرق تسد إلى أن أصبحوا دون حياء يقرون في كتبهم الدراسية التي يتناولها صغار الطلاب، أن الخلاف، بل العداوة مستحكمة الحلقات .وعند الرجوع إلى عقلاء الجانبين وعلمائهم، ودرسنا مشاكل هذا الخلاف وجدنا أنها لا تستوجب نفرة ولا تستوجب فرقة، وتكاد تنحصر في القضايا التالية:
أولًا: المجاز في القرآن الشريف، فالإباضيون يقولون به، ويوافقهم في ذلك أصحاب الفكر الحر من المعتزلة ومن بقية المذاهب وذلك فراراً من التجسيم بالنسبة لجلال الحضرة الإلهية المقدسة، فيقولون إنه قوله تعالى:﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾[الفتح:10] يعني قوته فوق قوتهم فاليد والعين في القرآن معناها القوة والعناية.
ثانيًا: الخلافة في قريش لا يؤمن بها الإباضيون ولا يأخذون بالحديث الوارد في شأنها ويقولون إنه مفتعل، فعندهم أن الخلافة الإسلامية هي ملك لكامل أمة الإسلام قاطبة حسب قوله تعالى:﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾[الحجرات:13] وتنفيذاً للآية الكريمة:﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ﴾[الشورى:38]. فعلى المسلمين أن يقلدوا الخلافة من هو أحق بها، مهما كان لونه ومهما كانت نسبه وقد جاء في صحيح الحديث لا فضل لعربي ولا أعجمي إلا بالتقوى، كلكم لآدم، وآدم من تراب.
ثالثًا: يقول الأشاعرة إن المؤمنين الصادقين يرون الله رأي العين يوم القيامة لكن الإباضيين يقولون: إن الله جل جلاله أعظم وأكبر من أن يستطيع البشر رؤيته ولو يوم القيامة وكذلك يقولون في كلام الله لموسى عليه السلام، ويحكمون باستحالته ولهم على ذلك أدلة من كتاب الله.
رابعًا: يقول الإباضيون: إن الحق في الأصول لا يتعدد، فالمجتهد مخطئ في الأصول غير معذور، وإنما إيمان المقلد غير صحيح، بينما يقول الأشاعرة بصحة إيمان المقلد، وبأن المجتهد المخطئ في الأصول معذور .
خامسًا: هناك خلاف أيضًا في تحديد معنى الكفر، ومعنى النفاق، فالأشاعرة ومنهم المالكية يرون أن الكفر لا يطلق إلا على المشرك بالله ويرون أن النفاق إنما هو التظاهر بالإيمان والتوحيد وإخفاء الشرك، أما الإباضيون فيقولون إن الكفر يطلق على معنيين، هما الشرك والنفاق وأن النفاق يطلق على معنيين، نفاق الخيانة، أي ارتكاب كبيرة من الكبائر، ونفاق تحليل وتحريم، فالإباضي يطلق كلمة الكفر على معنى النفاق أي الفسوق، ولا يعني به الشرك.
سادسًا: إن قضية الشفاعة يقول الإباضيون إن الشفاعة الواردة في القرآن بالنسبة ليوم القيامة لا تنال من مات على كبيرة وإنما تنال من مات على الوفاء، بينما يقول الأشاعرة إن الشفاعة تنال أيضاً أصحاب الكبائر
سابعًا: هناك قضية القرآن الكريم، والتي وقعت فيها المحنة الكبرى أيام المأمون العباسي ومن بعده فالإباضيون قبل المعتزلة يقولون بأن كلام الله مخلوق، وأن الله وحده هو القديم، بينما يقول الأشاعرة بعدم ذلك، يقولون بقدم القرآن بصفته كلام الله، فالله قديم بوجوده وكلامه.
ثامنًا: أما قضية صفات الله، وهي قضية نظرية بحتة، فالأشاعرة يقولون إن صفات الله غير ذات الله، بينما يقول الإباضيون إن الله وصفاته أمر واحد وبمعنى أن الله عز وجل جل جلاله الكامل الكمال المطلق.
تاسعًا: يقول الإباضيون إن من مات على كبيرة وعن غير توبة فهو خالد في النار بينما يقول الأشاعرة إن الذي مات على كبيرة ودون توبة وهو مؤمن بالله ورسوله إنما هو تحت مشيئة الله، إن شاء عذابه على مقدار معصيته وإن شاء غفر له.
عاشرًا: من هذه الخلافات النظرية الدقيقة، قضية تعريف الإيمان، فالإباضيون يقولون: “إن الإيمان له ركنان هما القول والعمل وأنه لا يتم إلا بهما معاً فمن آمن قولًا، وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، ثم لم يعمل بما جاء به الإسلام فهو ليس بمؤمن، بينما يقول الأشاعرة إن الإيمان بقواعده الخمسة، ولو دون عمل يكفي للنجاة من النار”.
هذه هي أهم نقاط الخلاف النظرية بين الأشاعرة وبين الإباضية وهي كما ترون قضايا نظرية واجتهادية بحتة ولكل من الطرفين أدلته وبراهينه من الكتاب والسنة، ثم إن النظريات الإباضية التي ذكرناها لا ينفرد بها أصحاب هذا المذهب فقط بل يشاركه في كل منها بعض المذاهب الإسلامية الأخرى.
وأما في الفروع وفي أحكام الإسلام، فلا تكاد توجد خلافات، وإن وجدت فهي تافهة فأنتم ترون سادتي وأبنائي أن هذه الخلافات ما كان ينبغي أن توجد نفرة أو شقاقاً بين جماعة الإخوان المسلمين، لولا ما صاحبها من خلافات سياسية ومطامع في الملك والسلطان.
بل إن العلامة الإباضي المجاهد سليمان باشا الباروني رحمه الله ليقول: ونحن في ذلك معه ما نصه: متى يأتي يوم لا يذكر فيه المسلمون في الشرق لا في الغرب إلا الله ورسوله وكتابه ولا يذكرون الأئمة إلا باسم علماء كغيرهم من علماء الإسلام فيصبح الدين واحداً والمذهب واحداً لا طرق فيه ولا مذاهب.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
بره اللعب قدام حوشكم والا قدام مكتب حزبكم … فمنه يا ولد انصرف باللك ربي يهديك الزم بتك والا مربطك