الربيع العربي.. شرارة لم تنطفئ وثورة لا تعرف اليأس

الربيع العربي.. شرارة لم تنطفئ وثورة لا تعرف اليأس

عمر الفيتوري السويحلي

مؤسس أكاديمية القرآن الكريم بطرابلس

ظن كثيرون أن الربيع العربي قد مات، وأن الشعوب التي انتفضت في وجه الطغيان قد خمدت إرادتها تحت وطأة الأنظمة القمعية، التي تسلقت على أكتاف الثورات لتبني عروشها وتعيد عجلة الاستبداد إلى الوراء. لكن ما حدث في سوريا، بسقوط نظام الأسد، هو أكبر دليل على أن الربيع العربي لم يمت، إنه يعيش في قلوب الشعوب، ينتظر الفرصة المناسبة ليشتعل من جديد، ولن يُطفأ حتى يحقق أهدافه في الحرية والكرامة والعدالة.

سقوط الأسد: رسالة لكل الطغاة ودرس للحكام العرب

مارس بشار الأسد كل أنواع البطش على شعبه، من استخدام الأسلحة الكيميائية إلى تدمير المدن وتشريد الملايين. تخلى عن كرامته وسيادة بلاده لصالح روسيا، وأدخل المرتزقة من الفاغنر وحرس إيران الثوري ليحموا نظامه. ورغم ذلك، لم يستطع النجاة من إرادة الشعب السوري الذي استمر في مقاومته حتى أسقطه. سقوط الأسد ليس مجرد حدث محلي، بل هو رسالة لكل الحكام الذين يسيرون على دربه: القمع والتبعية للخارج لن تحميكم من شعوبكم.

من تونس إلى مصر، ومن ليبيا إلى الخليج، الأنظمة التي اغتصبت السلطة أو استبدت بها يجب أن تدرك أن الربيع العربي قد يستيقظ في أي لحظة:

1. قيس سعيد (تونس):

الرئيس التونسي الذي خيب آمال شعبه بتجميد المؤسسات الديمقراطية والانفراد بالسلطة، عليه أن يتعلم من درس الأسد. الشعب الذي أسقط نظام بن علي لن يتردد في الانتفاض مجددًا إذا استمرت خيبة الأمل في تحقيق تطلعات الثورة.

2. عبد الفتاح السيسي (مصر):

السيسي الذي وصل إلى الحكم بانقلاب عسكري، وأعاد البلاد إلى عصر القمع والسجون المكتظة بالمعارضين، عليه أن يدرك أن البطش لا يخلق استقرارًا دائمًا. الشعب المصري الذي أسقط مبارك يمكنه أن يفعلها مرة أخرى.

3. عبد الحميد الدبيبة وخليفة حفتر (ليبيا):

في ليبيا، انقسام السلطة بين الشرق والغرب لم يُنه معاناة الشعب، بل زادها. الدبيبة في طرابلس وحفتر في الشرق كلاهما يتشبث بالسلطة بطرق مختلفة، لكن الشعوب الليبية، التي ثارت ضد القذافي، لن تقبل أن تعيش تحت حكم مستبد جديد، سواء اعتمد على روسيا والفاغنر أو غيرها من القوى الأجنبية.

4. محمد بن سلمان (السعودية):

انفتاح ولي العهد السعودي على الثقافة الغربية بشكل مفرط قد يكون بمثابة فتيل يشعل موجة احتجاجات جديدة. الشعب السعودي، رغم قبوله بالإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، قد لا يتحمل تجاوز الحدود الثقافية والدينية التي تحكم مجتمعه.

5. محمد بن زايد (الإمارات):

التطبيع مع إسـ ــرائـــيل قد يكون خطوة استراتيجية بالنسبة له، لكنه قد يستفز مشاعر الكثيرين داخل الإمارات. رغم الهدوء الظاهري، فإن الربيع العربي قد يطرق أبواب الإمارات لأول مرة، خاصة مع زيادة الوعي الشعبي والتأثير الخارجي.

6. المغرب:

الوضع في المغرب يبدو الأكثر هشاشة. الاقتصاد المتدهور، وارتفاع مستويات الفقر، وتراجع مستوى الحرية يجعل البلاد مهيأة لانتفاضة جديدة. الملكية المغربية التي لطالما اعتُبرت أكثر مرونة من غيرها قد تجد نفسها أمام احتجاجات تطالب بإصلاح جذري، خاصة إذا استمر الوضع الاقتصادي في التدهور.

الربيع العربي: ثورة مستمرة وليست حدثًا عابرًا

الربيع العربي ليس مجرد سلسلة من الأحداث التي بدأت في 2011 وانتهت بالفشل أو النجاح. إنه عملية مستمرة، تعكس توق الشعوب العربية للحرية والعدالة. الأنظمة التي تظن أنها انتصرت على شعوبها يجب أن تدرك أن الشعوب لا تموت، وأن طموحاتها قد تخبو مؤقتًا لكنها لا تختفي.

سقوط الأسد هو تذكير بأن إرادة الشعوب أقوى من جبروت الطغاة. على الأنظمة العربية أن تقرأ الدرس جيدًا، وأن تدرك أن الربيع العربي لم ينتهِ. الشعوب العربية، التي دفعت أثمانًا باهظة من الدماء والدموع، لن تتوقف حتى تحقق أحلامها في حياة كريمة وحكم عادل. الربيع العربي لم يمت، بل ينتظر اللحظة المناسبة ليعود، وهذه المرة قد يكون أكثر شمولًا وتأثيرًا.

تبينوا هذا والله تعالى أعلم

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

عمر الفيتوري السويحلي

مؤسس أكاديمية القرآن الكريم بطرابلس

اترك تعليقاً