ربما لا تحتاج الجامعة العربية إلى تسطير أحرف حولها ولا الحديث عن دورها، ولكن ظهور الساسة الجدد ممن يلهث وراء تأشيرات وصكوك الجامعة العربية يجعل هذا الموضوع مثاراً للجدل (ظاهرياً) بين قطاعات شعبية في الدول التي تعيش إنتفاضات جماهيرية مثل سوريا وليبيا والعراق واليمن والبحرين.
حقيقة الأمر أن الجامعة العربية منذ إنشائها في سنة 1945م لم يكن لها إستقلالية القرار ولم يكن لها مخالب ولا أسنان لتنفيذ قراراتها، ولذا إرتبطت الجامعة تكافلياً خلال عمرها المديد بحكومات البلد المضيف. ففي حين أن إرتباط المنظمات الدولية في العديد من دول العالم مثل منظمة اليونيسكو أو العدل الدولية أو الفاو يكون جغرافيا ولا علاقة له بالدولة المضيفة، نجد أن الجامعة العربية لا تعدوا أن تكون وزارة في الحكومة المصرية، فرؤساء الجامعة جميعهم مصريون عدا لسنوات معدودة عند إنتقالها إلى تونس في بداية الثمانينات من القرن الماضي، وهياكلها مصرية، وإجتمعاتها في القاهرة، ومعظم مكاتبها في مصر، وسياساتها لن تخرج عن سياسات الحكومة المصرية، وبذلك تحول رئيس الجامعة من لاعب دولي إلى منفذ للسياسات المحلية المصرية، فمثلاً لم تقف الجامعة العربية أمام الإجتياح المصري للأراضي اليمنية في بداية الستينات، ولم تعارض الجامعة التدخل المصري في العراق لمناصرة عبدالسلام عارف، ولم يكن للجامعة رأي في إتفاقية كامب ديفد ولا في بيع الغاز لإسرائيل رغم حظر الجامعة، ولم تستطيع إيقاف حرب لبنان، كما لم يكن لها رأي عندما تحركت المدافع المصرية لدك الشرق الليبي في 21 يوليو سنة 1977 م، بالمقابل وافقت مصر وقادت الدول العربية إلى حرب العراق مع إيران، وحرب الخليج الأولى والثانية لمصالح مصرية تلقتها من الدول الغربية والخليجية. ولا يختلف دور الجامعة المتخاذل في سوريا والبحرين، والذي كان ولا يزال مثبطاً لأمال الشعوب نحو الحرية والتخلص من الإستبداد.
أما تأييد الجامعة للتدخل الدولي في ليبيا سنة 2011م فلم يكن من أجل الليبيين بقدر أنه كان من أجل تخليص الحكومة المصرية من جار مشاكس يشكل خطراً على ثورة 25 يناير أنداك، وهذا يتقاطع كثيراً مع مصالح بعض الدول الغربية الخليجية، من أجل ذلك قامت الحكومة المصرية بحشد دول الخليج لحث الدول الغربية على المساهمة في كبح جماح الكتائب الأمنية للنظام السابق. ومع إنتقال السلطة في مصر إلى حكومة أوكلت نفسها مهمة القضاء على الإنتفاضات في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، لم تألوا جهدا من تجنيد العسكريين المصريين للحرب مع قوى الردة الليبية، وتوفير مدرعات النمر والصواريخ الحرارية الإماراتية لها، وبذلك قلبت الجامعة ظهر المجن، وأصبحت تناشد المجتمع الدولي لدعم مجلس النواب الليبي المنحل وتسليح قوات حفتر، رغم حظر السلاح المقام دولياً.
رغم إستماتة الجامعة العربية والبلد المضيف لها لنقل تقنيات الثورة المضادة وقوى الردة إلى القطر الليبي إلا أن نتائجها بأت بالفشل لعدة أسباب منها تشردم قوى الردة من ناحية، ووعي الدول الغربية ودول شمال أفريقيا مثل الجزائر والمغرب بمألآت الأمور على الساحة الليبية، وأن صناعة الإستقرار بالقوة العسكرية والأمنية لن يثمر، وأن دعم فئة بالسلاح والعتاد لن يفلح ولن يصنع دولة، وأن الشعب الذي ضحى بآلاف الشباب لإسقاط النظام السابق بجبروته لن يعدم الوسيلة لإسقاط أديال الثورة المضادة، وإن كانت الجامعة من ورائهم.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً