الى السيد النائب المستشار سليمان زوبي

مع فائق التقدير

لقد كثر الحديث عن التهميش، وتحديدا تهميش الشرق بصورة عامة وتهميش بنغازي بصورة خاصة، وكأن التهميش يقتصر فقط على هذه الربوع من ربوع الوطن. تجادبت الاطراف المختلفة حوارات ساخنة وباردة في قضية التهميش، وأُقْتُرِحت لها الحلول الرومانسية التي تعزف على هواجس الوطن الواحد، والردكالية التي لا تجد في حلول للتهميش الا مقصات الجراحين. واقترحت الفيدرالية واللامركزية وما اليها من حلول، وان كنا نبارك هذا الحراك الذي من إجابياته اثراء الحوار وترسيح لغته، الا اننا نراه كمن يريد ان يضع العربة امام الحصان، فالوقت لم يحن بعد لهذه القضية، التي اراها … في افق اعتقادي … بان استحقاقها ياتي بعد بناء الدولة.

وياتي الان السؤال الذي يحق له ان يُسأل: هل التهميش قُصِد به منطقة بعينها، ام انه سياسة شملت الجميع دون استثناء؟. اني انقل القاري في مقالي هذا عبر محاور ثلاث اراها تسلط الضوء وتسهل في الاجابة  عن هذا السؤال.

الاقصاء المتعمد: وشهد شاهد من اهلها

في كتاب اسرار وحقائق من زمن القذافي، يذكر المؤلف فيما يذكر كيف ينظر نظام القذافي الى الامازيغ، فيقول في الفصل المعنون” المحطّةُ الخامسة مواقف وردود أفعال من القذافي”، … واسمحوا لي ببعض الاطالة ….يقول1:

اتصل بي القلم ذات مرّة وهو يقول: المهندس إبراهيم علي في انتظارك للتحقيق معك بخصوص تجاوزاتك وانحيازك في البعثات العلمية لأهل البربر. لماذا هذه الأعداد من المبعوثين من الجبل الغربي بصفة عامّة، وأهل البربر بصفة خاصّة؟ هل تعتقد أنَّ هؤلاء فيهم خيراً؟.

قلت: يا أخ إبراهيم البعثات الدراسية وفقاً لنسبة عدد الطلبة في كلّ جامعة من الجامعات، ووفقاً لعدد الأقسام التخصصية بها، سواء في الجبل الأخضر أو جبل نفوسة، ثّم لماذا لا نُسأل عن الجبل الأخضر الذي بعث منه 1872 طالب وطالبة للدراسة بالخارج، وهي أعلى نسبة على مستوى البعثات الدراسية من ليبيا كلّها، ولعلمك هذا العدد من جامعة واحدة هي جامعة عمر المختار، لكن يا أخ إبراهيم ألم يكن لأهل جبل نفوسة )الآمازيغ وغير الآمازيغ( حقّ المواطنة الذي يكفل لهم حقوقهم كغيرهم من الليبيين؟

قال: أنت بإجراءاتك هذه لقد أضفت أعداد من المعارضين للمعارضة بالخارج؛ فهؤلاء الطلبة تعتقد أنّهم سيكونون معنا، هؤلاء سيكونون مع المعارضة.

قلت: أعمل خير تجد خير، فأنا يا أخ إبراهيم لا يليق بي أن أقصي أحداً له حقّ في مواصلة دراسته العليا؛ فلا داعي لدفع النّاس لمعاداتكم؛ فأنتم بهذه الطريقة ستفقدون أهل الجبل جميعهم وليس الأمازيغ  فقط.

قال: حتّى لا نضيّع الوقت، راجع يا دكتور قوائم الطلبة المبعوثين للدراسة بالخارج، وصنّفهم وفقاً لقبائلهم والجامعات التي تخرّجوا منها، ثّم ابعثهم لي بوجه السرعة.

قلت: لم تكن البعثات الدراسية بعناوين القبائل، بل هي بعناوين الجامعات، وهذا لا يليق يا أخ إبراهيم أن يقال من قبلكم؛ فأنتم من يجب أن يقول ليبيا للجميع، لا من يقول أقصوا أهل الجبل، أو صنّفوا الطلبة وفقاً للقبائل التي ينتمون إليها.

ولكن الذي لم أقله إلى المهندس إبراهيم علي هو ذلك الاتصال الذي تمّ بيني وبين المهندس على زكري، الذي قال لي: يا أخ عقيل أهل الجبل محرومون من البعثات الدراسية، قلت له: إن كان عندك من تنطبق عليهم شروط البعثات الدراسية؛ فأسرع بما عندك من طلبة.

جاء المهندس علي زكري وا تّفقت معه على ذلك، ثّم جاءني بعد خمسة أيّام بقائمة من الأسماء لأهل الجبل يزيد عددهم عن 270 طالب وطالبة؛ فأضفتهم إلى قائمة طلبة الجبل الغربي التي يبلغ عدد المبعوثين منه ما يزيد عن 1300 طالب وطالبة، وذلك بعد أن اعتمدت تلك القائمة التي جاءني بها المهندس علي زكري من قبل كليات وأقسام جامعة الجبل الغربي، ولهذا يبدو أنّ القذافي قد سمع بهذا الإجراء؛ فجنّ جنونه، ولكن بحمد الله لقد تمّ إنجاز الموضوع لأهل يستحقونه.”

بالمناسبة، عدد الامازيغ في الرقم 1300 ربما لا يتجاوز المئات من قائمة وصل عدد المرشحين فيها والذين ثم افادهم الى 19000 موفد. فما هو شعورك لو كنت تنتمي الى هذه الفئة من الليبين؟ وهل تسمي هذا تهميش واقصاء اما ماذا تسميه؟ لاحظ ان الشرق مهمش، ولكن هل تم اقصاء سكانه؟. ان الارقام التي اوردها السيد الدكتور عقيل حسين في كتابه لا تقول بذلك. انا لم اتحدث هنا على التهميش لهذه الفئة من المجتمع، بل على امر انكى وامر الا وهو الاقصاء.

1- عقيل حسين عقيل، اسرار وحقائق من زمن القذافي.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.