التخطيط الاستراتيجي الصيني لتخزين الغذاء.. هل يشير إلى استعدادات بكين لغزو تايوان؟

التخطيط الاستراتيجي الصيني لتخزين الغذاء.. هل يشير إلى استعدادات بكين لغزو تايوان؟

أ. أحمد بن حليم

باحث في العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية

مقدمة

شهدت الصين مؤخرًا تحركات غير معتادة أثارت قلقًا كبيرًا لدى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث لجأت بكين إلى تخزين كميات ضخمة من الغذاء والمواد الأساسية بشكل يفوق احتياجاتها الاعتيادية. ويثير هذا التحرك تساؤلات حول دوافع الصين، وما إذا كانت تستعد لاحتمالية غزو تايوان في المستقبل القريب.

جلسة استماع في الكونغرس الأمريكي

في 13 يونيو 2024، عقدت لجنة تابعة للكونغرس الأمريكي جلسة استماع استمرت لمدة خمس ساعات ونصف، وخلصت إلى أن تخزين الصين لاحتياطيات ضخمة من المواد الأساسية يمكن اعتباره مؤشرًا محتملاً على استعدادها لغزو تايوان والاستيلاء عليها.

مقارنة بالتاريخ

أشار اثنان من الأمريكيين الذين أدلوا بشهادتهم في جلسة الاستماع إلى أن ما تقوم به الصين يشبه ما فعلته ألمانيا النازية في عهد هتلر، عندما خزنت كميات كبيرة من المواد الأساسية، لا سيما النحاس، قبل غزوها لبولندا عام 1939. كما أشار شاهد آخر إلى أن اليابان قامت بتحركات مماثلة قبل تنفيذ هجماتها في المحيط الهادئ خلال الحرب العالمية الثانية.

تحركات الصين في سوق الغذاء

في موسم 2023-2024، حقق محصول الذرة في الصين مستوى قياسيًا تجاوز 288 مليون طن، وهو ما يكفي تقريبًا للاستهلاك السنوي للبلاد. ومع ذلك، استوردت الصين كميات كبيرة من الذرة من أوكرانيا والبرازيل في نفس العام، مما أثار استغراب الخبراء الاقتصاديين مثل أرلان سيدرمان، الذي تساءل عن سبب استيراد الصين للقمح من هذه الدول رغم وفرة محصولها المحلي وارتفاع تكاليف الشحن.

تساؤلات مهمة

إذا افترضنا أن الصين تقوم بهذه التحركات استعدادًا لغزو تايوان، فإن ذلك يثير عدة أسئلة:

  • لماذا تحتاج الصين إلى تخزين كميات ضخمة من الغذاء رغم أنها أكبر منتج للغذاء في العالم؟
  • كم يحتاج الشعب الصيني البالغ عدده 1.4 مليار نسمة من الغذاء ليشبع، وكيف يمكن تخزين هذه الكميات؟
  • كم ستكفي المخزونات الغذائية للشعب الصيني في حال فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها حصارًا على الصين في حالة غزو تايوان؟
  • لماذا يعتبر الغذاء مسألة حساسة للغاية في الصين؟

تحليل ليستر براون في كتابه “من سيطعم الصين؟”

في عام 1995، نشر المحلل الأمريكي ليستر براون كتابه المثير للجدل “من سيطعم الصين؟”، حيث رأى أن ثراء الشعب الصيني وارتفاع أعداد الطبقة الوسطى سيؤديان إلى زيادة متطلباتهم الغذائية، مما سيشكل ضغطًا هائلاً على إمدادات الغذاء العالمية.

براون حذر من أن تحول الاقتصاد الصيني نحو التصنيع سيؤدي إلى خسارة مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، ما سيخلق فجوة بين الإنتاج المحلي والطلب على الحبوب، وستضطر الصين لسد هذه الفجوة عن طريق الاستيراد، كما حدث مع اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان عندما تحولت نحو التصنيع.

التحديات الحالية التي تواجه الصين

يعيش في الصين حاليًا 22% من سكان العالم، لكنها تمتلك فقط 7% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم و6% فقط من إمدادات المياه العذبة السطحية. في ضوء هذه الأرقام، يستحيل على الصين تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، لذا يجب عليها التعامل مع الفجوة الغذائية الحتمية وتقليل مخاطرها قدر الإمكان.

الخاتمة

تثير التحركات الصينية الأخيرة في سوق الغذاء والتخزين الاستراتيجي للمواد الأساسية تساؤلات جوهرية حول دوافع بكين وما إذا كانت تستعد لغزو تايوان. ورغم امتلاك الصين لمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، إلا أن تحول اقتصادها نحو التصنيع وارتفاع مستويات معيشة شعبها يجعل من المستحيل عليها تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي. وتبقى هذه المسألة التحدي الأكبر الذي يواجه القيادة الصينية في الوقت الراهن.

أهم المراجع والمصادر

  • بيانات حول حجم اقتصاد الصين وعدد سكانها ونسبة الأراضي الزراعية ومصادر المياه العذبة – البنك الدولي.
  • كتاب “من سيطعم الصين؟” للمحلل الأمريكي ليستر براون – معهد ورلدووتش، 1995.
  • تصريحات خبير الاقتصاد أرلان سيدرمان حول استغرابه من واردات الصين للقمح رغم وفرة محصولها المحلي – مارس 2024.
  • محاضر جلسة الاستماع في لجنة الكونغرس الأمريكي حول التحركات الصينية الأخيرة في سوق الغذاء – 13 يونيو 2024.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

أ. أحمد بن حليم

باحث في العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية

اترك تعليقاً