البرلمان الليبي الذي ولد بعملية قيصرية في 7 يونيو 2014م بعد مشاركة متدنية للناخبين لم تتجاوز 15%، لم يلتئم شمله منذ البداية، وواجه منذ اليوم الأول مشكلة عدم أمان مقر إنعقاده حسب الإعلان الدستوري (بنغازي)، ولقد أدى تحويله إلى طبرق في أقصى الشرق الليبي إلى إنعزاله، وزاد من عزلته عدم إلتحاق أعضائه المقاطعين له بسبب قيادته السيئة والمجموعة الفيدرالية القبلية المحركة له وإرتمائه في أحضان قوات عسكرية مدعومة من الخارج، ومع توفر المرتبات العالية والمزايا والمهايا أصبح أعضاء مجلس النواب من زبائن فنادق شرم الشيخ والإسكندرية وسوسة التونسية، بل أصبح بعض النواب في قطيعة تامه عن دوائرهم الإنتخابية.
زاد من تغول الفيدراليين عند نجاحهم في كسب مقاعد لجنة الدستور (كرد فعل لما يحدث في المؤتمر الوطني من إختلاف في تلك الأونة) ومعظمهم ممن لا يجيد أبجديات السياسة بقدر إجادته للوعود والحديث الجهوي. تتشابه الأمور بين ليبيا والعراق في مسألة فيدراليوا برقة وحزب الدعوة الشيعي، ففي العراق تم تصوير الشيعة بأنهم الأكثر عددا (وهم لا يشكلون أكثر من 43% من الشعب العراقي)، والأعنف مقاومة لنظام صدام، والأكثر تعاوناً مع الغرب (بعد الإحتلال)، فهم الأجدر بأن تكون لهم قيادة البلد وتولي سلطاتها العليا، فكانت المحاصصة غير المتكافئة والغلبة من نصيب الأحزاب الشيعية، والفوضى العارمة التي لم تنتهي من نصيب العراق بأكمله، بالمثل قيادات الشرق الليبي (وأغلبهم من الحراك الفيدرالي) إعتقدوا أنهم من قام بإشعال الثورة، وأنهم من قدم الشهداء وقاوم النظام البائد ، وأن أبنائهم زج بهم في السجون وأن برقة هي المنطقة المهمشة، وحقيقة الأمر أن ذلك جميعه ينطبق على كل فئات ومناطق ليبيا بلا تحديد، بل أن عدد الوزراء وأمنا اللجان الشعبية من الشرق الليبي في عهد القذافي أكبر بكثير من أي منطقة أخرى، علما بأن عدد سكان المنطقة الشرقية لا يتجاوز 25% من سكان ليبيا، هذا إن لم ندخل في تفاصيل برقة الحمراء وبرقة البيضاء، كما حدث في جنوب السودان بعد الإنفصال.
توظيف الحراك الفيدرالي الجهوي، جعل من (برقة فوق الجميع أو الإنفصال) شعاراً له وأن التعامل من الآن سيكون بين أقاليم ثلاثة منفصلة وليس بين ليبيين متساوين في الحقوق والواجبات تبعاً لمبداء المواطنة، فكانت لجنة الدستورالمعيبة (بالتساوي)، وكان الدستور المقترح بثلاثة عواصم ، وصوت الفرد في برقة يساوي 5 أصوات في الغرب الليبي، وهو ما يعني تساوي في الواجبات لكل الليبيين وعلو مواطن برقة في الحقوق.
مع مقاطعة العديد من أعضاء البرلمان لجلسات طبرق، كان هناك العديد من القرارات غير المسئولة من مجلس النواب والتي أودت بالدولة الليبية إلى حافة الهاوية منها تنصيب حفتر لقيادة الجيش والذي يتعارض مع القوانين المحلية والدولية، وإستجداء القوات المصرية والإماراتية لقصف درنة وطرابلس، ودعم عملية الكرامة التي أدت إلى تدمير بنغازي وسفك دماء أكثر من 9000 شاب في ريعان شبابهم، وتشجيع جضران على غلق الحقول النفطية، إضافة إلى تمويل الحرب في المنطقة الغربية بدعم جيش القبائل والمليشيات القبلية، بالإضافة إلى تمديد مجلس النواب لنفسه، ودفع أموال طائلة كرواتب ومنح ومهايا وبدل سكن وتعويض لأعضائه المقربين.
رغم المزايا الكثيرة لم يستطيع البرلمان إيجاد حكومة فاعلة خلال عمله، ولم يستطيع لم شمل الليبيين ولم يساهم في المصالحة الوطنية، كما أحدث بلبلة وإنقسام بفعل إلغاء قانون العزل السياسي وإلغاء قانون منع الربا، وإصدار عفو عام عن رجالات العهد السابق، بلا شروط أو تمييز مما جعل بعضهم يرجع إلى طبرق ويستقبل بالزغاريد بعد أن كان يهدد حرائر ليبيا بالإعتداء عليهن. هذا الفشل الدريع لم يابه له المجتمع الدولي وإعتبر البرلمان شرعياً، مما شجع قيادة البرلمان في السير بنهجها الممانع لقيام الدولة من خلال تسليط البلطجة على الجلسات وسؤ إدارة الوقت وسؤ إدارة الحوار، وهو ما يؤكد أن البرلمان الحالي في طبرق بإدارته الحالية يطلق على رئاسته رصاصة الرحمة، خاصة بعد إجتماعاته يوم 18 و19 أبريل الجاري، وبيان رئيسه بمنع عقد جلسة إستثنائية في غيابه وبلا أمر منه .
البون الشاسع بين الموافقين على المجلس الرئاسي وحكومته والمعارضين لها برئاسة رئيس البرلمان لا يمكن حله بجلسات البرلمان الحالي المعيبة، وبمطالبها (غير واقعية) مثل العودة إلى المسودة السابقة أو تعديل بنودها، وتحويل إختصاصات الحكومة إلى رئيس البرلمان، وفرض رجالات حفتر على الدولة الليبية، وذهب رئيس المجلس إلى متاهات أخرى مثل حصرية الدعوة للإجتماع لرئيس المجلس، وتشكيل لجنة قانونية للبث في الموضوع، وهو ما يدل على أن الهدف تعطيل الإتفاق بالكامل أو فرض بيادق في الحكومة تكون خيوطها في أيدي المجموعة الفيدرالية المسيطرين على مجلس النواب، والمدعومة من دول عربية أوغلت في دماء الليبيين بالقصف حيناً وبالتزويد بالسلاح والمال والإستخبارات أحيانا كثيرة.
بعد إنتظار قرابة خمسة أشهر من توقيع إتفاق الصخيرات لم يستطيع مجلس النواب أن يعقد جلسة قانونية كاملة النصاب حرة الإرادة، رغم وجود الدعم الدولى والأممي ورغم رغبة الشعب الليبي في أن يرى هذا الإتفاق النور ليحد من معاناته اليومية، مثل نقص السيولة النقدية، وإنعدام الأمن في بعض المدن وتمدد قوات الدولة الإسلامية. هذا المشهد المؤلم يضع أعضاء مجلس النواب الشرفاء بين أمرين، إما الإنتقال إلى مدينة أخرى (ولتكن الجفرة أو غدامس ) بأقصى سرعة وعقد جلسة لتغيير رئاسة مجلس النواب وتضمين الإتفاق في الإعلان الدستوري، وأداء اليمين القانونية لأعضاء الحكومة.
الإحتمال الثاني إنتهاء مجلس النواب إلى غير رجعة، علماً بأن التمديد الأخير لمجلس النواب (لنفسه) يكون بنهاية 20 أبريل 2016م، إضافة إلى أن الدولة الليبية لا تحتاج إلى تشريعات في الوقت الحالي بقدر ما تحتاج إلى بناء المؤسسات، وأن الإتفاق الحالي ليس ناتجا عن عملية ديموقراطية بل عن تفاوض بين كثل سياسية متعارضة، وسيكون هناك مجلس نواب منتخب بعد الإستفتاء على الدستور. والذي يؤيد هذا النهج ان المجلس الرئاسي بتشكيلته الحالية أعطى للفيدراليين والقبليين أكثر من نصيبهم، وبذلك سيقوم هذا المجلس وحكومته بإدارة دفة الدولة إلى حين الإستفتاء على الدستور وتكوين هيكلية جديدة للدولة، وتكون مهامه كما سبق توضيحها في برنامج الحكومة، والتي تتضمن إعادة دمج مؤسسات الدولة، وتفعيل المؤسسات الأمنية وتحريك عجلة الإقتصاد من خلال فتح المواني النفطية المغلقة مع تسيير أمور المواطن اليومية.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً