لعله من نافلة القول التذكير بأن المسار الانتخابي والمتغيرات المتعلقة به في ما يخص انتخابات المجالس البلدية ومحاولة دمج نظام القائمة إلى جانب الترشح الفردي، وبالنظر إلى النظام الذي ستجرى به انتخابات المجالس البلدية وفقاً للموائمة بين نظام الفرد والقائمة وزيادة عدد تمثيل العنصر النسائي، وإن كان هذا نظرياً ربما هناك من يجد وجهاً للدفاع عنه، إلا أنه في الواقع سوف يأتي بأشخاص لا يوجد بينهم رابط، علاوة على أن اختصاصات المجالس البلدية وفقاً للقانون 59 هي غير واضحة، وربما رحلت اختصاصات المحافظات إلى البلديات وبالتالي لاحظنا خلال السنوات الماضية وسوف يستمر ذلك لاحقاً إرباك في دور عمداء البلديات والمجالس البلدية وأنه في الواقع ليس لهم أي سلطة على المرافق والأجهزة داخل بلدياتهم إلا بالقدر الذي تلعبه العلاقات الشخصية بهؤلاء المسؤولين، حيث أن مسؤولي القطاعات في البلدية يتبعون لوزاراتهم.
يضاف إلى عوامل الضعف هذه أننا لاحظنا في التحضير لانتخابات المجلس البلدي القادم لمدينة مصراتة هو ظهور النفس القبلي، حيث إن عددا كبيرا من القوائم قد تمّ بناءً على معطيات قبلية واضحة، الأمر الذي لا يخدم مصلحة المدينة، حيث إن مدينة مصراتة هي مجتمع حضري وأن تعميق العامل القبلي وإدخاله في المناكفات السياسية لا يخدم مصلحة المدينة التي اعتاد الناس فيها على نبذ العامل القبلي، والقبيلة في مدينتنا كما عرفناها هي لا تعدو أن تكون مضلة اجتماعية يجمع بين أفرادها القدر والاحترام، وهذا الرابط الراقي يربط كل قبيلة ببقية القبائل، أمّا أن تصبح القبيلة وسيلة وغاية لمآرب أخرى فهذا ما لا يرتضيه عاقل.
وأحببت التنبيه لهذه الظاهرة كي لا تستفحل ويكون الاختيار وفقاً لهذا المعيار على حساب القدرة والكفاءة والنزاهة، كما أنني أجد أنه من الإنصاف أن لا يكون التركيز على إجراء انتخابات دون ضوابط مقنعة بل يجب أن يتوجه الاهتمام عوضاً عن ذلك إلى الضغط المتواصل من كل أبناء الوطن الشرفاء في اتجاه الاستفتاء على مسودة الدستور، حتى يتضح دور الإدارة المحلية وعلاقة المؤسسات بعضها ببعض وحدود الاختصاص والمسؤولية بين الأجهزة المركزية مؤسسات الدولة والإدارة المحلية، أما أن نجري انتخابات ولا يعرف حتى من يتم انتخابه الدور المنوط به أو الاختصاصات الموكل إليه فهذا أمر لا يخدم قضية بناء دولة المؤسسات التي هي على رأس أهداف ثورة السابع عشر من فبراير.
كما أنه لا يعقل أن هناك بلدية قوامها 3 آلاف نسمة وبلدية أخرى عدد سكانها 500 ألف نسمة، وخلاصة القول نحن بحاجة لمعرفة دور الإدارة المحلية في التنمية المحلية وحدود العلاقة بينها وبين أجهزة الدولة المركزية ومؤسساتها وما إذا كانت وحدة الإدارة المحلية هي البلدية أو المحافظة أو الإقليم فهذا تفصيل مهم لا بد أن يتناوله الدستور في قواعده العامة و تأتي في ما بعد القوانين التي تفصّل هذه القواعد.
وبالتالي فإنني لا أرى أن هذه الانتخابات المزمع إجراؤها في البلديات ستغير في المشهد الراهن، بل ربما يكون التغيير إلى أسوء مما نحن فيه، خاصة وإن هناك مناطق في ليبيا لا يمكن إجراء أي انتخابات فيها إلا وفقاً لأهواء المشير وزبانيته وهي مناطق شرق البلاد وجنوبها حيث ألغيت مجالس منتخبة فيها وتم تكليف الإدارة المحلية فيها لأشخاص وفقاً لهوى الطاغوت، كما أن هناك مناطق سيكون الإفراز فيها وفقاً لأنصار الثورة المضادة الذين يتربصون لإعادة النظام القديم مستغلين الفراغ الدستوري، وقد نجد أنفسنا في يوم من الأيام قد ابتعدنا عن حلم بناء دولة المؤسسات والقانون، والله من وراء القصد.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً