إنَّ للإيمانِ الصحيحِ فوائدَ وثمراتٍ عاجلةً وآجلةً في القلبِ والبدنِ والحياةِ الطيّبةِ في الدنيا والآخرة، كما أنَّ لهذه الشجرة الإيمانية من الثمارِ اليانعةِ، والجنى اللذيذ، والأُكل الدائم، والخير المستمر، أمور لا تحصى، وفوائد لا تستقصى، ومجملها: أن خيراتِ الدنيا والآخرة ودفعَ الشرورِ كلِّها من مردها إلى الإيمانِ الصحيح. وذلك أنَّ شجرةَ الإيمانِ الصحيح إذا ثبتتْ وقويتْ أصولُها، وتفرّعتْ فروعُها، وزهت أغصانُها، وأينعتْ أفنانُها، عادت على صاحِبها وعلى غيرِه، بكل خيرٍ عاجلٍ أو آجلٍ. ومن أعظم ثمار الإيمان وفوائده:
1 ـ الاغتباطُ بولايةِ الله تعالى:
الاغتباط بولاية الله هي أعظمُ ما يتنافس فيه المتنافسون، وأجلُّ ما حصّله الموَّفقون، قال تعالى: {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ*الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ*} [البقرة :62 ـ 63]، فكلُّ مؤمنٍ تقيٍّ فهو للهِ وليُّ خاصّةً. والتقوى من شروط ولاية الله الخاصة، ومن شروط التمكين لهذه الأمة، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ*} [الأعراف :96]. وللتقوى ثمرات عاجلة وآجلة، منها:
الثمرة الأولى: المخرج من كل ضيق، والرزق من حيث لا يحتسبه العبد: قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} [الطلاق :2 ـ 3].
الثمرة الثانية: السهولةُ واليسرُ في كلِّ أمرٍ: قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا*} [الطلاق :4].
الثمرة الثالثة: تيسيرُ العلمِ النافعِ: قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ*} [البقرة :282].
الثمرة الرابعة: إطلاقُ نورِ البصيرة: قال تعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً} [الأنفال :29].
الثمرة الخامسة: محبَّةُ اللهِ والقبولُ في الأرض: قال تعالى: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ *} [آل عمران: 76].
الثمرة السادسة: نصرة الله عزَّ وجلَّ وتأييده وتسديده، وذلك في قول الله عزَّ وجلَّ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ *} [البقرة :194]. فهذه هي معيةُ التأييد والتسديد، وهي معيةُ الله عزَّ وجلَّ لأنبيائه وللمتقين والصابرين.
الثمرة السابعة: الحفظ من كيد الأعداء: قال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ*} [آل عمران: 120].
الثمرة الثامنة: حفظ الذرية الضعاف بعناية الله تعالى: قال تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا *} [النساء :9]، ففي الآية إشارةٌ إلى إرشادِ المسلمين الذين يخشون تركَ ذريةٍ ضعافًا إلى التقوى في سائر شؤونهم، حتى يحفظَ أبناءَهم، ويدخلوا تحت حفظِ اللهِ وعنايته، والآية تشعِرُ بالتهديدِ بضياعِ أولادِهم إن فقدوا تقوى الله، وإشارةٌ إلى أنَّ تقوى الأصولِ تحفظُ الفروعَ، وأنَّ الرجالَ الصالحين يُحْفَظُوْنَ في ذريتهم الضعاف.
الثمرة التاسعة: قبولِ الأعمال التي بها سعادةُ العبد في الدنيا والآخرة: قال تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ*} [المائدة :27].
الثمرة العاشرة: سببُ للنجاةِ من عذاب الدنيا: قال تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ *وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ*} [فُصلت :17 ـ 18].
الثمرة الحادية عشرة: تكفيرُ السيئات: قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا*} [الطلاق :5].
الثمرة الثانية عشرة: ميراث الجنة: قال تعالى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا*} [مريم :63] فهم الورثة الشرعيون لجنّة الله عزَّ وجلَّ، وهم لا يذهبون إلى الجنة سيرًا على أقدامهم، بل يحشرون إليها ركبانًا، مع أنَّ الله عزَّ وجلَّ يقرِّبُ إليهم الجنة تحيةً لهم، ودفعاً لمشقتهم، كما قال تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ*} [ق :31].
الثمرة الثالثة عشرة: تجمعُ بين المتحابّينِ مِنْ أهلِهَا: قال تعالى: {الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ*} [الزخرف :67] .
إنَّ هذه الثمار العظيمة عندما تمسُّ شغافَ قلوبِ المسلمين تضفي على الأمةِ فيضاً ربانياً موصولاً بالله، يصِلُ حلقةَ الدنيا بالآخرة، كما أنَّ الحرص على تقوى الله تعالى يكسِبُ الأمة صفاتٍ رفيعةٍ، وأخلاقاً حميدةً، ومكارمَ نفيسةً تجعل هذه الأمة مؤهَّلة لقيادة البشرية نحو سعادتها.
2 ـ الفوز برضا الله تعالى:
من ثمرات الإيمان، الفوز برضا الله تعالى، قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ *وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ*} [التوبة :71 ـ 72]، فنالوا رضا ربهم ورحمتَه، وفازوا بهذه المساكن الطيبة، بإيمانهم الذي كمَّلوا به أنفسهم، وكملوا غيرَهم بقيامهم بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكر، فاستولوا على أجلِّ الوسائل، وأفضلِ الغايات.
3 ـ دفاع الله تعالى عن المؤمنين:
ومن ثمرات الإيمان، أنَّ الله يدفعُ عن المؤمنين جميعَ المكاره، وينجيهم من الشدائد، كما في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج :38]، أي: يدافِعُ عنهم كلَّ مكروه، ويدافعُ عنهم شرَّ شياطينِ الإنسِ وشياطينِ الجنِّ، ويدافعُ عنهم الأعداء، ويدافع عنهم المكاره قبل نزولها، ويرفعها أو يخفضها بعد نزولها.
4 ـ الحياة الطيبة:
من ثمرات الإيمان، الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ*} [النحل :97]، وهذا وعدٌ ربانيٌّ لمن جمعَ بين الإيمانِ والعملِ الصالح، بأنْ يتفضَّلَ الله عزَّ وجل عليه بالحياة الطيبة.
5 ـ حصولُ البشارةِ بكرامةِ اللهِ والأمنِ التامِّ من جميع الوجوه:
في قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ*} [البقرة :223]، فأطلقَها ليعمَّ الخيرُ العاجلُ والآجل، وقيّدها في مثل قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [البقرة: 25]. وللمؤمن البشارةُ الكاملةُ كما قال تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخرة} [يونس :64]. كما رتب المغفرةَ على الإيمان، ومَنْ غُفِرَتْ سيئاتُه، سَلِمَ من العقاب، ونال أعظمَ الثواب.
6 ـ حصول الفلاح والهدى:
ومن ثمراتِ الإيمانِ، حصولُ الفلاح الذي هو إدراكُ غايةِ الغايات، فإنّه إدراكُ كلِّ مطلوبٍ، والسلامةُ من كلِّ مرهوبٍ، والهُدى الذي هو أشرفُ الوسائل، كما قال تعالى بعدما ذكّر المؤمنين بما أَنْزَلَ على محمّدٍ صلى الله عليه وسلم وما أَنْزَلَ على مَنْ قبله، والإيمان بالغيب، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة: اللتين هما من أعظم آثار الإيمان، قال تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدَىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ*} [البقرة : 5] فلا سبيلَ إلى الهُدى والفلاح، اللذيـن لا صلاحَ ولا سعادةَ إلاَّ بهما، إلا بالإيمانِ التامِّ بكلِّ كتابٍ أنزلـه، وبكلِّ رسولٍ أرسلـه، فالهُـدَى أجلُّ الوسائل، والفلاحُ أكمـلُ الغايات.
7 ـ الانتفاعُ بالمواعظ والتذكير:
من ثمراتِ الإيمان الانتفاعُ بالمواعظ، والتذكير والآيات، قال تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ*} [الذاريات :55]؛ لأنَّ الإيمانَ يحمِلُ صاحبه على التزام الحقِّ واتباعه، علمًا وعملًا، وكذلك معه الآلةُ العظيمة والاستعدادُ لتلقّي المواعظ النافعة، والآيات الدالة على الحق، وليس عنده مانعٌ يمنعه من قبول الحق، ولا مِنَ العمل به، كما أنَّ الإيمان يوجِبُ سلامةَ الفطرة، وحُسْنَ القصد، ومن كان كذلك انتفعَ بالآيات.
8 ـ قطعُ الشكوكِ التي تضرُّ بالدين:
منها أنَّ الإيمانَ يقطعُ الشكوكَ التي تعرِضُ لكثيرٍ من الناس، فتضرُّ بدينهم، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات :15] أي: دفعَ الإيمانُ الصحيحُ الذي معهم الرَّيْبَ والشكَّ الموجود، وأزاله بالكلية، وقاومَ الشكوكَ التي تُلْقِيها شياطينُ الإنس والجن، والنفوسُ الأمّارةِ بالسوء، فليس لهذه العلل المهلِكَةِ دواءٌ إلاَّ تحقيقُ الإيمانِ.
9 ـ ملجأ المؤمنين:
من ثمراتِ الإيمان وفوائدِه، أنَّ الإيمانَ ملجأُ المؤمنين في كلِّ ما يلمُّ بهم، من سرورٍ، وحزنٍ، وخوفٍ، وأمنٍ، وطاعةٍ، ومعصيةٍ، وغيرِ ذلك من الأمور:
1. يلجؤون إلى الإيمان عند المكارِه والأحزانِ، فيتسلّون بإيمانهم وحلاوته، ويتسلّون يما يترتّب على ذلك من الثوابِ، ويقابِلونَ الأحزان والقلق براحة القلب والرجوع إلى الحياة الطيبة المقاومة للأحزان والأتراح.
2. يلجؤون إلى الإيمانِ عند الخوف، فيطمئنون إليه، ويزيدهم إيمانًا وثباتًا، ويضمحِلُّ الخوفُ الذي أصابهم، كما قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ*فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ*} [آل عمران: 173 ـ 174].
3. يلجؤون إلى الإيمان عند الأمن، فلا يُبْطِرُهم، ولا يُحْدِثُ لهم الكبرياء، بل يتواضعون، ويعلمون أنّه من الله، ومن فضلِه، وتيسيره، فيشكرون الذي أنعمَ بالسبب والمسبب.
4. يلجؤون إلى الإيمان عند الطاعة، فيتعرّضون بنعمة الله عليهم بها، ويحرصون على تكميلها.
10 ـ المنع من الوقوع في الموبقات المهلكة:
إن الإيمانُ الصادقُ الصحيحُ، يصحبُهُ الحياءُ مِنَ الله، والحبَّ له، والرجاء القويّ لثوابه، والخوف من عقابه، والنور الذي ينافي الظلمة، وهذه الأمورُ التي هي من مكمّلات الإيمانِ لا ريبَ أنها تأمرُ صاحبَها بكلِّ خير، وتزجره عن كلِّ قبيحٍ، فأخبر أنَّ الإيمانَ إذا صحبَه عند وجود أسباب هذه الفواحش، فإنَّ نورَ إيمانه يمنعه من الوقوع فيها، فإنَّ النورَ الذي يصحب الإيمانَ الصادقَ، ووجودَ حلاوةِ الإيمانِ، والحياءَ مِنَ اللهِ، الذي هو من أعظم شعب الإيمان، بلا شك، يمنعُ من مواقعةِ هذه الفواحش.
11 ـ الشكر والصبر:
إن الشكرُ والصبرُ هما جِماعُ كلِّ خيرٍ، فالمؤمنُ مغتَنِمٌ للخيرات في كلِّ أوقاته، رابحٌ في كلِّ حالاته. فيجتمع للمؤمن عند السرّاء نعمتان: نعمةُ حصولِ ذلك المحبوب، ونعمةُ التوفيق للشكر الذي هو أعلى من ذلك، وبذلك تتمُّ عليه النعمة.
ويجتمعُ له عند الضّراء ثلاثُ نعم: نعمةُ تكفيرِ السيئات، ونعمةُ حصولِ مرتبة الصبر، التي هي أعلى من ذلك، ونعمةُ سهولةِ الضرّاء عليه؛ لأنّه متى عرفَ حصولَ الأجرِ والثوابِ والتمرن على الصبر هانت عليه وطأةُ المصيبةِ، وخفّ عليه حملها.
12 ـ تأثيرُه على الأعمال والأقوال:
ومن فوائد وثمرات الإيمان، أنَّ جميعَ الأعمال والأقوالِ إنّما تصحُّ وتكمُلُ بحسب ما يقومُ بقلبِ صاحبها من الإيمانِ والإخلاصِ، ولهذا ذكر الله هذا الشرطَ الذي هو أساسُ كلِّ عمل، مثل قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} [الأنبياء :94] أي لا يُحْجَدُ سعيُه، ولا يضيعُ عملُه، بل يُضاعفُ بحسب قوّة إيمانِه.
13 ـ محبة الله والمؤمنين من خلقه:
من ثمراتِ الإيمان ولوازمه من الأعمال الصالحة ما ذكره الله تعالى بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَانُ وُدًّا*} [مريم :96] أي: بسببِ إيمانهم وأعمالِ الإيمانِ يحبُّهم الله، ويجعلُ لهم المحبّةَ في قلوب المؤمنين، ومن أحبّه الله، وأحبّه المؤمنون من عباده، حصلتْ له السعادةُ والفلاحُ، والفوائد الكثيرة من محبة المؤمنين، من الثناء والدعاء له حيًا وميتًا، والاقتداء به، وحصول الإمامةِ في الدين، وهذه أيضًا من أجلِّ ثمراتِ الإيمان.
14 ـ رَفْعُ اللهِ مكانتهم:
ومن فوائد وثمرات الإيمان، رفع مكانة أهله عند الله عزَّ وجلَّ وعند خلقه قال: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة :11] فهم أعلى الخلق درجةً عند الله وعند عباده في الدنيا والآخرة، وإنّما نالوا هذه الرفعة، بإيمانهم الصحيحِ، وعلمهم، ويقينهم، والعلم واليقين من أصولِ الإيمانِ.
مّا تقدّم يتبيَّنُ لنا أنَّ شجرة الإيمان من أبركِ الأشجارِ وأنفعِها وأدومها، وأنَّ عروقها وأصولها وقواعدها: الإيمانُ وعلومُه ومعارفُه، وساقُها وأفنانُها: شرائعُ الإسلام والأعمالُ الصالحةُ والأخلاقُ الفاضلةُ المؤيَّدةُ المقرونةُ بالإخلاص لله، والمتابعةُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنَّ ثمارها وجناها الدائم المستمر: السمتُ الحسنُ، والهدي الصالح، والخلقُ الجميلُ، واللهجُ بذكر اللهِ وشكره، والثناءُ عليه، والنفعُ لعباد الله بحسب القدرة، نفعُ العلم والنصح، ونفعُ الجاه والبدن، ونفع المال، وجميعُ طرق النفع، وحقيقةُ ذلك كلّه: القيامُ بحقوق الله، وحقوق خَلْقِهِ، وأنَّ الفضلَ في ذلك كلّه لله وحدَه، والمنّة كلُّها له سبحانه: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ*} [الحجرات :17]. وقال أهل الجنة بعد ما دخلوها، وتبوّؤوا منازلهم، معترفين بفضل ربهم العظيم: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ *} [الأعراف :43]، فجمعَ في هذه الآية بين الإخبارِ باعترافهم وثناءهم على الله بنعمته وفضله، حيث وصلوا إلى المنازل العالية، وبَيْنَ ذكر السبب الذي أوصلهم إلى ذلك بمنّة الله عليهم به، وهو العمل الصالح الذي هو الإيمان وأعماله.
مراجع المقــال:
1. البخاري في صحيحه، كتاب: بدء الخلق، باب: صفة إبليس وجنوده، ص 3276.
2. علي الصلابي، الإيمان بالله جل جلاله، ص. ص 197 ـــ 209.
3. علي الصلابي، فقه النصر والتمكين، ص 204.
4. القاسمي، محاسن التأويل، 5/47.
5. محمد بن ناصر السعدي، شجرة الإيمان، ص. ص63 ـ 64.
6. مسلم في صحيحه، كتاب: الإيمان، باب: بيان الوسوسة في الإيمان، وما يقوله من وجدها، ص 132.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
الاعتقاد في الإسلام بان هناك حياة بعد الموت وعالم اخر يحاسب فيه الناس على أعمالهم هو اعتقاد خرافي ضربت جدوره الاف السنين قبل ظهور الإسلام… فالصينيون كانوا يضعون الطعام في قبور موتاهم اعتقادا منهم ان الموتى تذهب للعيش في عالم اخر… وسوف يحتاجون هذا الطعام في طريقهم الى ذلك العالم. هذا الاعتقاد مزال معمول به في الصين حتى يومنا هذا…
كذلك تجد نفس الخرافة موجودة في عهد الفراعنة الاف السنين قبل نزول الوحي على محمد… فالفراعنة كانوا أيضا يعتقدون بان هناك حياة بعد الموت في عالم اخر ولذلك قاموا بتحنيط اجسام موتاهم…ووضع بعض الأغراض والأدوات والاكل معهم في قبورهم لاستعمالها في ذلك العالم. بالإضافة الى ذلك الفراعنة كانوا يعتقدون بان هناك يوم حساب في الاخرة…عندها سوف يحاسب والانسان على اعماله بكفى ميزان العدالة…حيث توضع حسناته في كفه وسيئاته في الكفة الأخرى…فاذا ثقلت كفة ميزان حسناته على سيئاته فسوف يسمح له لذهاب للعيش في عالم الخلود…وإذا خفت كفت حسناته على سيئاته فسوف يدفع به الى عالم العدم … وهذا الاعتقاد الخرافي عند الفراعنة كان هو المصدر للآيات القرآنية التي تقول ” فمن يعمل مثقال `ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره” وكذلك الآية القرآنية التي تقول “واما من خفت موازنه فهو في عيشة راضيه واما من ثقلت موازنه فامه هاويه” والهاوية هنا تعنى العدم!
https://youtu.be/7zyXckcObiE