أرجئنا الجزء الثالث من مقالتنا هل الاسلام هو الحل أم الليبرالية (3)؟ لنبين أكثر مدى ما يتم الحاقه برسالة الاسلام من تشويه ممن يحتلون المشهد السياسي على الخارطة الاسلامية ممن اصطلح على تسميتهم اسلاميين. وهذا لا يعني أننا نعمم، بل نقول الغلب، و نؤكد أنا من بينهم من لا يتخلق بهذه الاخلاق ولكنهم قليل.
المباديء والاخلاق لا يغرسها الدين ، صحيح أن الاسلام يحرض على تمام الأخلاق ويحث على التمسك بالمباديء، الا أنه يجب أن تكون هناك بذرة جيدة في نفس الشخص لكي يتم رعايتها حتى تينع وتثمر.
وللأسف فإن الكثير من الاسلاميين لا يتخلقون بكثير من الاخلاق ولا يعرفون للمباديء معنى، وهذه ناتج عن شخصيتهم هم أساساً، ولذلك تراهم كثيري السباب والشتاءم والقذف، وحتى في المعارك لا يعرفون أخلاق الفرسان، و لايدرون أنها تظهر في أشد المواقف إثارة للعواطف والغرائز، وما شهر صلاح الدين الأيوبي لدى أعداءه غير ذلك، فتجدهم يمجدون قتل المدنيين من نساء وأطفال وشيوخ ولو كانوا من الاسرائليين وغيرهم.
أما المباديء فحدث و لا حرج، لا معنى لها إلا لتبييض الصورة وتأجيل البوح بالمعدن الحقيقي حتى الإطباق على السلطة كل لا يتجزأ، لأن لا مباديء لهم – تقريباً – خلا الحصول على السلطة واستئصال شأفة أعدائهم من كفار ومنافقين ومشركين ومرتدين (وهؤلاء كلهم مسلمو وطنهم طبعاً). وهذا يتبين جلياً فاقعاً في كتابات الكثير من هؤلاء، فجميع جهابذة التيار السياسي الاسلامي – خلا الجهاديين – تجد كتاباتهم لا تستثني تقريباً بلداً ولا علمانياً او ليبرالياً، ودائماً ما تنسب الدكتاتورية لتيار علماني أو ليبرالي متحالف مع الديكتاتورية، ولكن أياديهم ترتعش وأقلامهم تجف وألسنتهم تتلعثم عن ذكر نماردة وفراعنة دولة يعرفونها جيداً وما يحدث فيها من ذات الظلم باسم الدين، بل أن هذه الدولة أقامتها طائفة عن طريق الجهاد (الله على الجهاد) قتل الناس وسرقة أموالهم بحجة أنهم كفار ومشركين ومنافقين، بقيادة جماعة شخص يلقبونه الشيخ المجدد، ولو كان في دولة تحترم نفسها وعند اناس يحدركون جوهر الإسلام ويحترمون الإنسان فعلاً للقب بالسفاح السارق، أوقراصنة البر، أو علي بابا والأربعين حرامي.
1- النفاق السياسي
لا حول ولا قوة الا بالله، يشرعنون ويؤصلون للنفاق السياسي تحت أسم فقه التمكين وفقه الاستضعاف. لمن لا يدري معنى فقه الاستضعاف وفقه التمكين. فهو كأن يقول ويملأ الدينا أيام القذافي شيخ في ليبيا عن المراجعات والمصالحة ويعمل مع سيف على الاصلاح ويروج للمواطنة ووووو (وقت الاستضعاف) (النفاق يعني). وما إن تتحرر طرابلس حتى يحل زمن التمكين، والذي يقال فيه ما يعتقد ويؤمن به فعلاً بدون مواربة ولا نفاق فيصبح حتى من كان نعهم على ذات المركب كمحمود جبريل واعضاء المكتب التنفيذ ليبراللين كفرة يسعون لهدم الاسلام وقتل المسلمين ويجب أبعادهم وربما قتلهم.
فأحد السلفيين في كتاب علمي (الله عالعلم) يقول :”…. وينصح هؤلاء (أي من يخالفهم من ليبرالين وعلمانيين وغيرهم ) في زمن الاستضعاف (قبل سيطرتهم على السلطة) بالرفق واللين والانفتاح والوصل. ولكن……. ماذا يحدث وقت التمكين (السيطرة على السلطة يقصد).. ينقلب كل شيء. فيأتي الولاء والبراء والهجر والمفاصلة!!! (الهلتريون الجدد).
أما عن تطابق دعوات الاسلاميين مع غيرهم ضد الدكتاتورية والظلم، فيقول لا بأس، ويستعين بأحدى سقاطات ابن تيمية (وما أكثرها) لتأييد رأيه حيث يقول ابن تيمية: فالمؤمن يعرف المعروف وينكر المنكر، ولا يمنعه من ذلك موافقة بعض المنافقين له ظاهراً “. وابن تيمية يقصد بالمنافقين هنا المسلمين (ولا حول ولا قوة الا بالله).
فثورات الربيع العربي على فكرة معصية وإثم والنهي عنها طاعة، ولكن سكتوا عنها لما قد يترتب علي هذه المعصية (الثورة!!!!) من طاعة ومصلحة وهي سيطرتهم على السلطة.
واستعانوا في ذلك أيضاً بأحد فتاوى ابن تيمية. وشيء أكيد أن يستعينوا بذلك فطالما أطلق ابن تيمة وغيره من المشايخ مصطلح المصلحة والمفسدة، فيمكن أن تكون المفسدة هي الثورة أو الانتخابات التي يسكت عنها، والمصلحة هي السيطرة على السلطة ونشر رأي ابن تيمة وآراءهم الاقصائي ولو بالقوة، قوة القانون او السلاح أو البدن لايهم. فكما يستعينون بقوله تعالى: يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون”. والكافرون هنا أبناء وطنهم .
فالانتخابات مفسدة ولكن الصملحة أحياناً تجيز ارتكاب المفسدة لتحقيق المصلحة (المصلحة والمفسدة على مزاجك طبعاً) فابن عثيمين يقول عن الدخول إلى البرلمان فقال: ادخلوا أتتركونها للعلمانيين والفسقة!!!! ولكن سماحته لم يبين لنا من هم الفسقة لكي لا ننتخبهم!!!! (كعادتهم تمنح صكوك الفسق والفجور والكفر والايمان يمنة ويسرة كما كان فراعنة السلطة يمنحون صكوك الخيانة والوطنية)
كما يستند هذا التيار في تأصيله قولاً وفعلاُ للنفاق للسياسي لاحدى سقطات ابن تيمية (وما أكثرها) والتي يبين فيها أن الأصل في غير المسلمين (من كفار ومنافقين) هو القتال والقتل والجزية واالصغار (أي بدون كرامة). وأما الآيات التي تدل على عكس ذلك أو لايفهم منها ذلك فقد كانت وقت استضعاف المسلمين في مكة!!!! (حول ولا قوة الا بالله). الصارم المسلول (2 ،413).
فيقول ابن تيمية : ” وحيث عجز عن جهاد الكفار عمل بآية الكف عنهم والصفح، وحيث ما حصل القوة خوطب بقوله (جاهد الكفار والمنافقين) والمنافقين هنا يقصد بها المسلمين من غير مذهب أو اتجاه بن تيمية . (الصارم المسلول 3 ، 681 – 683).
تعالى الله وتبارك وحاشا صلى الله عليه وسلم مثل هذا الرأي. والمنافقين عند ابن تيمية والاسلاميين هم المسلمين من بني وطنهم ممن لا يقولون برأيهم.
2-الغاية تبرر الوسيلة
كلنا يعرف عبارة عبارة مكيافيلي الشهيرة الغاية تبرر الوسيلة (the means justify the ends) الا أنه يبدوا أن مكيافيلي أخذها من الاسلاميين المتقدمين وفقاً لرأي وتأصيل الاسلاميين المتأخرين. ألا تدرون أنها من نهج الاسلام وفقاً للاسلاميين؟!!!!!!
نعم واستندوا في ذلك لأحد سقطات الشيخ العز بن عبد السلام حيث يقول:”يجوز الاعانة على المعصية لا لكونها معصية، بل لكونها وسيلة الى تحصيل المصلحة الراجحة!!!!. ويقول أيضاً:” والكذب مفسدة محرمة الا أن يكون فيه جلب مصلحة أو درء مفسدة فيجوز تارة ويجب تارة اخره (قواعد الاحكام، ج1 ، ص61 – 78).!!!!
كما استندوا الى سقطات وسوء فهم فتاوى مشايخ آخرين ومنهم القرافي حيث يقول : وقد تكون وسيلة المحرم غير محرمة اذا أفضت الى مصلحة راجحة (الذخيرة 1 ، 153) . كما يجيز ابن تيمية يجييز ارتكاب السيئة إذا أدت إلى مصلحة أعلى!!!!
وما هي المصلحة والمفسدة في وقتنا الراهن في السياسة ؟ وإن كانوا لا يبوحون بذلك عملاً بفقه النفاق…آسف (فقه الاستضعاف والتمكين) .
والمصلحة في واقعنا اليوم نصرة المذهب والاتجاه والانتصار على أعدائهم المشركين الكفرة الفساق الفجرة من غير اتجاههم. والسيئة هي مقولات الديمقراطية و المواطنة واحترام الآخر واحترام الدستور والقانون وغيرها .
من يظن ان الاسلاميين يؤمنون بالديمقراطية فعلاً وبالياتها وبحكم القانون وبالمواطنة فهو واهم، لانهم استعاروا مفهوم التقية (النفاق) لدى الشيعة وطوروه واستعانوا (بل) ربما مكيافيلي هو من إستعان بهم، فأجازوا اللجوء الى أي وسيلة للوصول الى السلطة .
أما الحلف على احترام الدستور والقوانين فيجيزون ذلك توريةً وكذباً أو تغييراً في الحلف. ويستدون في ذلك الى فتاوى للآسف، ومنها قول النووي إن حلف بغير استحلاف الحاكم نفعت التورية. ويقترحون بأن يصيف سراً الى صيغة اليمين ما يقيد ذلك اليمين. واستدنوا كذلك الى ابن القيم، حيث يقول:” اذا استحلف على شيء فأحب أن يحلف و لا يحنث، فالحيلة أن يحرك لسانه بقوله: إن شاء الله (اعلام الوقعين 5/351).
صاحب المباديء والمدافع عن كرامة الانسان لا يتلون، يخدع نفسه من يظن أن غالبية الاسلاميين ينظرون لمخالفيهم على أنهم مواطنين لديهم حقوق وواجبات، بل يتباين تصنيفهم بين كافر ومرتد ومشرك ومنافق وفاسق فاجر. ولكن للأن اغلبهم استمرأ النفاق والتملق والغدر فلا يصرحون بذلك علناً، وإنما كسقطات في كتاباتهم أو في مجالسهم الخاصة.
ولكن يجب الا يشطح بالبعض الخيال ان هذا سببه الاسلام، فلا والله، لو أدركنا جوهر الاسلام بتفكره وتدبره بذهن إنساني صافي خالي من العقد وآفات الانسان المعروفة ، وهو لعمري نقطة البدء لم وصلنا الى هذه الافكار الممجوجة ولهذا الجبن والنفاق والكذب والتواء المباديء وتلونها حسب غاياتنا المكنونة. فنحن لسنا كبن لادن نخشى على صورة القاعدة،بل على صورة الاسلام، ليس في ذاته فهو محفوظ بحفظ رب العالمين، ولكن لئلا يهتدي به انسان ولوكان في أقصى القطب الجنوبي بسبب هذا التشويه.
ولنا عودة الى جوهر الاسلام والليبرالية وأيهما أفضل في الجزؤ الثالث من سلسلة مقالتنا هل الاسلام هو الحل أم الليبرالية.
للتواصل مع الكاتب:
alnaas1980@yahoo.com
saadalnaas@yahoo.com
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً