المفهوم التقليدي للأمن القومي هو حماية الحدود الجغرافية للدولة ضد الهجوم العسكري الأجنبي، إلا أن هذا المفهوم تطور تطورا كبير في الزمن الحاضر ليشمل الأبعاد غير العسكرية، فأصبح يهتم بالأمن الاقتصادي وأمن الطاقة، ومع تفاقم المشاكل البيئية اصبح أمن البيئة من الملفات المهمة التي تدخل في نطاق الأمن القومي، وكل حدث يؤثر في حياتنا أصبح ملفا خاص من الملفات التي يهتم بها الأمن القومي، فالإرهاب والجريمة بكل أنواعها أصبحت جزء مهم من عناصر الأمن القومي، والمياه والغداء هي أيضا عناصر من عناصر الأمن القومي، وتطور الاتصالات وجرائم الفضاء الافتراضي والاستثمارات متعددة الجنسيات أدخلت تحديات جديدة وأضافت عناصر أمنية أخرى كالأمن السيبراني، وممكن أيضا أن نتحدث عن الأمن الثقافي كأحد اهم الملفات الأمنية باعتباره يمس بهوية الدولة والوطن.
ولأن العالم اليوم يتكون من دول وتكتلات إقليمة ودولية، وجب أن نفرق بين مصطلحين متداخلين بشكل كبير جدا ينعكس تداخليهما سلبا وإيجابا على مفهوم الأمن، وهما الأمن القومي الوطني والأمن القومي الإقليمي.
فمثلا الأمن القومي لدولة ما هو أمنها الوطني الذي قد لا يتطابق تماما مع الأمن القومي للإقليم وللفضاء الجغرافي الذي تنتمي إليه.
لهذا هناك في الواقع تباين بين الأمن المحلي لوطن ما وأمن التكتل الدولي أو الفضاء الجغرافي الذي ينتمي إليه هذا الوطن.
هذا التباين أنتج ما يمكن أن يخلق إشكالية بين ما نعتبره أمن الوطن وأمن محيطه الذي ينتمي إليه، سياسيا أو جغرافيا أو تاريخيا أو فكريا أو اقتصاديا أو ثقافيا، نتيجة التداخل بين الأمنين.
لهذا نرى أن بريطانيا مثلا عندما كانت عضو في الاتحاد الأوربي لم توقع اتفاقية شينغن التي تتيح لحامليها حرية التنقل بين الدول الأوربية، ذلك أن بريطانيا كانت ترى في هذه التأشيرة تهديدا لأمنها، وبالتالي رغم عضويتها في الاتحاد الأوروبي إلا أنها نظرت إلى أمنها الوطني بمنظار لا يتفق مع المنظار الأوربي لنفس القضية.
الشعب الليبي، بسبب الدين والثقافة والتاريخ، ينتمي إلى أكثر من فضاء إقليمي ودولي، فله بُعد عربي وله بعد إسلامي وبعد مغاربي، لذلك فقضية الأمن القومي الليبي تتداخل وربما تتقاطع أحيانا مع الأمن القومي العربي والإسلامي والمغاربي.
لذلك لا نستطيع أن نعزل أمنها عن الأمن القومي بهذا المحيط الذي ترتبط به، لكن أيضا لا يتطابق معها حتما. إذا، ارتباطها به يحكمه تفاهمات ومواثيق دولية وإقليمية وربما محلية ايضا.
إشكالية تعدد الهويات وتعدد التكتلات، لم تترك قضية الأمن القومي لأهواء الدول أعضاء المجتمع الدولي، وإنما عولجت من خلال المواثيق الدولية والإقليمية حتى لا يؤدي هذا التداخل إلى طغيان أمن دولة على أخرى، ويمنع تدخل دولة خارجية في الشؤون الداخلية لدولة أخرى.
أين يمكن أن نضع خطوط مصر الحمراء ضمن مفاهيم الأمن القومي المحلي والإقليمي، وما مدى مشروعية التدخل المصري في ليبيا؟.
حتى نجيب عن هذا السؤال، علينا أن ننظر إلى أمرين مهمين وهما: علاقة مصر بالأجسام الشرعية في ليبيا، والأمر الثاني هل ترسم مصر خطوطها الحمراء بناء على خطر الوضع الليبي على الأراضي المصرية أم بسبب توجهها السياسي وموقفها من الإسلاميين؟.
العلاقة بين الدول والتعامل بينها يمر عبر الحكومات، وبالتالي فإن أي تعامل يبتعد عن هذا الجسر يعتبر تعامل غير مشروع وتدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدولة. مصر، وكل دول العالم، تعترف باتفاق الصخيرات وقد شاركت فيه وشهدت على توقيعه.
واتفاق الصخيرات أوجد المجلس الرئاسي الذي يمثل راس النظام الليبي والجسم التنفيذي الذي يدير دفة الدولة.
لذلك، فالدول التي تعترف بالاتفاق السياسي أوشاركت في صياغته أو شهدت عليه تدان أن عملت على تجاوز المجلس الرئاسي في تعاملاتها مع الدولة الليبية.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً