لا يسري النسيان على ألعاب الطفولة والصبا، فالمرء مهما تقدم به العمر وأفلت من الزهايمر، سيتذكر تلك الساعات الممتعة، المستقطعة من صرامة الانضباط في المدرسة وإرهاق الواجبات، حين تمسى كل أزقة القرية ميدانا يمارس فيه الأولاد والبنات العابهم الموسمية، كل على حدة، إذ يبدأ الفصل الاجتماعي بين الجنسين مبكرا. تميزت ألعاب البنات بالرقة، وسهولة المنافسة، وقلة التكلفة. لعبة تفتح الوردة كانت من بين الألعاب التي مارستها البنات بفرح وشغف. عبر تشابك الأيدي، تشكل البنات دائرة يتسع قطرها ويضيق بفرد الأيدي علي اتساعها، ثم ضمها في حركة منتظمة متوازية، مع أغنية جماعية تصدح بها حناجر الفتيات. افتحي ياوردة.. صكري ياوردة. الصبية التي تمتع بقوة الشخصية هي من يقود اللعبة عادة وتتبعها الاخريات. وبعد جولة من فتح الوردة وإغلاقها، تنتهي اللعبة، فتتحرر الأيدي، وتنصرف الصبايا إلى لعبة أخرى أو شأن آخر.
تذكرت هذه اللعبة حين تداعى للذاكرة مرح سنوات الصبا، وأنا أتابع ما يشبه البيان تتلوه شخصية غير معروفة بملامح نصف واضحة، وخلفه علي بعد خطوات، وقفت مجموعة من شخصيات غامضة تنوعت ملابسها بين الأصالة والمعاصرة، قدم البيان المجموعة باسم تكتل الهلال النفطي، وهو كيان جديد لم يسبق لأحد أن سمع به، وسيكون الاسم نذير شؤم على البلاد والعباد والمجتمع الدولي، إذ قد يلهم مجموعات غامضة أخرى، يشدها الحنين لزمن الطفولة، إلى ممارسة لعبة الإغلاق والفتح، بتأسيس كيانات مشابهة. تكتل الهلال الغازي، يتولى إغلاق وفتح حقول وانابيب الغاز، تكتل الهلال المائي لشؤون إغلاق وفتح النهر الصناعي، تكتل الطريق الساحلي لخدمات إغلاق الطريق وفتحه، تكتل المطارات، الخ. وهذا سيزيد من أعباء فخامة رئيس مجلس النواب بمتابعة اغلاقات متعددة، وإصدار تعليماته بالفتح، فيما يتولى رئيس الحكومة زف بشرى الفتح للشعب.
اعتمد البيان منهج خير الكلام ماقل ودل، في أقل من دقيقة أعلن البيان فتح الحقول والموانئ النفطية، وعودتها للعمل بناء على تعليمات فخامته، بإنهاء الإغلاق الذي فرض قبل أيام، عبر أكثر من بيان حمل أكثر من مطلب واجبة التنفيذ كشرط قبل الفتح. التوزيع العادل للعائدات، وتسليم حكومة الدبيبة لحكومة باشاغا. بالنسبة للشرط الأول لا نعرف ماهي آليات التوزيع العادل المطلوبة، وأجزم أن تكتل الهلال النفطي نفسه لا يملكون مشروعا أو رؤية تحقق عدالة التوزيع، ولم يتحقق الشرط الآخر، فحكومة باشاغا مازالت تتجول في ربوع الوطن، تعقد الاجتماعات، وتتفقد المرافق المختلفة، وتتلو الفاتحة عند النصب الرمزية ترحما على أرواح الشهداء.
بالنسبة للمجموعات التي تظهر في الصورة لتلاوة بيانات الغلق والفتح، الأمر لايعدو سوى لعبة تمنحهم نشوة أوهام البطولة، فهم لا يدركون أبعادها وخلفياتها ومخاطرها، مجرد دمى يستخدمها الأقوياء، أصحاب الفخامة والسعادة وساعات الصفر.
ولتخفيف وطأة هذا العبث الذي لا ينتهي، لنتذكر مع كل إغلاق وفتح للنفط، لعبة الصبايا، افتحي يا وردة صكري ياوردة، ولنغني مع فيروز.. عم يلعبوا لولاد عم يلعبوا.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً